الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طاق طاق طاقية

رولا حسينات
(Rula Hessinat)

2019 / 11 / 7
كتابات ساخرة


التعديلات الوزارية وتغيير الطواقي أشبه بلعبة كرسي كراسي التي كنا نلعبها في صغرنا، العجيب أنني لا أذكر أني فزت فيها، لا أدري لماذا؟ رغم أني لم أحمل زمنها لحمًا كثيرًا، ولكنني لعبت طاق طاق طاقيه وأذكر أني فزت فيها...ربما من الجميل أن يستذكر المرء منّا طفولته، لكنه لا يتمنى كما يتمنى البعض أن تعود أيام الماضي ويدعون بأنها زمن الماضي الجميل.
أممم! لأكون منصفة ربما تكون جميلة للبعض ولكنني لا أجدها كذلك للكثيرين.
في العاشرة من عمري كنت أذهب للدكان، وهي بمعنى دكينة بمتر ونصف المتر ربما، دون علمي أمي أو إخوتي، فقد كنا نعيش في القرية وكان من العيب أن تذهب البنت للدكان، وقتها كنا نحتج كثيرًا في أنفسنا، والسؤال العالق: هل الأولاد أفضل؟ وإن طلبنا منهم فلن يقوم أحدهم بشراء ما نريد؟ وربما يفعل لكن بعد ثلاثة مجلدات من السين والجيم، يبدأ أولها: من أين لك هذا؟
المهم أنني كنت أحب جبنة الكرفت بعلبتها البنية واللون الأصفر الغامق وتتصدره كلمة كرفت واللذة التي تحملها معنى جبنة كرفت ، في الواقع ليست للدعاية إذ أنني كنت أحب شراء جبنة كيري بعلبتها الزرقاء ذات الدرج، لا أدري في الواقع من أين ذلك المال؟ مع أنني كما يحب الكثيرون أن يشيعوا عني بأنني لا أحب أن تبيت النقود في جيبي وهذه حقيقة لا أخفيها. ولكنها ليست مطلقة، فالمال لقضاء الحاجات وليس للكنز، وبمناسبة الاكتناز...يمكن أن يطرح سؤال نفسه: متى يستطيع المرء الطبيعي (ليس البخيل، ولا الشحيح أو المريض بالمال) أن يكتنز...وربما لنكن أكثر دقة أن يدخربعضًا من نقوده؟ الجواب الطبيعي: عندما تزيد عن حاجته؟
أممم وهل يمكن للمال أن يزيد عن الحاجة؟! في الواقع لم أصل بعد لتك المرحلة. ولذلك لن أكون قادرة على تفصيل حالتها بدقة، وسأبقي على مضض تلك الحقيقة الظالمة "أنني لا أقبض مصاري" كما في لهجتنا الأردنية...لأنني أحب مشاركة الآخرين بها ولا أجدني غير ذلك!
المهم في ذلك الوقت عندما كان أبي يأتينا بعلب الدبس من العراق والمن والسلوى والكثير من الحلوى عند الانفتاح الاقتصادي الكبير الذي شهدته الأردن أيام الملك حسين...سمعت عبارة لم أفهمها ولكنها ارتبطت في تفكيري الغض آنذاك: بشدو الأحزمة على البطون! قالها وقتها المجالي رئيس الوزراء الأردني. والكثير من الضحكات والسباب مشحون بها في ربيع الجلسات...وبمناسبة المجالي فإني أذكره أن اسمه استوقفني أيام مسيري في شارع الجامعة في الثانوية العامة بعد انتقالنا من القرية، كانت على ناصية الطريق التي تلي فندق حجازي آنذاك عندما كانت فتاة جهمة (طويلة وممتلئة) بشعرها الأسود وقد ربطته كذيل حصان وبقربها فتاة أخرى بحجمها تقبض على صبي من عنقه وقد لفت قبة التيشرت الذي يلبسه بإحكام والصبي يصرخ متألمًا وبيده باكيت علكة شعراوي بلونها الأصفر والأحمر وهو يردد: لم أقل لم أقل. وهي تردد: إنت ما بتعرف مع مين بتحكي، ولك أنا بنت المجالي...رئيس الوزراء.
