الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قول في الثورة

محمد ليلو كريم

2019 / 11 / 7
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


من العلامات الممهدة للديكتاتورية الدعوة القسرية ، ومن ذرائع التبلور الديكتاتوري إدعاء جدوى الدعوة القسرية ، فالديكتاتورية تدّعي انها تريد صالح من تقسرهم على الإنخراط في نظامها ، وكذلك الثورة تفعل ، أو لنقل أن هناك نوع من الثورات تمارس نفس الدعوة والإدعاء الديكتاتوري ، فالفورة الثورية وتأجج العاطفة والحماس وغلو الثوار في تمجيد عملهم الثوري تسوق عقل الثورة الجمعي فيتمجد في عين نفسه وتُحقّر المعارض والمُنتقد ، فالثورة التي تطالب بالحرية ستقمع الحرية ، وإعلانها المضاد للتقييد سينقلب الى قيد ، والثوري الثائر بدفق صوفي سيتحول الى ثأري مُكفِّر ، وستكون ساحة الثورة مكان التعميد الوحيد وكل المساحات الأخرى مُجدِّفة ، وسوف تقوم الثورة مقام السلطة الأحادية ذات الرأي الواحد .
" تعالوا معنا وإلا فلا حق لكم في رأي " هذا إعلان الثورة المرعب ، ولا تسأل الثورة نفسها العاقلة ؛ ماذا لو صرت أنا المتسلط ؟ . أو على الأقل تسأل نفسها : هل في احشائي اشواك متوارية ؟ .
لما لا يحق لنا أن نرافق الفعل الثوري بنقاش نقدي ، أو برأي معارض ، فهل الثورة تُجسدُ فعلَ معصومٍ لا ينطقُ عن الهوى ؟ .
الرأي والنقاش والنقد والإعتراض أفعال ضرورية ترافق الفعل الثوري فتُقبَل لتكون الثورة راعية للفكر المتنوع والتعددية السياسية ، وإذا رُفِضَت ستكون الثورة مشروع سلطة ارهابية ، ولنا في التأريخ نماذج ناصعة كنصوع وهج الحروب والتفجيرات وصرخات المقموعين ، وليس من مُدعٍ أن ثورة قامت كانت كأفضل نبي أرسِلَ للعالمين .
الثورة ؛ ثورة وعي تنطلق في مجال العقول بدءاً ، ثم تخرج الى الظلام كأنوار تبهج النفوس وتُطمأن القلوب ، هي أملٌ لا وجل ، أما إذا نظرت الثورة لنفسها في مرآة صخبها والتوحد كملاكٍ وما سواها شياطين ؛ فالحذر الحذر ، بل كل الحذر .
" أريد وطن " وأنا كذلك أريد وطن ، ولكني لا أريد الديكتاتورية سواء أكانت سلطة أو ثورة ، فالسلطة الحاكمة تكفل الحقوق للمواطنين ، والثورة تُرجِع الحقوق للمواطنين أن أمتنعت عن ذلك السلطة الحاكمة ، أما أن تُستبدل السلطة التي تقدس نفسها بثورة تُقدِس نفسها فهذا عبث غير مفهوم ، وفوضى لا مبرر لها ، وإعتداء تكميلي حيث تستكمل الثورة ما كانت تمارسه السلطة الحاكمة من إعتداء على المواطنين ، وكِلا الإعتدائين نواجههما بالرفض ، أي أن علينا كمواطنين أن نُعلن أو نقرر رفض ديكتاتورية السلطة والثورة ، ونُبين أن التأريخ مترع بتجارب ثورية متراكمة نستخلص منها أن عاطفة الثورة مادة الخطر والتهديد ، وأن لا بد من عقل من أنوار يتحكم بفعل الثورة ، وإلا فستكون المقصلة بديلًا للباستيل .
على الثورة أن تسأل نفسها : هل أنا فعلًا نقيض السلطة الحاكمة ؟ .
الثورة موصِل وليست نقطة ارتكاز ، والثورة جسر ينبغي أن يجهد الثوار للعبور عليه بأسرع وقت ، وكذلك أن يتم العبور بحمولة فكرية تحملها الأذهان الى الضفة الأخرى ، وكيف يتحقق هذا دون منتظم سياسي ، أو كيف لما أن نراهن على ثورة لا تكترث بالوعي السياسي المنتظَم والحمولة الفكرية ومحاولة الإسراع بالإنجاز ، فالثائر الذي يثور بدافع الثأر ، والثأر لا غيره ، ويتجاهل الإنتظام السياسي ، ولا يكترث بتحديد نقاط بعينها يُطالِب بها ؛ هو منتقم بدافع نفسي .
ولنتيقن ؛ أن الثورة التي تتقبل النقد والرأي الآخر ستتقبل التنوع السياسي والحوار والمشاركة ، وإلا فنحن أمام فورة خلعت على نفسها إسم ؛ ثورة ، فكانت فورة لخلوها من مقومات الثورة التي نرغب بها ، فهناك ثورة مرغوبة وأخرى غير مرغوبة ، ولنُعيذ أيامنا القادمة من كل فورة وإستبداد ثورة .

٦ ت٢ ٢٠١٩








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تعتقل عدة متظاهرين في جامعة تكساس


.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم




.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟


.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة




.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا