الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعتذار عائض القرني

عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)

2019 / 11 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


السعودية بين عهدين

أقرت السعودية تغيرات في قوانين الأحوال المدنية المتعلقة بالمرأة، مثل حقها في استصدار جواز سفر، والسفر بمفردها، وإلغاء نظام ولاية الذكر.. وكانت قد سمحت لها في وقت سابق بسياقة السيارة.. وترافقت هذه القرارات مع فتاوى دينية تجيزها.. فهل هي استفاقة على حقوق المرأة كمواطنة وإنسانة؟ أم هو تساوق المؤسسة الدينية مع التوجهات الملكية الجديدة؟ هل اكتشف المشايخ حديثا أن السيدة عائشة سافرت دون محرم؟

قبل أشهر، اعتذر "عائض القرني" للشعب السعودي عن أخطائه السابقة.. فإذا كان اعتذاره توبة من ناحية دينية، فليس لنا الحق في قبول توبته أو رفضها، فهذا شأن رب العالمين.. إما إن كان اعتذاره موجها للناس عن أفكاره السابقة، التي حسب قوله أضرت الشباب المسلم.. فلنا هنا رأي..

مبدئيا، من حق أي داعية أو مفكر أو فيلسوف التراجع عن أفكار سابقة، أو تطويرها، أو حتى الانتقال إلى فكر جديد، ومختلف.. وهذا شيء حسن، ودليل شجاعة ونضج فكري، وهي مسألة شخصية، من صميم اختيار الإنسان الحر.. ولدينا عشرات الأمثلة لمفكرين كبار بدلوا أفكارهم، وأجروا مراجعات جريئة لفلسفاتهم ومعتقداتهم، وبعضهم تحول من دين إلى آخر.. منهم: روجيه غارودي، ومنير شفيق، وناجي علوش، وحسن الترابي، وراشد الغنوشي.. لكن مشكلة هؤلاء الذين يتنقلون من فكر إلى آخر، أنهم في كل مرة يصرون وبتعصب، على أن فكرهم يمثل الحقيقة المطلقة.. وأنهم على الجانب الصائب دائما، بيقينية أحسدهم عليها..

المثقف الحقيقي هو المثقف القلق، الذي يشك حتى في أفكاره، ويبحث دوما عن الحقيقة، بمنهاج محايد، دون تعصب.. وحين يؤمن بفكرة ما، أو بعقيدة معينة يظل إيمانه بها نسبيا، باعتبارها تحتمل الصواب والخطأ.. وحتى لو اطمئن قلبه إليها، سيظل عقله قلقا..

نرجع إلى عائض القرني؛ أشهر الدعاة السلفيين، وأحد رموز فتاوى التطرف في السعودية، وأبرز منظري الوهابية..

اعتذر القرني عن الأخطاء التي بدرت منه خلال فترة نشاطه ضمن "تيار الصحوة"، وعن التشدد والتعصب، وبعض الفتاوى التي اعتبرها مخالفة للقرآن والسنة.. إلى هنا كل شيء تمام، ولكن، هل سيعتذر عن السنوات التي أضاعها دون أن يختبر سماحة الإسلام الوسطي، المعتدل؟ هل سيعتذر للأجيال التي تربت على أفكاره، فحرمها من كل ما هو جميل؟ هل سيعتذر لأصحاب المواهب ممن حـرَّم عليهم الفنون بأنواعها؟ هل سيعتذر عن تحريمه الغناء، والتمثيل، والموسيقى، والنحت، والتصوير؟ هل سيتعذر للنساء اللواتي حـرَّم عليهن قيادة السيارة عقودا طويلة؟ هل سيعتذر للسعوديات عن قوانين الأحوال الشخصية التي كبلتهن بالقهر والتمييز، وجعلت منهن مواطنات درجة ثالثة؟ تحت دعاوى شرعية باطلة؟ هل سيعتذر عن تحريمه الحفلات والفرح والأجواء البهيجة؟ هل سيعتذر (هو والعديد من أقرانه) عن الكثير من الفتاوى الغريبة والمستهجنة والتي لم تكن تتفق مع المنطق والعقل والذوق الإنساني، ولا مع صحيح الإسلام؟ هل سيعترف صراحة بأن كل تلك التحريمات ليست من الإسلام بشيء، وإنما هي نتاج الفكر الوهابي الصحراوي المتزمت؟

هل سيعتذر للشباب العربي الذين أرسلهم للموت في أفغانستان، وسورية، والعراق؟ هل سيعتذر لهم لأن المجاهدين الأفغان الذين كان يمدحهم جاءت طالبان فكفرتهم؟ أم لأن جهادهم كان لصالح الأمريكان؟ بعد أن تبين أنها حرب أهلية؟ هل سيعتذر للعراقيين لأنه كان أحد دعاة ومروجي الفتنة الطائفية؟ هل سيعتذر للسوريين بعد أن دمر بلدهم بفلول الدواعش والإرهابيين؟ الذين ضلّلهم بفتاوى وتحريضات طائفية، ومعه رفيقه العريفي؟

هل سيعتذر معلمه بن باز عن فتوى استقدام الجيوش الأمريكية لتدمير العراق؟ وهل سيقتنع قبل ذلك بأن الأرض كروية؟

كيف سيعتذر لمن زرع في عقولهم التطرف والتعصب، وغرس في قلوبهم الكراهية والبغضاء حسب عقيدة الولاء والبراء الوهابية؟ وما قيمة اعتذاره أمام طوابير المتطرفين والمنغلقين واليائسين والإرهابيين والانتحاريين؟ الذين أنتجهم فكره المتزمت..

هل اعتذر القرني لأنه راجَعَ أفكاره، فاكتشف فسادها، وبُعدها عن وسطية وتسامح ورحابة الإسلام؟ أم لأنَّ النظام تغير، ولم يعد خطابه القديم، وأقرانه من الوهابيين، متوافقا مع خطاب بن سلمان اليوم؟ وبالتالي على كل فقيه أن يدوزن خطابه كل مرة حسب هوى السلطان.

ثمة ملاحظتين أخيرتين حول اعتذار القرني، الذي قال فيه: "أنا الآن مع الإسلام المعتدل المنفتح على العالم الوسطي، الذي نادى به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي هو ديننا". مضيفاً: "الأعداء الحقيقيين للأمة الإسلامية هم إيران، وقطر، وتركيا". الملاحظة الأولى: أنه اعتذر للمجتمع السعودي فقط، ولم يعتذر لعموم العرب والمسلمين. والثانية أنه نسي إسرائيل عند ذكره أعداء الأمة..

بقي في الجراب قول أخير: إذا كان هدف حركة الصحوة الإسلامية، التي نشأت في السعودية أواخر السبعينات، "إيقاظ الناس من الغفوة".. فهل أيقظتهم فعلا من غفلتهم؟ هل أيقظت فيهم إنسانيتهم؟ هل وضعتهم على سكة التطور والتقدم؟ هل حلت شيئا من مشاكلهم؟ أم أنّ جل ما فعلته التشدد في تقديم الدين، والتزمت في فهمه، والتعصب في تطبيقه، حتى أخرجت ظاهرة التطرف والإرهاب، وأساءت أول ما أساءت للإسلام نفسه!

القرني لم يكن يمثل نفسه فقط، فقد كان جزءا أساسيا من تيار، كان ركنا مهما في حركة، كان يقول ما تدعو إليه جماعته.. ويفسر الدين من وحي أدبيات الأيديولوجية الوهابية، ما يعني أن هناك عشرات غيره من المشايخ، لا نعلم إذا كانوا يوافقون على توبة القرني؟ أم سيعتبرونه خارجا عن الجماعة؟
قد يكون الرجل صادقا في مراجعاته، ومنسجما مع نفسه؟ وتلك تحسب له.. وقد يكون مجبرا، وقد يكون ما فعله تكيفا مع رغبات السلطان.. وتلك تحسب عليه.. قد يكون مثله العشرات، ممن انحازوا للنظام، وكيفوا فتاواهم مع السعودية الجديدة.. أو ممن عارضوا، وتمسكوا بأفكارهم القديمة.. في كل الأحوال، ما حدث يُسقِط القداسة عن الفكر الوهابي السلفي، وينزله من عليائه السماوي، إلى مكانته الدنيوية؛ كفكر بشري يحتمل الصح والخطأ، واجتهادات لأناس عاديين، لا يتمتعون بأي قداسة.. وبالتالي علينا جميعا أن نتوقف مطولا، ونعيد التأمل والتفكير في كل المنظومة الدينية والفقهية والفكرية التي أنتجها الإسلام السياسي في العقود الخمسة الأخيرة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ومتى يعتذر هؤلاء
احمد علي الجندي ( 2021 / 8 / 19 - 10:14 )
1
الطريفي
2
خالد بن علي الغامدي
وهو اخطر ارهابي في السعودية كلها فاذا كان ارهابي السعودية يدعون الى قتل جميع الشيعة
فقد زاد عنهم هذا الدجال الى قتل الاشاعرة ايضا السود الاعظم للمسلمين والذين يشكلون معظم مسلمي الاردن وفلسطين وغيرها من دول
3
صالح الفوزان خاصة هذا الرجل لان هذا الرجل لم ينشر التطرف فقط بل نشر الجهل والتخلف ايضا
4
الراجحي
وغيرهم
ايضا الاعتذار وحده لا يقبل
يجب ايضا تحرير الاسيرات والاسرى بلا استثناء في من اسر بسبب شيوخ السلطان
مثل حسن المالكي وغيره


2 - اكتشافات جديدة
احمد علي الجندي ( 2021 / 8 / 19 - 10:17 )
اكتشفوا ايضا ان
1
الصحابيات كانن يعملن خارج المنزل بل منهم من كانت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بصوت تضرب فيه الناس في الاسواق عندما تجد سرقة
2
اكتشفوا ان عائشة خرجت من منزلها بجيش جبار جرار لمحاربة امير المؤمنين علي بن ابي طالب في ما يعرف بحادثة الجمل المشؤومة
3
اكتشفوا ان ام عمارة اذا لم اخطئ باسمها شاركت في حروب اليدة وخسرت يدها
4
اكتشفوا ان عدد من الصحابيات كانن يسقن الجمل

اكتشافات جديدة طبعا
بكرة كمان بكتشفوا انو عمر بن الخطاب الغى خمس امور من الدين
1
حد السرقة
2
سهم المؤلفة قلوبهم
3
زواج المسلم من كتابية
4
متعة الحج
5
الطلقة عند ثلاثة طلقات ( لم يلغها بل طبقها لانها بالاصل لم تكن مطبقة
(
طبعا لانه عمر بن الخطاب جائز له الاجتهاد واسقاط الاحكام الشرعية لما فيه مصلحة للمسلمين
ولكن غيره لا جائز اجتهاد ولا يحزنون


3 - توضيح
احمد علي الجندي ( 2021 / 8 / 19 - 10:26 )
لم يحدث اي تراجع عن افكاره
ما زال الدجل الوهابي التحريضي قائم الى اليوم وفتاوى مشيخة ال سعود فعالة ولو انهم اعتذروا ففكرهم ما زال قائم وينتشر ويتمدد يمينا وشمالا ومطبق عند الجميع بل حتى عند الجماعات المنافسة التي لا تنتمي لهم مثل الاخوان السلمين وغيرهم ما زال فكرهم مطبق ولو بينهم وبينه اختلافات
الا ان الاختلافات لسيت جوهرية وانما سطحية شكلية تختلف في الاسلوب والطريقة والوصول الى ما يريدونه ولكن النتيجة او الفكر واحد
طبعا لا تكمن المشكلة فقط في ان فكرهم ما زال حيا وما زال يتمدد ويتزايد وانهم ولو اعتذروا ما زالوا علو نفسه فكرهم ويمكن مراجعة فتاوى صالح الفوزان على سبيل المثال بما انه اشهر الدعاة الوهابية تقريبا
الا ان المشكلة في رأي اضافة الى ما ذكرناه سابقا تكمن في ان هذا الاعتذار ليس حقيقة منطلق من تراجع في الأفكار وانما فقط خوف من السجن وخضوع للسلطان
والا
الموضوع فقط ضرب على القفى فقط واذا راح الضرب على القفى لرجع الى نفس فكره بل اكثر تعصبا ليعوض ما راح

اخر الافلام

.. هل تتواصل الحركة الوطنية الشعبية الليبية مع سيف الإسلام القذ


.. المشهديّة | المقاومة الإسلامية في لبنان تضرب قوات الاحتلال ف




.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah