الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر على منعطف الطريق نحو التحول الديموقراطي

فارس إيغو

2019 / 11 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


إن الموجة الثانية من الإنتفاضات العربية التي بدأت في ديسمبر 2018 أثبتت فشل الرهان على خطة الاحتواء التي إتبعتها كثير من الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، أي الاستمرار في سياسات الهروب من الاستحقاقات الديموقراطية والتوافقية مع المعارضات والحراكات في الشارع لغاية إضعاف هذه الحراكات الشعبية ومن ثم الإنقضاض على كل شكل من أشكال المعارضة السياسية الحزبية أو المعارضة التي يمكن أن تبرز في الشارع من دون تأطير حزبي.
وما يميز الحراكات الجديدة في السودان والجزائر هو الوعي التام بتجنب كل مطبات العسكرة والأسلمة وهي دروس استخلصها المد الثوري في البلدين من مآزق الثورتين السورية والليبية، وإن كانت السياقات مختلفة.
كانت فرصة العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة محفزاً للشعب الجزائري، واستفزازاً أيضاً له، لكنها أيضاً تمرد شعبي من أجل جمهورية جزائرية ثانية، ولحظة للتعبير عن وعي أمة جزائرية تولد للمرة الثانية، ولكن هذه المرة ليس ضد الاحتلال الفرنسي الذي خيم على الجزائر 130 عاماً، بل ضد القهر والاستعباد الداخلي للدولة والسلطة التي حكمت الجزائر بعد الاستقلال.
لقد استسلم الشباب الجزائري منذ فترة طويلة إلى خطب الدعاة في المساجد والى الافتقار إلى الثقافة بسبب الإهمال المتعمد من قبل السلطة، وحرمانهم من الحياة الثقافية اللائقة، ونظام الإعلام ذو اللغة الخشبية الجامدة، والذي إكتفى بنشر الدعاية لصالح النظام القائم.
واليوم بعد تسعة أشهر من الحراك المدني السلمي المستمر، وبعد الحصول على بعض المكاسب، ومنها استقالة بوتفليقة وتغيير الحكومة والقبض على الكثير من الفاسدين والتحقيق معهم من المحيط القريب للرئيس السابق، وصلنا اللحظة الحاسمة، وهي لحظة الانتخابات الرئاسية التي يستمر الشارع في رفضها والطلب برحيل كل رموز النظام وتشكيل حكومة انتقالية تحضر للانتخابات القادمة.
قبل موعد الانتخابات الرئاسية التي حددتها السلطة القائمة في الثاني عشر من شهر ديسمبر الحالي، هناك استحقاقان يواجهان الجزائر هما:
1ـ تصديق السلطة الوطنية المستقلة للإنتخابات على ملفات المرشحين، والتي ستحل مكان وزارة الداخلية التي أشرفت على الانتخابات منذ الإستقلال (1).
2ـ إنطلاق الحملة الانتخابية.
وعلى أساس هاذين الإستحقاقين سنتبين على مدى قدرة السلطة القائمة وخلفها العسكر على تأمين الحريات الضرورية للمرشحين مهما كانت إنتماءاتهم، وتأمين الحصص المتساوية لهم في وسائل الإعلام الرسمية، وأخيراً السماح للمراقبين الدوليين في الإشراف على سير عمل الانتخابات.
ومع إنقضاء الأجل القانوني لتقديم الترشيحات في 27/10/2019، فإن عدد المرشحين الذين قدموا ملفاتهم للنظر بها هم 23 مرشحاً، ومن بينهم بعض الوجوه البارزة التي مارست السلطة في الفترة التي تلت نهاية رئاسة الشاذلي بن جديد، ومن بين هؤلاء رؤساء وزراء سابقين، ووزراء سابقين. ومن أشهر هؤلاء عبد العزيز بلخادم (74 عاماً) رئيس الوزراء السابق، والأمين العام لحزب جبهة التحرير الجزائرية، هو الحزب في السلطة تقريباً من الإستقلال عام 1963، والممثل الشخصي للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
كان بلخادم قد أقصي من الحزب بطريقة خشنة عام 2014، ومنذ ذلك التاريخ إختفى الرجل من المشهد السياسي الجزائري. ويعتبر بلخادم أحد ممثلي التيار المحافظ والإسلامي في جبهة التحرير الجزائرية، وقد يعوّض غياب الإسلاميين عن هذه الانتخابات.
الوجه الآخر البارز بين المرشحين هو علي بن فليس (75سنة) رئيس الوزراء السابق، وهو الأمين العام لحزب (طلائع الحريات)، والذي إنضم في السنوات الأخيرة الى المعارضة، وقد ترشح في الانتخابات الرئاسية السابقة ضد بوتفليقة، وتشكل هذه الانتخابات الفرصة السياسية الأخيرة له بالنظر الى سنه المتقدم.
وبرنامج بن فليس هو تغيير النظام والإنتقال الديموقراطي ودستور جديد ومحاربة الفساد وإعادة بناء مؤسسات الدولة.
الشخصية الثالثة المهمة في هذه الانتخابات هو عبد المجيد تبون (74سنة)، رئيس وزراء سابق لمدة شهرين فقط، حيث تم عزله لأنه أعلن الحرب على قوى المال الذين أغرقوا السلطة السياسية بالفساد.
بلخادم، بن فليس وتبون، يتشاركون الثلاثة في أنهم كانوا أعضاء سابقون في حزب جبهة التحرير الجزائرية، الحزب الحاكم منذ الإستقلال، وهم الثلاثة ضحايا القمع للرئيس السابق بوتفليقة وللعصبة التي كانت تحيط به.
إن الحراك الجزائري الذي بدأ في التباطؤ في شهر أيلول الماضي، عاد في الأسابيع الأخيرة الى وتيرته في الأشهر الأولى مع القمع الذي ضرب خصوصاً الصحافيين الذين وضعوا تحت مذكرة بالقبض بتهمة الطعن بمعنويات الجيش الجزائري، وكذلك بالتعرض الى أمن الدولة الجزائرية، وهي تهم أصبحت معروفة في كل النظم العربية الاستبدادية ضد كل المعارضين السياسيين، وإن كان الوضع الجزائري لا يمكن مقارنته بالعراق قبل 2003، أو بسورية أو ليبيا قبل 2011، بل هو يشبه الأوضاع المصرية والتونسية والسودانية.
من الجانب الآخر، فإن رئيس الأركان الجنرال أحمد قايد صالح، مصمم على أن تقوم هذه الانتخابات الرئاسية في كانون الأول الجاري، وهو يعد بالعقوبات المستحقة حسب القانون لكل من يخالف قوانين الجمهورية ويحاول أن يعرقل سير الانتخابات الرئاسية. فالجيش الجزائري ممثلاً بقياداته العليا ومع الأجهزة الأمنية مصممين على إنتقال سياسي هادئ يجري السيطرة على أجنداته المرحلية من قبل القيادة العامة للجيش بالتعاون مع الرئيس القادم الذي سيخرج من صندوق الانتخابات القادمة.
لقد أغلقت القيادة العامة للجيش الجزائري الباب وإنزلقت بسياسات أمنية قمعية، لكن مع التنازل على طلبات عدة من الممثلين للمعارضة السياسية والمجتمع المدني.
بين هاذين الطرفين، الجيش وفلول النظام السابق الباقية في مجلس الوزراء والإدارات العامة، والحراك الشعبي في الشارع، وبينهما الطرف الثالث الممثل بالمعارضة السياسية التي تحاول أن تقف بين الطرفين مع تأييد المطالب المحقة للحراك، يوجد الطرف الرابع في المعادلة الجزائرية وهو الأغلبية الصامتة من الشعب الجزائري الذين ينتظرون ويأملون بتغيير جذري في نمط الحكم دون المساس بالأمن والمكاسب السابقة للجمهورية الأولى. إنهم في إنتظار أن تعود الإدارات الى عملها بصورة فعالة، وكذلك عودة عجلة الاقتصاد الى الحركة. وخلف هؤلاء يوجد بعض النخب التي تحاول أن تجد لها موقعاً في الحراك، تنال ثقة الحراك، والخروج من المأزق الإنسدادي الحالي.
لكن، الاستقطاب الحالي بين السلطة القائمة وخلفها الجيش والأجهزة الأمنية، والحراك الشعبي في الشارع، وغياب الوحدة في صفوف النخب والمعارضة السياسية الكلاسيكية، والخطابات المتعارضة من هنا وهناك، ما يجعل صوت هؤلاء النخب المعارضة غير مسموعة، وربما أصبحت الفرصة الوحيدة لهم هي الانتخابات، حيث يأملون بجلب الأصوات الكثيرة للجزائريين الذين يريدون الانتقال السلمي الهادئ والشرعية القانونية.
يبدو أن الكل قد فهم بأن الجزائر ذاهبة الى الانتخابات الرئاسية، يتأمل البعض من أعضاء المعارضة السياسية الذين يقفون في منتصف الطريق بين الحراك والقوات المسلحة أن يقدم الشارع بعض التنازلات بغية فتح نافذة في الانسداد الحالي في الجزائر. قد تكون الرئاسيات هي المنفذ للخروج من هذا المنزلق، وبالتالي، تفتح الطريق أمام فترة رئاسية انتقالية على النمط السوداني، حيث هو النمط الأكثر تلائماً للوضع الجزائري من النمط التونسي!!
والأكيد، أن الرئيس الذي سيخرج من صناديق الإقتراع هو الذي سيدير بنعومة المرحلة الانتقالية بين الجيش والحراك في الشارع، بين جذرية الجيش الذي لا يريد إنتقالاً فجائياً، والشارع الذي يريد قلب الأوضاع بسرعة، وتكنيس كل الطبقة السياسية والعسكرية والأمنية القائمة منذ 1963.
إن الجزائر في إنتظار الشهر القادم لنرى كيف ستسير الأمور، ففي موازاة الحراك السلمي في الشارع المستمر أسبوعياً كل يوم جمعة منذ الثاني والعشرين من شباط 2019، نرى أن وقائع السلطة في طريقها الى التحول الى برامج سياسية، لأن ما سيجري في هذه الانتخابات الرئاسية، هو بقاء الدولة بمؤسساتها، ومن يريد تغيير الأمور بهدوء ليس عليه أن يقوم بها إلا من داخل الدولة الممسوكة الى اليوم بتماسك القوات المسلحة، حيث النموذج العراقي الناتج عن الغزو الأمريكي المشؤوم للعراق، والنموذجين الليبي والسوري يجعلان النخبة العسكرية، وكذلك كثير من الجزائريين يفضلون الذهاب الى الصناديق يوم الثاني عشر من ديسمبر القادم.
لذلك، لا أرى مخرجاً في للمأزق الجزائري سوى بالإنخراط في الانتخابات الرئاسية القادمة والاستمرار في الحراك الديموقراطي الرائع، والحفاظ على الطابع السلمي والوطني للحراك لضمان الحصول تدريجياً على معظم المطالب المحقة للشعب الجزائري في الحرية والكرامة والعيش الكريم.
(1) أعلن رئيس السلطة الوطنية المستقلة للإنتخابات في الجزائر أمين شرفي، السبت في 02/11/2019، أسماء خمسة مرشحين تمت الموافقة على ملفاتهم من أجل خوض الانتخابات الرئاسية.
أما أسماء المرشحين الخمسة فهم: عز الدين ميهوبي وزير الثقافة السابق ومرشح التجمع الوطني الديموقراطي وأمينه العام بالنيابة، وعبد القادر بن قرينة مرشح حركة البناء الوطني، ورئيس الوزراء الأسبق عبد المجيد تبون، وعلي بن فليس رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب طلائع الحريات، وعبد العزيز بن بلعيد رئيس جبهة المستقبل.
وأشار شرفي في مؤتمر صحفي إلى أن المرشحين الخمسة هم من تمت الموافقة عليهم من أصل 23 مرشحا تقدموا بملفات ترشحهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي