الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صادق الصائغ لا بر إلا ساعداك

رياض رمزي

2019 / 11 / 12
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


أيها المتظاهرون الأبطال صادق الصائغ يبث القوة فيكم. إنظروا لوحته " لا بر إلا ساعداك" وستتعمق الشجاعة فيكم أكثر. رياض رمزي.
صادق الصائغ مازال يحافظ على هيبة سَهَر على تشييدها عقودا، لماذا؟.
كمن أورثه والده حرفةَ جمع التحف القديمة التي سهر سنينا على تشييدها واستحلف الابن أن ينسج على نفس منواله. اختيارُ صرف النظر عنها أمر شائن سيعود عليه بعقوبة السلف. مازال برغم تقدمه في العمر يركب جواد الشعر وهو ينظر في الجوانب متمايلا وله نفس عين جامعي التحف، يبحث عن لقيات جديدة، مثل مؤرّخ وصلت استقصاءاته إلى حقائق كانت فيما سبق في دائرة التخمين.
ليس من ذلك النوع الذي يتذمر قائلا ما مضى قد انقضى ، بل يقول ما حدث كان يجب أن يحدث ومن العار ألا أستمر لأن كيانه مشبّعٌ بإدمان ممارسة فنونٍ صعبة، لأنه أيان يذهب سيجد واحداً من تلك الفنون تواجهه: الخط، الشعر، الرسم، المقالة، النقد.... التي ابتاعها بشبابه. لا يصح لمن نَفَذ نبيذه والليل في مقتبله أن تصدر عنه صرخة، بل هي إشارة يدركها تمام الإدراك. هي الفترة التي يزداد فيها خصب المخيّلة، الفترة التي يحل فيها شيطان الشعر على شكل زواحف مجنّحة، عليه ألا يسبب كربا لها بالإعراض عنها، بل بِرد الشكر لها مضاعفا على شكل قصيدة( انظر اللوحة الفنية" لا بر إلا ساعداك"، مثل سبيكة نفيسة لم يعهد لها نضير من قبل، مرسومة على شكل تطاول بركان يعجّل بالخروج باحثا عن منفذ، أشبه بنوبة غضب الثوار المكبوتة. تذكرني هذه اللوحة بوصف المتنبي لأحدى المعارك التي كان فيها سيف الدولة مشتبكا مع الروم فأمر ببناء قلعة يشرف فيها على المعركة، التي جرت رخاء بعد تشييدها. فور الإنتهاء من المعركة قال المتنبي، بعد أن اعتلى منصة القلعة، " بناها فأعلى والقنا يقرع القنا/ وموج المنايا حولها متلاطم". كذلك لوحة صادق الشبيهة بنار نُزع الغطاء عنها فشبّت شبوبا، نحو الأعالي، صارخا وصادحا من طول كبت لا سبيل لإحتماله" لا بر إلا ساعداك".
كيف أمرته الفنون فسرّع الخطى نحوها مجاريا أوامرها بعد أن أغرته بمنحه أسرارا استلمها فانغلق عليها فؤاده؟ لماذا انتخبته الفنون وجعلته ربيبها؟ كيف لم يصبه الوهن وهو ينوف على الثمانين، يبعثر سنينا من حرّ عمره؟ هل لأنه لم يعرف غير تلك المهنة التي طلب منه آبائه ألا يحيد عنها؟. طاردته تلك المهن فلم يعد يصلح ألا لها. من طول مكوثها فيه تتأجج من جديد فلا يقدر على الإتيان بغيرها، مثل صاحب حانوت لبيع وسائد تصنع من ريش طيور نادرة، يقف تحت الوسائد المعلّقة متفاخرا بمقدار ما أزهق من أرواح الطيور. كما يقول المتنبي" لكل امرئ من دهره ما تعوّدا".
