الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية الهوية الفلسطينية بين الفكر الوطني والإسلامي

هشام عبد الرحمن

2019 / 11 / 13
القضية الفلسطينية


يواجه الباحثون في موضوع الهوية الفلسطينية الكثير من الصعوبات النظرية والعملية, وذلك يعود إلى أن مفهوم الهوية ذاته لا يزال غامضاً وملتبساً على الرغم من تعدد العلوم والمداخل النظرية التي تناولته, بالإضافة إلى المسار الصعب والمعقد لتطور الهوية الفلسطينية المعاصرة بفعل التداخل الكثيف للعديد من الأبعاد والمضامين التاريخية والدينية والثقافية, الدولية والعربية والمحلية التي تفاعلت بلا توقف عبر التاريخ على أرض فلسطين, ولعبت دوراً مؤثراً في تكوين - وإعادة صياغة – الهوية الجماعية للفلسطينيين.
فالرؤية القديمة لفلسطين كأرض مقدسة كان لها أثر كبير في تصور الفلسطينين لأنفسهم (أي هويتهم), تماماً مثلما كانت هذه الرؤية قوة ذات أثر كبير في حدثين لعبا دوراً حاسماً في التطور اللاحق للهوية الفلسطينية, الأول تمثل في ربط سنجق القدس بشكل مباشر بالباب العالي, والثاني التقسيم الاستعماري الأوروبي وترسيم الحدود السياسية لفلسطين للمرة الأولى في عهد الانتداب البريطاني.

وبحلول النكبة عام 1948 تعرضوا لأكبر عملية تهجير قسري جماعي, وانهارت بني المجتمع الفلسطيني, وانهار الحقل السياسي الوطني الذي ارتسمت ملامحه قبل عام النكبة, فلجأ الفلسطينيون إلى ت وكيد هوياتهم الأوسع, خصوصا العربية. والمفارقة هنا أن حدث النكبة وخسارة الوطن مثل حجر الزاوية في إعادة صياغة الهوية الفلسطينية, وكان عاملا كبيرا من عوامل المساواة ومصدراً لتجرية جماعية مشتركة, وخاصة لدى الفلسطينين الذين طردوا, وأجبروا على النزوح, حيث اللاجئون الفلسطينيون الموجودون في الشتات بمسؤولية حمل راية الوطنية الفلسطينية, وأعادوا بناء الحركة الوطنية الفلسطينية في حقبة الستينات.

عبرت م.ت.ف عن بروز النزوع الكياني الوطني الفلسطيني في هذه المرحلة, وتكرست بعد العام 67 بوصفها الكيان السياسي الجامع للشعب الفلسطيني, والإطار المعبر عن وحدته والمجسد لهويته الوطنية, وبذلك منحت الفلسطينيين هوية سياسية كيانيه ومعنوية, وأعادت صياغتها (ألهوية الفلسطينية) وفقاً لمضامين جديدة ارتبطت بصعود حركة المقاومة الوطنية, وتوليها موقع القيادة في المنظمة على أساس برنامج التحرير الشامل عبر المقاومة المسلحة. كما تعززت مكانة المنظمة بعد أن حظيت بالاعتراف العربي والدولي, بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني, والمعبر عن تطلعاته نحو التحرر والعودة والاستقلال الوطني.

إلا أن الفكر السياسي الفلسطيني المعاصر شهد تحولاً عميقاً باتجاهه نحو تبني منهج التسوية السياسية ( المرحلية) بعد حرب تشرين الثاني 1973, وذلك في الدورة الثانية عشر للمجلس الوطني الفلسطيني, التي عقدت في القاهرة مطلع حزيران 1974, حيث تم تبني برنامج " النقاط العشر". وتعزز هذا التحول بصورة نهائية في الدورة الثالثة عشر للمجلس الوطني, في آذار 1977 بالقاهرة, عبر تبني المجلس هدف " إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة", بما يؤكد التوجه الفلسطيني الرسمي الجديد في التعامل مع " الآخر"(ألاحتلال الإسرائيلي) وأسلوب حسم الصراع معه من خلال تسوية سياسية تستند إلى قرارات الشرعية الدولية, وتأكد ذلك من خلال سعي قيادة المنظمة لأن تكون طرفاً فاعلاُ في عملية التسوية السياسية.

مثل هذا التحول نقطة انعطاف نوعية في مسار الصراع العربي – الإسرائيلي, وكان لتفاعلاته ونتاجه تداعيات خطيرة على الهوية الفلسطينية, عبرت عن مسار الهبوط المتدرج لدور ومكانة م.ت.ف. وتمثل هذا المنعطف في اعتراف قيادة المنظمة " بحق إسرائيل في الوجود"( دون أي تحديد لماهية إسرائيل المعترف بها أو لحدودها), مقابل اعتراف حكومة إسرائيل بمنظمة التحرير ممثلاً شرعيا للشعب الفلسطيني, دون أن يترتب على هذا الاعتراف الإقرار بحق الشعب الفلسطيني بالعودة وتقرير المصير, أو الإقرار بحقه في إقامة دولته المستقلة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.

وترتب على ذلك انقسام عميق في صفوف الشعب الفلسطيني وقواه السياسية, وقاد إلى مسارين من التحولات شكلاً تحدياً خطيراً وتهديداً مباشراً للهوية الوطنية الفلسطينية كما صاغتها موتوف, بفصائلها ومؤسساتها ونضالاتها وبعدها التحرري الوطني – العلماني, ومضمونها الموحد للشعب الفلسطيني: الأول تمثل في تراجع دور ومكانة م.ت.ف ومؤسساتها وفصائلها, مقابل اتساع دور مؤسسات السلطة الفلسطينية وهيمنتها على الحقل السياسي الوطني الجديد, واضطلاعها بدور محوري في ترتيب أوضاعه الداخلية. ذلك أن الحدود التمثيلية للسلطة الفلسطينية تتوقف عند حدود الضفة الغربية وقطاع غزة, في أحسن الأحوال, بينما تمتد هذه الحدود لدى المنظمة لتشمل كافة تجمعات الشعب الفلسطيني. أي أن تراجع م.ت.ف وإضعاف دورها يعني- ضمنا- تراجع مكانتها التمثيلية المعترف بها عربياً ودولياً, مثلما يعني إلغاء الإطار الجامع والموحد للشعب الفلسطيني وحركته التحريرية ورمز هويته الوطنية, لآن السلطة الفلسطينية لا تستطيع أن تشغل المكانة التي استحوذت عليها المنظمة عبر مسيرة نضالها الوطني.

وتمثل التحدي الثاني في صعود حركات الإسلام السياسي الأصولي, وتيارها الرئيسي "حماس" , التي اكتسبت شرعية الانخراط في الحقل السياسي الوطني عبر انخراطها الفاعل في الانتفاضة الفلسطينية عام 1987 وممارستها للعمل المسلح ضد الاحتلال, واستفادت من الأوضاع التي نشأت عن تراجع دور المنظمة وفصائلها, خصوصا بعد فشل مسار المفاوضات وتراجع شعبية قيادة المنظمة والسلطة, ونجحت في الصعود إلي هرم السلطة رغم أنها ظلت تعمل من خارج مؤسسات م .ت.ف وترفض الاعتراف بشرعية تمثيلها للشعب الفلسطيني, وتطرح الهوية الإسلامية بديلاً عن الهوية الوطنية ذات المضمون العلماني, وتسعى جاهدة إلي " أسلمة المجتمع", وإعادة صياغة الثقافة السياسية والهوية الوطنية بالاستناد إلى ثقافة جديدة/قديمة, ترتكز على تراث الإسلام السياسي, وتقوم على نبذ التراث السياسي الفلسطيني وما نتج عنه من هوية وطنية وكيانيه سياسية معبرة عنها.

وقد أدى هذا البروز المدوي للمكون الإسلامي في الهوية الفلسطينية إلى تعميق حالة الاستقطاب في المجتمع الفلسطيني, خصوصاً بعد فوز حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي ودخولها النظام السياسي الفلسطيني على قاعدة رفضه, واندلاع الصراع الدموي بين قطبي السلطة, وانشطار النظام السياسي الفلسطيني إلي نصفين, وتحول مضمون الصراع بين الطرفين إلى صراع على السلطة, في ظل عدم امتلاك أي من قطبي الصراع لخيارات فعالة من أجل الخروج من المأزق الخطير, الذي تجلى في صورة أزمة شرعية, وأزمة هوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا