الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرق العلَّم الوطني أية دلالات؟

عادل امليلح

2019 / 10 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


أمس تفاجأ معظم المغاربة عندما قام تلة من المحتجين ينسبون أنفسم إلى الحركة الأمازيغية بحرق العالم الوطني في باريس.. هذا العمل ترك استنكارات واسعة من لدن المغاربة، بل وحتى من المنتمين للحركة الأمازيغية أنفسهم، فالوطن فوق الجميع ولا علاقة له بالتجاذبات السياسية ولا بالتصورات الإثنية الضيقة، لكن ليس من الصدفة أن يكون ذلك على الأراضي الفرنسية وتحت انظار رجال الأمن، ففرنسا التي قمعت تظاهرات "السترات الصفراء" وحركت كل أجهزتها الأمنية لذات الغرض، ها هي اليوم لا تجد حرجا في أن يساء لوطننا..
إن حرق العالم المغربي على الأراضي الفرنسية له عدة دلالات؛
أولا: ليست فرنسا بريئة بحجة التاريخ، فهي منذ احتلالها للأراضي المغربية سنة 1912 عملت بدون كلل جاهدة لتقسيم المغاربة إلى كتلتين: كتلة بربرية وكتلة عربية، موظفة في سبيل ذلك جيشا من الباحثين والسياسيين، بغية فهم بنية المجتمع المغربي وضبطه حتى يتسنى لها توطيد الإستغلال الإستعماري... وتجلت إرادتها في ذلك عندما أصدرت الظهير البربري سنة 1930 الذي كان من هدفه توطيد هذه الإزدواجية وخلق صراع ملغوم بين العرب والأمازيغ كمشروع لتقسيم البلاد، حتى تحافظ على التوازنات وضمان هاجس ضبط المجتمع، إذ قامت بعزل بعض المناطق الأمازيغية من خلال إقصائها من التجهيزات والخدمات الأساسية، بجعلها في عزلة شبه دائمة، بعيدة عن كل ما يقع في باقي المناطق الأخرى داخل التراب الوطني أو خارجه..
ثانيا: التوتر والبرودة التي باتت تطبع العلاقات الفرنسية المغربية خاصة مع عدم حدوث القاء المعتاد بين وزير الخارجية المغربي "ناصر بوريطة" ووزير خارجية فرنسا "لوديان" كما جرت العادة خلال أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة... بينما إلتقى بنظيره الجزائري في نيويورك، كما أن إتجاهات الإعلام الفرنسي هي الأخرى باتت تعكس هذه البرودة... وربما تمرر فرنسا رسالة واضحة ليس للشعب المغربي وحسب بل للنخبة الحاكمة التي عملت منذ الإستقلال على ضمان مصالح فرنسا في المغرب.
ثالثا: لا يمكن الفصل بين ما حدث أمس عما يحدث في المغرب العربي من احتجاجات وما يحدث في العالم من تحولات، ففي الجزائر تصاعدت الإحتجاجات مطالبة برحيل رموز النظام السابق، وقد أدت بالفعل إلى تنحية بعض النخب التقليدية التي حافظت على المصالح الإستعمارية الفرنسية، لذلك جاءت الاحتجاجات مطالبة بوضع حد لهذه المصالح، مما جعل فرنسا في ريبة من أمرها.. زد على ذلك التدخل المباشر لفرنسا في النزاع لليبي ودعمها لأحد تياراته، محاولة بذلك إستدامة النزاع، الذي وإن أظهر التواطؤ الدولي فإن إيطاليا لم تكل في إعلان موقفها من فرنسا متهمة إياها بتفقير الشعوب التي كانت تحت احتلالها واثارة النزاعات.. كما أن نجاح الديمقراطية في تونس هو الأخر بات يشكل هاجسا حقيقيا لفرنسا ومصالحها، فليس من مصلحتها أن تظهر الديمقراطية في مستعمراتها السابقة، حتى لا تتحول إلى ظاهرة مؤذية تنتشر في باقي البلدان الأخرى التي دُفعت للتخلف قصرا... وبما أن الإقتصاد الفرنسي في عمومه مبني على العلاقات المتينة مع المستعمرات السابقة في إفريقيا، فإنها أصبحت في تقلص مستمر خاصة مع دخول قوى اقتصادية جبارة على الخط كالصين وروسيا وغيرها، التي لم تعد تبحث عن موطيء قدم في الكعكة الإفريقية وحسب بل تحاول أن تزيح القوى التقليدية وتعيد بناء شروط اللعبة وفقا لقواعدها الخاصة.
ومن هنا لا يعود أمام فرنسا باعتبارها قوة تقليدية حينما عجزت تماما عن مجابهة هذه التحولات، إلا بالعودة إلى أديولوجية تقليدية متمثلة في خلق الصراعات وافتعال النزاعات داخل المجتمعات، بحيث تعمل بسياسة فرق تسود،
ولكي لا نقع في إسقاطات ديماغوجية على فرنسا ونحملها كافة المسؤولية في ذلك، فإننا لا ننسى أن الوضعية السياسية والإقتصادية للمجتمع المغربي بحد ذاتها تساهم في تنامي هذه النزاعات والإنفصالات، فغياب الديمقراطية والرمي بفئات من المجتمع نحو الهامش وتنامي الفساد وسيادة الريع وتزايد الاحتكار ومظاهر الإقصاء.. كل ذلك أقصى غالبية المجتمع من حقه في خيرات بلاده، مما أدى إلى تزايد الحقد والكراهية للنخبة السياسيه والإقتصادية، لتنتقل هذه الكراهية من كراهية السياسيين إلى المس بالمقدس الذي هو التراب الوطني ولحمة المجتمع المغربي، وبالتالي فإن النخبة الحاكمة بدورها تساهم عن قصد أو غير قصد في تنامي القابلية للإنفصال والقابلية للتطيف والصدامات الإثنية، التي لم تكن قائمة في المجتمع المغربي، فقد تعايشت كل الكيانات الإثنية والدينية في سلام ولم تأخذ طابعا صداميا إلا مع مجيء القوى الإستعمارية، مما يعني قطعا أن الإثنية هي ظاهرة سياسية يحاول قصدا حشرها في سياقات تاريخية مغلوطة حتى تحصل على الشرعية التاريخية..
إن ما حدث يمثل نقطة تحول مهمة، فليس الأمر مجرد إظرام النار في قطعة قماش، وليس ذلك تعبيرا عفويا أو طيشا أو حتى تعبيرا عن حقد وكراهية... بل إن ذلك يعني قطعا أن الحركات.. إنتقلت إلى جعل الوطن والمغاربة في قلب الصدام السيايي، إنها تبلور لنوع من الطائفية الجديدة، لذلك وجب إعادة النظر في مغرب اليوم، المغرب الذي بدأ ينتج غرباء ومغتربين، إن الوضع السياسي ليس له من هم سوى الحفاظ على مصالحه ومصالح العاملين فيه، وتكرير النشيد الوطني تحت قبة البرلمان ليس سوى ديماغوجية مكشوفة للتعبير عن الإنتماء للوطن، ذلك الوطن الذين "يحلبونه" يوميا ويسرقون منه كل ما إمتدت إليه أيديهم وإن كان ذلك حتى نهب قطع الحلوى في البرلمان... إننا طبعا أمام قنبلة موقوتة وخطيرة للغاية تعدت منطق الصراع الرمزي في الموروث الشعبي بين الناس إلى الصراع على الشرعية التاريخية و السعي لتجزئة الوطن، هذا يمكن كشفه بسهولة عندما نجد مواقعا وصفحات عبر الوسائط الإفتراضية تروج لخطابات الكراهية والإنفصال.. هذه الصفحات بمثابة خزان الزيت يتم فيها إشباع الشباب بالمغالطات.. هذه المغالطات التي تجد في بنية المجتمع الهش تربة خصبة للنمو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله ينتقم لمقتل 3 من قادته وإسرائيل تحشد ألوية عسكرية ع


.. التصعيد الإسرائيلي الإيراني يسحب اهتمام الغرب من حرب غزة




.. الأردن يؤكد أن اعتراضه للمقذوفات الإيرانية دفاعا عن سيادته و


.. رئيس وزراء قطر: محادثات وقف إطلاق نار بغزة تمر بمرحلة حساسة




.. تساؤلات حول أهلية -المنظومة الإسرائيلية الحالية- في اتخاذ قر