لديه، حين يجلس في المقهى، فيض من معلومات من عاش وسط معمعانات أزمنةٍ، تمتد من زمن النهوض الثوري حتى زمن الإسلام السياسي، يقولها، يفصح عنها دون ترك شيئ للمصادفة. أحداث وشخصيات ظلّت تحت حماية ذاكرته، وأخرى سيستدركها لاحقا. كثيرا ما يترك تفاصيل غير مملوءة، حين يعود إليها يكون وقعها أقوى، فتصرخ أنت المستمع صامتا" يا لكثرة ما رأى وسمع، وتواجد في أمكنة عديدة". فيض من معلومات لا يتبعها جزر، كمن يغني عدة أغاني على شارع الكورنيش منذ الصباح حتى تشارف الشمس على الإفول. يمينا أنا لا أبالغ فيما أقول. وردت في أحاديثه أشارات للقاءات مع الزعيم، المهداوي، الجواهري، غائب طعمة فرمان،...يتكلم وهناك خلفية تتلامح فيها اوربا، العراق القديم، محلة الأرضروملي، الخطاط غازي، منير بشير، أغاني محمد عبد الوهاب، صالح عبد الحي، ألحان صلح الكويتي، صديقة الملاية.... كلهم شهود يكشفون نوعية حياته.
لغة مرصّغة بكلمات استعد لها بما فيها الكفاية حتى قبل قولها، إن أبدلت واحدة منها سيتغير المعنى. كلمات تشبه سحبا متسارعة تنفض مائها وتمضي: تقييمه لثورة 14 تموز، لشخصيات لعبت دورا، للجواهري... معززا حججه بشواهد موردا تفاصيل صغيرة تدل على ذاكرة حادة، يوردها ليس مُصْعرا، بل إلى هذا الحد وكفى. لم يقل واحدة منها بندم، بل طريقة أخفائه للندم تجعله يكبر بأعين الجميع، لتعاليه على ما أخفاه، فيصبح ما أخفاه مثارا للبحث عنه. حتى أنه مارس انضباطا عليها فلم يسفح عواطفه عند ذكْرها. ليتك رأيته في تلك اللحظة وهو يتكلم ثم يختار صرف النظر عن آلامه، فلا يبقى ندمه طي الكتمان، بل يشق، إلى العلن، صيتُ انجازاته بعد أن يغادر المقهى. تصبح انجازاته في بؤرة تركيز الجالسين كوردة تفتحُ أكمامها على شكل مروحة، وهو يرشها، طوال الجلسة، بالندى ويستحثها على التفتح، فتطلق صيتا/ ضوعا لشدة عبوقه أن الأنوف/ رؤوس جالسي المقهى تستدير نحوه وهو يغادر.
كلام مليئ بشواهد عن قتل وظلم في عهود مضت يسردها بطريقة جميلة، وفق مقولة عندما تزداد الآلام يغدو الكلام عذبا. اعتاد الصينيون، بسبب الكوارث الغذائية والمجاعات، أكل ما لا يؤكل، لذا تجد لديهم رهافة عالية في فن الطبخ والذوق. لا توجد لديه كراهيات يتم تصريفها بالسُباب. لأنه لا يرغب في تبديد طاقته كي لا يضيق الخناق على حالاته الشعرية، مثل العواصف التي تترك ورائها خرابا.
تكرار التفكير بما حدث له نوع من الولاء للماضي، وليس لأنه فطن له بفعل مصادفة محضة، بل هو أشبه بمن يهز أشجار غيضته كي لا يدع زمهرير الشيخوخة يجمد نَسْغها. لهذا فكلامه عن الأشخاص والماضي يحمل نضارة شعرية. الماسة لا تبقى مرئية وثمينة إن لم نوجّه الضوء عليها. ما فائدة ماسة تبرق في الظلمة وحيدة. بل عندما يعثر عليها الرائي ويقول هذه ماسة، أن استوقفه ضيائها في حلكة الليل سيشير عليه نداء خفي بتقييم ثمنها وجدواها عندما يعلن عن ملكيته لها. إذن تذكّر الأحداث ليس غير ميلاد جديد لها. الكلام عنها يجعلها مضيئة ثم حيّة، التماعةٌ تشق طريقها نحو العين والعقل اللذان سيُشهدان الرأس الحامل لهما على امتلاكه لكنز يُركن إليه وقت امتحانات المصير والمسؤوليات الكبرى. حين تقول لدي جسر من حديد فذلك يعني أن بقية الجسور مصنوعة من خشب. هذه هي الفلسفة التي تقف وراء الذكريات الماسية.
عندما مات الامبراطور قسطنطين مدافعا عن القسطنطينية تم التعرف عليه من خلال حذائه المزدان بنسر ذهبي. لم تكتب على قبره شاهدةٌ تعدّد أنجازاته، فلدى الملائكة فكرة عنها من كثرة ترديدها.
يا صادق لديك أنجازات مثل جيش من المغاوير سيستحضرون الكثير من التفاصيل المنسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري