الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطريق الى امستردام /رواية - الفصل الثامن

ذياب فهد الطائي

2019 / 11 / 11
الادب والفن


لم تتوقف صفية عن التطلع الى البحر ،كان الشاطئ الرملي يمتد عرضا حوالي خمسين مترا ثم يبدأ البحر تلامس موجاته حافات الشاطئ ناقعة الرمل بالماء المالح ،المسافة الثانية من التقاء الماء بالرمل تمتد أيضا خمسين مترا تقريبا تبدو بلون أخضر ,الى الامام يأخذ لون الماء زرقة تتكثف كلما ابتعدت بنظرك
-لم أشاهد البحر قبلا ...إنه مخيف فعلا
-هذا لأن اليوم غائم ومعتم ، البحر مصدر الحياة للبشرية
تأوهت وكأنها تشعر بالذنب لأنها ستسافر في البحر، تحمل بين جوانحها أملا بالغد وا لحرية ،وترحل بعيدا عن عالمها يدفعها فضول الى خوض التجربة حتى النهاية
استلقت على السرير فيما بدأ المطر غزيرا يتساقط حبات كبيرة ، حتى إنه يضرب الشباك العريض للغرفة بصوت مسموع يستثير القلق من شيء غامض قد يقع بأية لحظة، أغمضت عينيها بحركة إحتجاجية ، وقالت-سأنام ، تصبح على خير.
كان البحر الذي استثاره المطر والذي كان في البداية مغيضا ولكن مترقبا ليعلن إحتجاجه ،الموجات المترددة في الوصول الى الشاطئ تتسم الان بالعنف وتلطم الحاجز الصخري بعناد متكرر فيندفع الرذاذ الى باب الفندق ،والشارع الإسفلتي الضيق الذي يمتد أمام الفندق ويلف حتى استدارة الأرخبيل تحول الى مسرب للمياه المتساقطة من السماء أو المندفعة من البحر،السماء التي كانت ترد على البحر أضحت سقفا محكم الاغلاق مظلما ، يترسخ انطباع أكيد إننا في شتاء ليس عراقيا بالمرة ، نحن نرى الجانب الاخر من (الرحيل) الجانب الأكثر إثارة وخطرا، هل ستصمد الباخرة التي ستقلنا فجرا أمام عنف الطبيعة المفاجئ؟.
الحرية التي ننشدها على مسافة ثلاث ساعات في بحر ايجة ،كم هي قريبة وكم هي بعيدة ، شيئا من الندم بدأ يتحرك في صدري ولكني عملت أن لا أدعه يتملكني فقد أصبح التراجع مستحيلا ، ثم أين نتوجه ؟ ربما لو كنا نملك الكثير من المال لأمكننا أن نستقر في الاردن أو في سوريا أو حتى في بلدان الخليج العربي ، لقد استقبلوا اصحاب الملايين ليساهموا في تنشيط اقتصدياتهم ، نحن نبحث عن عمل فهل نجده في تلك البلدان ، في أوربا يعيدون تأهيلنا وقد يتم تعادل شهاداتنا ونواصل الدراسة ، العودة الى بغداد مستحيلة بعد القطيعة مع عبد الغفور عبد القهار ، ربما سيكون أكثر سطوة وبالتالي لن نجد مكانا آمنا في العراق كله.
غفوت وأنا على الكرسي، كانت أحلامي خليطا ملتبسا من أحداث بدت متداخلة رغم إنها من اوقات متباينة وفي مناسبت مختلفة ، شعرت إن رأسي يصبح أثقل وإن خدرا يوخز فخذي الأيمن،من بعيد كنت اسمع صفية تناديني ثم صحوت وهي تهز كتفي لتوقظني
-ستتعب من نومك على هذا النحو
- لقد تعبت فعلا..كم الساعة الان
استدارت لتتطلع في الساعة الملقاة على كوميدونو سرير النوم
-الثانية وعشر دقائق
-امامنا خمسون دقيقة ....لنلقي النظرة الاخيرة على حاجياتنا والمبالغ
حين نشرت صفية المتبقي من الملابس وسترتي نجاة في حالة التعرض لمشاكل في البحر ، طلبت منها أن تتخلص من الملابس الإضافية عد ا بلوزتين من الصوف وسترتي النجاة
كانت صفية مرتبكة تتحرك بشيء من العصبية وتحاول جاهدة أن تتجنب الحديث فقد كانت تخشى من أن يفضحها صوتها المرتجف فيكشف خوفها ،
حاولت أن اطمئنها –سيكون عبورنا الى اليونان تجربة جديدة
نظرت بشك فيما جال في عيينيها تساؤل لم تفصح عنه، أقدر ما تمر، به فعند ظهور مخاوف غامضة بسبب المجازفة الخطرة التي تبدو في أفق المواجهة التي نتعرض لها ، تلتبس المشاعر ، وقد فاقم من هذه المشاعر حالة الجو الغاضب والذي كأنه يوجه تحذيرا لنا ،فجأة إنكشف لي على الجانب الآخر من ذهني ما يمكنني أن أتعرض له لو إنا بقينا في بغداد ،حينها سأتحول من إنسان بمشاعر سوية الى آخر تابع عليه أن ينفذ أوامر سيّدة ...الى كلب حماية يختطف اللقمة من آخر ليقدمها لسيده ،لقد شاهد صاحب قضية استيلاء عبد الغفور على البستان على دجلة التي أضطر لتركها بناء على أمر عبد الغفور ، كان الرجل يبكي بحرقة فاجعة فهي كل ما يملك ، لم تكن بستانا للنزهة ، كانت الارض التي يطعم منها عائلته وكانت تأويه أيضا ، هو الان بلا مصدر رزق وبلا مأوى, وهو كيف سيواجه العالم إذا دفع للمساهمة في عشرات القضايا المماثلة ، هل يستطيع أن يحيا بكل ذاك الحمل من الذنوب ،أن يحيا إنسانا ،على الضفة الأخرى من بحر إيجة يمكن أن يظل انسانا ،
قال- علينا أن نؤمن إنا نواجه قدرنا وقد عزمنا ، وإذا عزمتم فتوكلوا
تطلعت صفية الى البحر وهي تزيح الستائر ، كان صوت ارتطام الموج بالحاجز الصخري قد خف وتوقف عن دفع الماء الى الشارع الإسفلتي ،بدا الفجر مشوشا وهو يتمدد على سطح البحر العكر والمتموج ،
قالت –تعلمت السباحة وانا صغيرة ، كان أبي يصحبني الى المسبح في النادي الاولمبي ، وفي الجامعة كنت أذهب مع بعض الطالبات الى مسبح فندق بابل،وأنت؟
انتبه عمر الى إنهما مازالا يجهلان الكثير عن بعضهما البعض ،كان يعبر دجلة ذهابا وايابا ويفاخر (بنفس واحد )
-سنرى ....ولكن ليس في بحر ايجة ....ربما في مسبح في هولندا
-لقد وضعت سترتي النجاة في الحقيبة وأفضل أن نرتدي (بلوزات الصوف ).
حين رن جرس الهاتف كانا في طريقيهما الى الصالة
مطر خفيف في الخارج ، كان عند باب الفندق باص صغير يتسع لثمانية عشر راكبا ،السائق الذي كان يرتدي معطفا واق من المطر ويضع على رأسه قلنسوة من الصوف حد العينين وتترك شاربيه الأشيبين يتمددان على زاويتي فمه ،كانت عيناه متكاسلتين وكأنه يعلن عن قرفه من المهمة التي يقوم بها ، فهما نصف مغمضتين ويتجمع فيهما بقايا دموع مسحها حديثا ،كان قد ترك الباب مفتوحا ولم يستقبلهما ، أشار عليهما بالصعود .
في الباص كان ثلاثة اشخاص ،إثنان من الافارقة وشاب نحيل الجسد كان يرتجف مقرورا فقد كان يرتدي سترة صيفية واسعة عليه وبنطالا من الجينز ،
استقرا الى جانب الشاب الذي كان ينظر نحوهما بمودة ،أما الافريقيان فقد بدا أنهما منطويان على نفسيهما
همست صفية بإذن عمر –الشاب الى جانبك يعاني من البرد ،لديّ بلوفر صوف أعتقد إنه ملائم له
فتح عمر الحقيبة وأخرج البلوفر
رفض الشاب قبوله ولكن عمر اقنعه ،وحين لبسه تحت الجاكيت الواسع شعر بالدفء فاعتدل في جلسته
-شكرا
استغربا فقد نطقها بعربية سليمة
-هل انت عربي؟
-لا من افغانستان
- وأين تعلمت اللغة العربية ؟
شعر عمر إنه دونما تفكير يعود الى طبيعته المحققة ، عشر سنوات في المحاكم لابد أن تترك آثارها التي تظهر فجأة ودون أن يقصدها
تطلعت اليه صفية بفضول فيما كان الافريقيان يتطلعان عبر الزجاج الى البحر العكر بسبب الضباب والريح الخفيفة
-كنت ادرس الهندسة في العراق ومن زملائي تعلمت اللغة
كان السائق قد توجه خارج المدينة باتجاه الشمال فقد كانت المنازل تتناقص حتى اختفت على الجانب الاخر من الشارع الممتد مع البحر ،لم يكن هناك غير مزارع وبساتين مسيجة وأحيانا يسمع نباح كلاب تتشاجر طلبا للدفء، توقف عند منعطف الى اليمين قليلا حيث صعد خمس رجال وامرأة بيدها طفل في السادسة وعلى صدرها طفل نائم لم يتبينا عمره،كانت المراة متعبة تجر طفلها بآلية ،
-ولماذا أنت مهاجر ؟
- قصة طويلة ولكن باختصار حصلت على منحة عن طريق باكستان للدراسة في جامعة بغداد، كان الاستقبال مدهشا ،حصلت على سكن و مساعدة مالية شهرية،في العام الماضي كنت في كفتريا السكن الطلابي وكان هناك نقاش حول الحتمية التاريخية ، كان الطلبة وهم بالمناسبة يدرسون تخصصات مختلفة، يناقشون نظرية فوكي ياما حول نهاية التاريخ ،المجال لا يسمح بالتفصيل ،عرضت الخلاف بين فوكوياما واليسار الجديد واستعنت بنظرية سمير أمين الماركسي المصري حول الحتمية التاريخية ، في اليوم التالي وبعد انتهاء الدروس تم استداعي لمقر لمنظمة الطلابية في كلية الهندسة ،جرى انذاري والامتناع عن الاستشهاد بالماركسية وباي من رموزها ، بعد إسبوع جرى استدعائي لاحدى الدوائر الامنية ،وهذه وحدها قصة ،
توقف السائق في منطقة منعزلة مكتظة بأشجار الحمضيات عند رصيف من حاجز صخري ربطت فيه بالحبال ناقلة مما يستعمل في الانهار الكبيرة لنقل البضائع ، كنت قد رأيت مثلها في البصرة ، قال زميلي ،هذه( الدوب ) تحمل البضائع الى الباخرة الراسية بعرض البحر بسبب عدم ملائمة الغاطس في النهر، فكرت ا نهم سينقلونا بهذه الناقلة الى الباخرة ،قال رومال ، بالمناسبة هو اسم الشاب الافغاني
-هذه الناقلة ثانية !
ونحن نقف طابورا أمام العارضة الخشبية للعبور الى الناقلة التصقت صفية بي يشدها خوف ، فهنا بدأت الرحلة بجانبها الاكثر غموضا وصعوبة ،نحن أمام تحد مرعب ،قال رومال
-عمي هذه العبارة المتداعية هي التي سنعبر بها بحر ايجة
تقدم بحار اسمر البشرة يرتدي (بلوزة ) سوداء بنصف كم يسمح لعضلات زنديه المنتفخة بالاستعراض الحر ، ثبت بقدمه العارضة ، كان يضع في قدمية حذاء عسكريا أحمر اللون بشريط يثبتهما ،لم يبتسم فقد تعود على مواجهة مجموعات متعددة من الهاربين من جحيم أوطانهم الى أوطان ترف في أحلامهم رايات للحرية والامان والمستقبل
حين نزلنا الى الناقلة التي لم تكن أكثر من حوض معدني مستطيل ،ربما عشرون مترا في حين لم يزد عرضها عن أربعة أمتار وهي دونما سقف ، على امتداد الجانبين كنت (مصطبة ) من الخشب مثبتة بمساند حديدية صدأة ،في الوسط تم تركيب غرفة للقيادة ومحرك يعمل بالديزل كان صوته يصم الاذان ،جلسنا تحت الغرفة ،قال رومان هنا أفضل فقد تمطر السماء ، سقف الغرفة سيحمينا.
بدت صفية مرعوبة وهي تجول بنظرها في وجوه الهاربين، سحنات غريبة، في العيون قلق وترقب وخوف ،وعلى وجوه البعض أثار سوء التغذية فهي ممتقعة يغرس فيها الخوف من المجهول أمتقاعا وعلامات تتراوح بين الغضون المبكرة على الجباه أو الخطوط الممتدة أسفل الفم ،كانت ملابس الافارقة كأنها فارقت حاويات القمامة أمس فهي لا تلائم الأجساد التي تضمها والكثير منها يعاني من كثرة التمزق ، ولكن الذي ضايق صفية هو الرائحة المقززة المنبعثة منها والتي جعلتها رطوبة الهو اء الثقيلة أشد وطأة .
كانا بهيأتهما المترفعة والأنيقة يبدوان وسط هذا الحشد طيران من كوكب آخر حطّا خطأ في الناقلة، تقدمت المرأة وطفليها ،قالت بانكليزية ركيكة
–هل تسمحان أجلس قربكما ؟
افسح لها عمر قليلا وطلب من رومان ان يبتعد ،جلست المرأة ،قال الطفل أريد أن أنام ، قالها بالعربية ،مدت صفية رأسها
-أنت عربية
-نعم ..وأنتما ؟
-نحن عراقيان
تنهدت المرأة وقالت –حمدا للرب
تابعت –يمكن أن اتحدث معكما على الأقل
لم يدفعهما الفضول التعرف على المرأة التي انفرجت أساريرها قليلا و بدت أكثر ارتياحا وهي تلاطف إبنها الكبيروهو يقرفص جسده مسندا رأسه الى فخذها
رفع العامل المفتول العضلات الحبال التي كانت تشد الناقلة الى الرصيف ثم سحب العارضة الخشبية
-سنتحرك
قالها بالانكليزية ،وهو يقف على السلم المفضي الى حجرة القيادة ، في الحجرة كان هناك شخصان قال رومال ،القصير بالكاسكيت الأبيض هو الكابتن (سكير) يوناني يعمل مع الأتراك أما الثاني فهو تركي يساعده ،كانت الأرضية الخشبية للناقلة ملطخة ببقع الزيت والذي لم يجري تنظيفه بعناية لذا كانت رائحته تزيد من ضغطها على المهاجرين
قالت صفيه بصوت يحمل نبرة خوف عميقة-ماذا سيحصل ؟
للمرة الأولى أشعر أني لا أعرف وليس لدي حتى جوابا مواربا لأطمنها، ضغطت على يدها
قالت المرأة –الرب وحده يعرف
كان الجواب أكثر إثارة للخوف والحيرة لدى صفية ،فحين لا نعرف ما نريد أو ماذا سيحصل في أوقات الشدة يعني ببساطة إننا يائسون
الطفل النائم كان يحلم ،والناقلة بدأت بالتحرك والبحر لم يكن راضيا عما يجري فقد بدأ زمجرة مكتومة فيما أحكمت غيوم منخفظة غلق صفحة السماء وغدا الفجر كئيبا مقبضا
قالت صفية –أشتهي شايا ساخنا
ثانية شعرت بالعجز لتعذر الحصول على الشاي ، بدأ المطر ليزيد من تشوش المنظر وصعوبة الرؤية ، بدأ الرعب يطبع ملامحه على الوجوه بعد أن أخذ ماء البحر يرشق المهاجرين بدفقات من موجات تتقدم من الجانب اليوناني
قال رومال –تصور حتى أنهم لم يزودونا بسترة النجاة تحوطا لما قد يحصل ؟
انتبهت صفية ، أخرجت سترتي النجاة ،
قال رومال –أنتما محظوظان
رددت صفية بصوت هامس –قل اعوذ برب الناس
قال رومال –هل تجيدان السباحة
قالت صفية –كلانا
قالت المرأة-ماذا ...
كانت فزعة
تابعت –هل سنضطر الى السباحة؟ ،ايها المسيح المخلص ارحمنا
كان الجميع صامتين يتطلعون بهلع الى البحر يعصرهم قلق سد منافذ التفكير، وعلى اية حال بماذا سيفكرون، ففي مثل هذه اللحظات ينغلق الذهن بانتظار ما سيقع ,
بدا كل ماحولنا وكأنه يتحضر لولادة جديدة ، لعالم جديد كنا نتهيأ لندخله مجموعة غير متجانسة ربما تمثل عينة عشوائية لهذا العالم
بدأت رشقات الماء تشتد واصبح من المتعذر الرؤية الى اكثر من بضعة أمتار سيما وقد تحول المطر الى ستارة مشوشة بسبب استمراريته وتلاحقه ، التصقت صفية بي تبتغي الحماية أو على الاقل تطمينها إن الأمور بنهاياتها والتي ستكون كما تشتهي ،
كان الطفل يبكي –ماما انا جائع
لحظت انها لا تملك ما يشغل الطفل أو يسد جوعه ،كانت صفية قد دست كيسا به تفاحة وبعض قطع البسكويت ،أخرجتها على عجل خوفا من رشقة موجة مشاكسة ،مد الطفل يده ولكن الام نهرته ،لم التفت لها وأعطيت الطفل الكيس الذي تناوله بلهفة فرحة،
قال مورال –افكر بمسألة سخيفة في مثل هذا الوقت
لم أرد عليه واكتفيت بالتطلع نحوه
-قطعا لم يفكر أحد بما فيهم أنا كمحام ، بأن يوثق الاتفاق مع المهربين من باب معرفة حدود مسؤوليتهم فيما يقدمونه من خدمات ،
ابتسم بمرارة
-أنا أيضا لم أفعلها ولا أعتقد أنها طلب موضوعي رغم أني عميل سابق لهم ، نحن نتعامل مع أشباح ما إن تلتمع نقطة ضوء بالافق حتى يختفون وكأنك كنت في حلم ليلة صيف كما يقول شكسبير.
هدير الموج المتعالي وصوت الرعد الذي ما ينفك يدوّي في السماء المتجهمة جعل من الصوت المنبجس من أيجة وكأنه من مكملات المشهد ،انعطفت الناقلة الى اليسار بحدة دفعت بالماء الى أرضيتها لتغرق اقدام المهاجرين بموجة برد حادة ،مع تكرار الصوت.
قال مورال
-البحرية اليونانية ، والان نحن بين يدي الله
اندفعت الناقلة بسرعة تشق البحر والظلام والمطر ربما الى ما تبقى من
الارخبيل التركي
قال مورال -يعمد الكابتن الى الهرب لأنه يوناني ويخشى الوقوع بيد سلطات بلده لأن العقوبة ستكون قاسية
كنا نحس بالريح الباردة تضرب وجوهنا فيما يصفعنا المطر بقوة ،وكانت الناقلة ترتفع وكأنها تطير في الهواء ثم تهبط بسرعة تجعل قلوبنا تخفق بعنف،
صفية المرعوبة كانت تشدني اليها وهي تدفن رأسها في صدري،قلت لها
-افتحي ذهنك وانتبهي لما أقوله ،إذا وقع المقدر وتحطمت الناقلة إحرصي على أن تكوني قربي قدر الإمكان النقطة الثانية الأهم أن يفقدك الخوف أو الرعب تمالكك نفسك ، أنت ترتدين سترة نجاة يمكن أن تنقذك وعدم السيطرة سيفقدك التوازن وتسقطين الى قرارة البحر ،النقطة الاخيرة أن تتهيأي لأخذ أكبر كمية من الهواء عند قدوم الموجة وفور عبورها ارتفعي لأعلى
بدا قارب الشرطة البحرية كتلة غامضة الملامح في مشهد انخفاض الرؤية ولكنه اشعل ثلاثة مصابيح أضاءة كبيرة وكرر النداء باليونانية ثم أعاده بالانكليزية ،كان يدعو قائد الناقلة الى التوقف للقيام بتفتيشها , ولكن كابتن الناقلة اندفع باقصى ما يسمح به المحرك
قال مورال-يحاول الهروب الى المياه الاقليمية التركية لأنه يعلم إن الزورق اليوناني لن يلاحقه
كان المهاجرون الذين وقفوا وسط الناقلة يندفعون يمينا أو شمالا بحسب مناورة الكابتن وسير الناقلة
فجأة سمعنا صوت إرتطام انكشف على أثره السطح الذي كنا نتدارى به ورأيت الغرفة فوقه تطير كأنها لعبة أطفال لتسقط على مقدمة سن صخري يمتد في جزيرة صغيرة
انفتحت الناقلة لتسمح بالماء يتفق الى قعرها ويطفوا الجميع أمسكت بصفية بقوة وأنا أصرخ في أذنها أن تسبح ،كانت تستجيب بألية فيما تصطك اسنانها وهي ترتجف
تقدم الزورق اليوناني وأنزل زورقين مطاطيين على كل منهما اثنان من رجال الشرطة البحرية بملابس الغوص وبدأوا بانقاذ المهاجرين وصوت صراخ محموم وحركات هستيرية للافارقة على وجه الخصوص ،رأيت مورال يسبح متخلصا من حذائه الثقيل ثم يتشبث بنتوءات الصخرة ، المرأة لم تكن تحمل طفلها الرضيع وهي تصعد الى الزورق اليوناني ، كانت تصرخ بعنف وتلطم خديها بجنون ...سأتحمل ذنبك يا مارسيل كانت ترددها بصوت مفجوع والشرطة البحرية تساعدها على الصعود .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس


.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني




.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/