الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اريد وطن (1)

رعد موسى الجبوري
(Raad Moosa Al Jebouri)

2019 / 10 / 26
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لخص المتظاهرون في تشرين اول/ اوكتوبر 2019 مطالبهم بصرخة: " اريد وطن".
وكان هذا افضل تعبير واعي عما يحتاجه المواطن العراقي اليوم، فقد سلبت احزاب الشلل والعوائل الفاسدة الحاكمة الوطن من جماهير الشعب ونهبته، وجعلته ضيعة مستباحة لهم ولاسيادهم يباع ويشترى.
فكل انسان يحتاج الى وطن ينتمي اليه ويطمئن فيه على نفسه ومستقبل الاجيال بعده. وما أراده الحكام الطغاة هو قطع صلات وجذور الفرد العراقي بأرضه وتاريخه، ولم يدركوا عمق جذور العراقي بأرضه والتي هي المرسى المكاني لروحه.
وكما هو معروف فالعراقي صبور وقنوع ولكن اذا غضب: فاحذر غضبة الحليم.
الوطن هو الوعاء والمحيط الذي ينشط ويحيا فيه الانسان ليلبي حاجاته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والنفسية.
ولمس الشباب العراقي ان هذا النظام وهذه الحكومات المتعاقبة لا تلبي متطلبات بناء وطن يشبع حاجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية، بل يقوم النظام الحاكم القائم بتخريب مامتوفر من وطن ويهدمه، واضافة لذلك قاموا بسرقته ونهبه.
والوطن ليس بقعة ارض فقط بل هو تاريخ و تطور للبيئة الثقافية والاجتماعية والحياة الاقتصادية، وكل هذه الاسس قام النظام بتخريبها واستباحتها. فتم اهمال وتخريب البنية التحتية ورموز التراث العراقي وتاريخ العراق. وتم الاتيان بثقافة مسخ لفرضها على العراق العريق.
في المقاربات الكلاسيكية لنظرية الدور في علم الاجتماع، يمكننا العثور على المبررات النظرية لضرورة الوطن. فوفقًا لجورج هربرت ميد، فإن تطور شخصية الطفل يحدث في تفاعل معقد من التعبيرات الغريزية الفردية (الأنا "أنا")، والمواقف المتصورة والتوقعات السلوكية للنظيروالذي يشكل الحاضن المسيطر على الأنا (مقدم الرعاية / "أنا") ولا يمكن أن يتم تشكيل هوية الأنا إلا من خلال التبادل الاجتماعي مع مختلف "أنا"، مما يؤدي بعد ذلك إلى تطوير "الذات". ويقوم الوطن وناسه بهذه المهمة للفرد. واهم هذه الشروط لتشكيل الهوية هي البناء وتفسير البيئة الاجتماعية من جانب الفرد في تبادلها مع وجهات نظر الآخرين وفهمها وتفسيرها وتأثرها بالسلوك الخاص للاخرين. تعتبر السيطرة على الأدوار وتغيير المنظور عنصرين رئيسيين من أجل التمكن من التفاعل مع الآخرين. ويقوم ال "أنا" الفوري وغير المختص بالأمر بتوجيه تصرفات وتوقعات الآخرين. ويتم دمج القواعد والقيم والأنماط الثقافية في هوية الشخص وتشكل المظهر السابق لـ "الذات" المتطورة.
الوطن ليس رابطة ميكانيكية جامدة بالمكان بل هو رابطة عاطفية وروحية مهيمنة تربط الفرد بالمكون المكاني -وهو مشابه لمنظومة المفهوم الجمالي للمكان والمحيط - وتنمو هذه الرابطة من خلال التجلي الرومانسي للبيئة المحيطة فقط وتقوى بالسعي من اجل التميز. ولكن النظام السياسي الفاسد في العراق حول المحيط الى بيئة مقرفة وكريهة مجردة من أي علاقة مثمرة بين المحيط والفرد، كما وحول هذا النظام المشهد الثقافي الاجتماعي التاريخي لعلاقة العراقيين مع شعورهم بالوطن الى علاقة مليئة بالتوترات الاجتماعية الحقيقية والمؤلمة وحرمهم من الحياة اليومية اللائقة بالانسان وضاعف من وطأة الطفولة الصعبة بهذه الطريقة.
يصف مصطلح الوطن المسكن والمنزل العاطفي للراحة والانسجام بين الإنسان والبيئة، للثبات ومكان للعثور على معنى لتفاعل الانسان مع البيئة. وبهذا يصبح الوطن "المكان المرغوب فيه للأمن المطلق" والذي فشلت الحكومات ونظام ما بعد 2003 من توفيره للانسان والشاب العراقي. ويؤكد مفهوم المنزل والمسكن على الانتماء، والتقارب العاطفي، والاجتماعي، والأمن اليومي في الأخلاق والعادات والتقاليد اضافة للفعل بمعنى ماكس فيبر، الذي يميز بين أربعة أنواع من الفعل الاجتماعي، نوعان من الافعال العقلانية: الغرض منها العقلانية والقيم العقلانية، اضافة لنوعان من الفعل غير العقلاني: العاطفي والتقليدي، ومفهوم المسكن أو المنزل هو أكثر الأنواع غير العقلانية للفعل الاجتماعي. والتقاليد والعادات وكذلك الارتباط العاطفي هي الأشكال الحاسمة للتعلق في مكانات معينة. العقلانية القيمية أكثر أهمية من العقلانية الهادفة ، والتي لا يمكن تأسيس رابطة عاطفية على اساسها.
نعم فلقد سبق وان تم استخدام مفهوم الوطن للتلاعب السياسي العاطفي من قبل الاحزاب التي حكمت العراق بدون اعطاءه المحتوى الحقيقي، ولكن هذا لاينفي وجوده وحاجة الفرد له. واليوم يصرخ الشباب بكل تعطش وشوق له: " نريد وطن"
واليوم، تتخلل موضوعات ثلاثية الأبعاد لتفسير مفهوم الوطن: البعد المكاني، البعد الزمني، والبعد الخاص بالهوية. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن ربط مكونات المواقف المعرفية، أي "معرفة الناس بالخصائص والحدود المرتبطة بالفضاء المكاني"، والعاطفية أي "تقييم الانتماء والترابط مع الفضاء المكاني"، ووفقًا لبلومر (1969) فإن الوطن ليس فكرة جامدة تمتلكها الأشياء، بل هو معاني ومفاهيم تنمو في تفاعلاتها. وبه ينشأ المرسى المكاني الذي يرسو اليه المواطنون، من خلال التفاعل (الجسدي والحسي) للأفراد اذا توفرت لديه الشروط المذكورة.
وخيب هذا النظام الذي جاء بعد 2003 امال الشباب في توفير هذه الشروط وحاول هذا النظام توجيه ضربة وتدمير الهوية الوطنية، والتي هي اساس مركزي في مفهوم الوطن. وسيتبع مفهوم الهوية الوطنية في مقال القادم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيارة تحاول دهس أحد المتظاهرين الإسرائيليين في تل أبيب


.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in




.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي