الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمر العام بين التّإفه وعامّة الناس

ازهر عبدالله طوالبه

2019 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


بدأنا نسّمع بالفترة الأخيرة وبالنّقاشات العامة التي تتناول القضايا العربية بشكلٍ عام وقضايا الوطن بشكلٍ خاص، وعن ما اوصلها إلى هذا الوضع المُتردّي، الكثير من المقولات أو الأحاديث الدينية التي تُلخّص حال الأوطان العربية، والتي بإعتقاد الكثير من عامة الناس أنّها السبب الرئيسي في وصول البلاد العربية إلى هذا الحال المؤسف والمُحزِن . فمِن هذه المقولات والأحاديث التي يتكلّم بها الكثير - كبار السّن على وجه الخصوص- من المُتناقشين، بعد أن يصلوا إلى حالةٍ من العجزِ عن التّحليل او إلى حالة من عدم الفهم الحقيقي للأوضاع السّياسية والإقتصادية التي تمُر بها المنطِقة، هي مجموعة أحاديث قد نقلها لنا الكثير من السّابقين على أنّها عن الرسول صلّ الله عليه وسلّم، فمنّها الضعيفة في متّنها ومنها الصّحيحة، وهُنا سنأخذ حديثاً واحداً وهو محور مقالنا لهذا اليوم " سيأتي على النّاس سنين خدّاعات، ينطِق فيها الروبيضة، قيل وما الرويبضة، قال: الرجل التافه يتكلّم في أمرِ العامة " . فهذا الحديث يطولُ شرحهُ وليس بإستطاعة اي شخص إن يقومَ بشرحهِ، وأن يبيّن متن هذا الحديث قبل كُلّ شيء، وأن يُبيّنَ من هو التافه وما هو حديث التافه، إن لم يكُن رجلَ دين يخاف الله، يقول الحق ولا يخشى بالله لومة لائم، ويهمّه أحوال البشر والاوطان قبل ان يُهمّه الصعود على المنبرِ ليُقال عنه خطيب، ولا يُفسّر هذا الحديث - إن كان صحيحا- حسّبما تُملي عليه فرقته او يُملي حزبهُ ؛ لأنّنا بدأنا نرى بالفترة الأخيرة تقسيمات بين الأحزاب والجماعات الإسلامية لم نكُن نعرفها أو نسّمَع بها، ما أنزلَ الله بها من سُلطان .

إنَّ هذا الحديث أصبح لهُ تداولاً واسعاً بالفترة الأخيرة بشكلٍ غير مسّبوق، وكأنّنا لم نكُن نعرفهُ إلا بعد الرُبع الأول من القرن العشّرين إمتداداً إلى يومنا هذا فقط، ممّا أثار تداول هذا الحديث الكثير من الشكوك عند الكثيرين من المُسلمين حولَ صحتهِ . فلو جلستَ مع والدكَ وتناقشّتُما في كُل ما يدور حولكَ، ستجدهُ يقول في نهاية نقاشكما بأنّه آخر الزمان، وفي آخر الزمان يتحدّث التافة في أمرِ العامة، ولو جلستَ مع أحد كبار الحي وتحدّثتمُ عن إبن فلان وعن مشاركتهِ في ورشة او ندوةٍ أو مؤتمر سياسي أو أجتماعي، إقتصادي ، وهو في نظرِه غير مؤهل ولا يمّلِك من المؤهلات الفكرية شيء، ولا حتى من الخلفيات الإقتصادية والسياسية التي تُعطيه الضوء الأخضر في هذه المُشاركة، ورُبما تكون هذه بسببِ عداءات او خلافات مع والدهِ وليست صحيحه ولا منطقيّة، ستجدهُ يقول لكَ " فعلاً آخر زمن، ما ظَل غير ابن فلان يمشينا إقتصاديا وسياسيا "، وعندما تجِد مجموعةً من الشّباب تُحاول أن تُغيّرَ أحوال المُجتمع إلى الأفضَل وتعمَل من أجلِ تحسين الواقع المعيشي من خلال مُبادارت وجمّعيات خيّرية - اقصد هُنا الذين يعملون بتفاني وإخلاص ليس بحثاً عن الشّهرة والانا - ستجِد بأنّ الكثير ممّن يقابلونهُم يتّهمونهم بالرياء، ويُصنّفونهم ضمن قائمة التافهين الذين أصبحَ لهُم تاثيراً كبيراً على الحُكم والقرار حتى وإن كان على مستوى قريتكَ او مُجتمعك .

في حقيقة الأمر بأنّ حالة عدم الفهم الحقيقي للأحاديث الدينية، وعدم وجود مرجعيات دينية حقيقية توضّح للناس وتُفسّر الأحاديث لهُم تفسيراً صحيحاً، و وجود العديد من الإنتماءات الدينية وتشعّبها، و وجود الكثير من المرجعيات الدينية المُصطنعة، قد جعلَت الناس تتداول الكثير من الأحاديث الضعيفة، والتي أرى بأنّها بعيدة كُلّ البُعد عن ما جاء فيه رسولنا الكريم، وأنّ الكثير من ما يتداوله الناس هو محاولة لعدمِ تحمّل المسؤولية تحت حُجة " الله بده هيك، ما رح نقدر نعارضه "، فهذا الكلام غير منطقي، لأنّ الكثير تجدهم يتحدّثونَ عن هذا الحديث دون محاولةٍ منّهم على إيقاف هذا التافة - إن كان تافهاً- بعد أن تجاوز كثيراً .

وما أريدُ أن اقولهُ في نهاية هذا المقال، لماذا الناس تتداول هذا الحديث عندما تشّعر بالعجز وتُريد أن تُبعدَ المسؤولية عن كاهلها، وتتجنّب الحديث الذي يقول " من رأى منكُم مُنكراً فليغيره بيده، وإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فقلبه وذلك أضعف الإيمان" ألم يكُن تحدّث هذا التافه - كما يقولون- في أمور العامّة مُنكَر وجبَ الوقوف بوجههِ وتغيره ؟!
بَل أيضاً نجدها تتجنّب أيضاً الحديث الذي يقول " من لم يهتَم في أمور المُسلمين، فليس منّهُم "، فكانَ الأولى بهم أن يوقفوا تجاوز وتغوّل هذا التافه قبل أن يتجاوزا عليه بأحاديثهم، ويتركوا له الساحة يفعل بها ما يشاء .

وأخيراً وليسَ آخراً، اسّمحوا لي بأن اوجّهَ لكم مجموعة أسئلة حول ما يدور في كنفِ هذا الموضوع: إن كان حقّا من يتكلَّم بأمور العامة، ومن يقودهم ويُسيّرَ امورهم رجلٌ تافه كما يدّعون او كما ندّعي، فكيف يقبلونَ بالإنجرارِ خلف هذا التافه، وكيف يقبلونَ بهِ قائداً لهُم ومنظراً عليهم..؟!

وهل أصّبَحت العقول التي تقود هذه الأمّة، هي العقول التافهة فقط ؟
هل تكون العقول التّافهة قدوةً لكثير من النّاس ؟!

ما هي العقّلية التي يُريدونها حتى يتجاوزونَ عقلية التافه ؟!

متى سنكُف عن أخذِ ما يُناسبنا من الدّين، ونكُف عن تجاهل ما لا يُناسبنا ؟! الدين يؤخذ كلّه وليس جزء أو أجزاء منهُ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ردود الفعل في إيران عن سماع دوي انفجارات في أصفهان وتبريز


.. الولايات المتحدة: معركة سياسية على الحدود




.. تذكرة عودة- فوكوفار 1991


.. انتخابات تشريعية في الهند تستمر على مدى 6 أسابيع




.. مشاهد مروعة للدمار الذي أحدثته الفيضانات من الخليج الى باكست