للأسف تعدت عقيدة ولك أنا بنت رئيس الوزراء لابن أو بنت وزير، عين، نائب أو مسؤول رفض أن يذكر اسمه. ما يضاقني من نفسي حتى اليوم أنني لم أقف لأخبرها: وحتى لو كنتِ شو يعني؟ ولكنني مضيت في طريقي أقطع الطريق تلو الطريق ودمي يحترق...وربما أستطيع اليوم أن أنام بهدوء وأنا أقول: يعني مين إنت؟! ما كلكو حرامية.
عندما كبرنا سمعنا أن الأردن يعاني من أزمات مالية خانقة وأن العجز في الميزان التجاري ضخم ولا نستطيع سداده...لا أخفي أن الخوف قد تسرب إلى داخلي، ولكن مادمت غير مسؤولة إلا عن مصروفي وسندويشة المدرسة فلست أبالي!.
وبعدها في الإعدادية كانت الفتيات في المدرسة يرتدين الشماغ الأبيض والمبلط بالقطع السوداء، كنا في مدرسة القرية أردنيات، لا أذكر أن هناك أيًا منهن، تعجبت حينها من الأمر، ولما سألت تعجبن وبخاصة فقيهات عصرهن من جهلي بيوم الأرض.
أممم الأرض ويوم غريب لماذا كان يومًا للأرض لنستذكرها. ضحكن وقلن: يا جاهلة لا تعلمين أن اليوم احتفال بذكرى يوم الأرض لفلسطين وسيكون هناك بالتأكيد يوم تحريرها.
لم أنلقش في الحقيقة فقيهات العصر لأنهن كثر كما هم كثر وكثيرات هذه الأيام...فمازلنا نحتفل بيوم واحد للعودة ويوم واحد للأرض ويوم واحد لذكرى ويوم واحد لنكبة وعدد كبير من الأيام على الرغم من أيام داحس والغبراء كانت أطول منها لكنها انتهت ولكن هذه الأيام لم تنته. وتلك الجاهلة بقيت بالفعل جاهلة بأيام تباع فيها المقدسات والأرض والعرض والقيم والمبادئ والأصول والنفوس وكثير من الأشياء أصبحت لها أسواق ومزايدات علنية وصفقات دولية، وتمويل عربي وغسيل أموال عربي أيضًا.
ولكن إن كان هناك غسيل للمال فهل هناك غسيل للعرض والشرف؟!
تلت تلك السنة أحداث الخليج عندما دخل صدام حسين الكويت وبدأنا في قريتنا نسمع عن عودة الفلسطينيين من الكويت. ربما لم نكن لنعلم بهم، إلا من واحدة أو اثنتين سكنتا قريتنا مع عائلتيهما..تجم الفتيات حولهن والتسابق لصحبتهن..والمصطلحات الجديدة التي بدأت تدخل عالمنا وروايات عبير وقصص الحب والغرام، والعلاقات بالرسائل والمسكرة على العينين وغيرها من قصص حتى جاءت قصة المخدرات. طبلت قريتنا بها فترة من الزمن ثم بعد ذلك غابت. قيل: تم فصل الطالبة ورحلت الأسرة عن القرية. وجميع الفتيات أنكرن علاقتهن مع الطالبة. حتى جاء يوم في عطلتنا الصيفية أن رن الهاتف، قيل لي: أن مديرة المدرسة تريد محادثتي. في الواقع لم أستطع الحراك من مكاني دقائق وأختي تأمرني بالإسراع...لم تكن الهواتف النقالة قد دخلت عالمنا بعد فكان هاتفنا ذي اللون الأخضر والأزرار السوداء على واجهته أنيقًا مهابًا. السؤال الذي طرح نفسه: مالي مديرة المدرسة ومالي؟ لم نكن في الواقع نحب بعضنا، كانت شرسة الطبع والتطبع وفي الحقيقة لا أحب أن أذكرها بأي شكل من الأشكال أو حتى رؤيتها. أخيرًا وصلت للهاتف: قبل مرحبا وأهلين...سألتني بجفاء: هل تعرفين الطالبة....؟ قلت: نعم، هي في صفنا. قالت: كيف علاقتك بها: الواقع والحقيقة أنها في صفي. وفي نفسي حديث غائم فليس من عادتي أن ألتف حول أحد أو أن أصادق أحد التم الجميع حوله، أعرف الكثيرات ولكن صداقتي ربما لواحدة وربما لا أحد... ولكن القضية الفلسطينة بقيت ومازالت حقيقة رغم أن تلك البنت كانت تقول عن نفسها أنها كويتية! الكثيرات من صديقاتي فلسطينيات ثابرن على حفظ القضية ومازلت أعتز بأنني جاهلة بإنكاري لصفقات بيع الأوطان وأعتز بأنني أبنة كل الأوطان...
وبقيت القدس كما بقيت فلسطين نقشًا في القلب مهما ادعى ترمب..بلعبة العواصم أو ادعى البعض الشرف وهم يبيعون ما أمكنهم ليضمنوا حياة أخرى مع أول هزة.
الجاهلة رغم مقاربتها من الثانية والأربعين أحبت ذلك الجهل..وأصبح من هوايتها بعثرة الحروف وكتابة الروايات والقصص طافية على قوارب ورقية بين لكثير من أعقاب السجائر.
في ذات الإعدادية كنت أشفق على بنت واحدة في الصف، كان بها ضعف شديد في الشخصية والعقل...كانت ببساطة مسكينة وكما المجتمع مهما تطور لا يقبلها...منبذوة في الصف...كنت في حصص الفراغ أجلس إلى جانبها أعلمها الأحرف وأبني معها الكلمات، وأعلمها الجمع والقسمة والضرب...حتى أنني أذكر أنني في ساحة المدرسة وقت الفرصة علمتها الحساب مستخدمة عددًا من الحصى الصغيرة والعصي المترامية هنا وهناك وكانت تلفت انتباهي بتعلمها السريع. إذًا هي ليست غبية كما يشاع ولكنها تحتاج إلى عناية خاصة. ربما علاقتي الطيبة معها جعلت الكثيرات يبتعدن أو يقتربن ومن يبالي ..كنت أشعر بشعور عال من الرضا والتصالح مع الذات...وهو في الواقع ما أشعر به حتى هذه اللحظة...
الكثير من الذكريات تترامى أمام كل منها وكثير منها تكرر حدوثه ولكن بأكثر من صورة...وكثير من الأحداث بقيت عالقة دون تغيير...حتى صنفت في أدمغتنا بأنها غير مهمة أو خارج الخدمة..أو لنكن أكثر دقة بأنها لا تعني لنا شيئًا وهي كغثاء السيل.
وهو في الواقع لعبة تغيير الطواقي أو لعبة كرسي كراسي أو طاق طاق طاقية التي تلعبها الحكومات المتعاقبة مع الشعب الأردني الذي ربما أعجبت الكثيرين وتشنج الكثيرون على صرخات إحدى الفتيات اللبنانيات: كل الأرطة حرامية! وفهمت على أساس كل الأردن حرامية ...
التعميم في الواقع حرام، لكن الحرامية موجودون ويتكاثرون كبيوض الثعبان وكبيوض البعوض ويتولون المناصب ويديرون ملفات الأزمات ويأخذون من دم الشعب لحساباتهم في سويسرا لتأخذ بعد ذلك لأمريكا أو لسويسرا نفسها بعد حجزها...والكثير منهم في حكومات الظل ومنهم نائمون في قصورهم العاجية في الأردن طابق ثالث بعد امتلاء الطابق الثاني عن آخره.
وبقي يقال: أنني أنفق الكثير من المال رغم أني لا أملك الكثير منه...وكثير من الأوقات ينتهي الشهر بلا مال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثلة رولا حمادة تتأثر بعد حديثها عن رحيل الممثل فادي ابرا


.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب




.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل


.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف




.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي