الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحرب لا تبحثوا عني: أنطولوجيا إيطالية للشعر العربي: الرهان على السياسي أم الشعري؟

باسم المرعبي

2019 / 11 / 13
الادب والفن


عادةً ما يُنظر إلى أنطولوجيا شعرية من هذا النوع، وقد أُريد لها الاقتصار، وكما يشير عنواناها الرئيسي والفرعي، على موضوعة تختص بالحرب أو الثورة، بوصفها مصدراً للمعرفة والتوثيق، لا الشعر. فعنوان كهذا، قد يجذب فضول القارئ لفحص كيفية معالجة الشعراء، ثيماتٍ، مثل هذه في قصيدة، مع ما تحتمله من أفكار تنفتح على الاجتماعي والسياسي، بالضرورة، على الأقل بالنسبة للأخير. وقد يكون هذا الهاجس هو الأساس الذي يحكم رغبة ملاحقة "شعر" أو أدب يُصنّف وفقاً لذلك. مما يعني ان الشعر ـ الإبداع يأتي تالياً في التعاطي مع الأنطولوجيات الأدبية التي تتصدى لمهمة كهذه. أو في الأقل هكذا يكون الظن السائد بها. لهذا ومن باب استبعاد شبهة التوثيقي لمن يبحث عن الشعري، وقد زخرت به، بحق، تم تدارك ذلك في العنوان الفرعي للأنطولوجيا والذي قصد إلى زحزحة مفردتي الحرب والثورة وتوسعة الأفق للشعر، حيث: "شعر عربي للثورات أو أبعد". هذه "الأبعد" قد فرضها، فيما يبدو، خروج عدد غير قليل من نصوص الأنطولوجيا على مفردات قاموس الحرب والثورة، كما أنها تشير إلى انفتاح على ذائقة قارئ قد لا يأسره شعر مكرس لقضية ما، إن لم يكن منفّراً له. وهنا يتوجّب التذكير، والتشديد على أنّ ليس كلّ خروج على عنوان وموضوع الأنطولوجيا هو علامة على الشعر، وبالمقابل، لا يمكن اعتبار استجابة القصائد والنصوص للموضوع المقترح، انصياعاً لتوثيقية باردة، ومجاراة للعنوان المعلَن، لا أكثر، فالمسألة قبل كل شيء تتعلق بمقدرة الشاعر وتمرّسه، أولاً ومن ثمّ، بكيفية مقاربة موضوعته، وصولاً إلى نص ذي مسحة إنسانية، في إطار فني. بهذا الصدد، ليس ثمة أكثر إجحافاً من أن يتم تقييم الأثر الأدبي في سياق أقرب إلى الأرشيفي والتاريخي، حين يتصل عن قصد أو دونه بقضية أو حدث ما، بعيداً عن المعطى الإبداعي والحاجة إليه. وفي هذا السياق يجدر استعادة رأي الكاتب والمؤرخ السوري فاروق مردم بك بمسألة ترجمة الأدب العربي إلى الفرنسيّة، وهو قد يلخّص النظرة الأوروبية، بمجملها إلى الأدب العربي وطبيعة التعاطي معه. يقول: "أنّ وسائل الإعلام قلّما نوّهت بقيمة ما يُترجم من وجهة النظر الأدبيّة المحضة، واعتبرته مُجرّد وثيقة عن الأوضاع الاجتماعيّة والسياسيّة في العالم العربي، ويُلاحظ في كثيرٍ من الأحيان أنّ الصحف تعهد التعريف به إلى أحد المُختصّين بهذه الأوضاع وليس إلى ناقدٍ أدبي"ـ من حوار أجرته معه فاتنة الغرة ونُشر بداية هذا العام في "ضفة ثالثة". حديث مردم بك هنا عن "مطلق" الأدب العربي المترجم إلى الفرنسية، فكيف به إذا اختصّ بعنوان واحد كالذي نعرض إليه هنا؟ لكأنّ النظرة الاستشراقية ـ الاستيهامية التي تتملك الغربي وتحشّده، فضولاً، لمعرفة وسبر الشرق بأسراره "الساخنة"، لا تزال هي السارية حتى اليوم بصرف النظر عن التمظهرات التي يتخذها هذا الفضول والآليات التي يتم استعمالها للنفاذ إلى "مغارات" هذا الشرق. الحديث هنا يتعلق بالظاهرة، عموماً، وإلّا فليس بالضرورة أن يكون الدافع لأي جهد أدبي أو ثقافي أوروبي، يروم مدّ الجسور مع الثقافة العربية، هو من جنس استشراقي، ففي نظرة كهذه انتقاص من مكانة الثقافة العربية ذاتها، وإزراء بمنجزٍ شاخص لها، سابقاً وراهناً، على الأقل في تجلياته الأدبية، الفكرية. على أن مهمة هذا المقال، بدءاً، لم تكن لتريد الإمعان مليّاً في مساءلة حيثيات و"كوامن" صنع الأنطولوجيا الإيطالية، مدار الكلام، سوى أنها "شِقشقة" اقتضاها السياق، وإلّا فقد كان الهم الأساس الوقوف على طبيعة النصوص المشاركة، وموقعها من أو في راهنية الشعر العربي، والإشارة إلى ذلك قدر ما تسمح به هذه المساحة. وقد أحسن صانعو ومعدو الأنطولوجيا، أن جعلوا منها مزدوجة اللغة، وهم أنفسهم اضطلعوا بترجمة النسبة الغالبة من القصائد: أوريانا كابيتزو، إيلينا شيتي، فرانشيسكا م. كوراو، وسيموني سيبيليو، إلى جانب مترجمين ومتعاونين آخرين، تمت الاشارة إليهم في الكلمة الافتتاحية التي اهتمت بفنية الأنطولوجيا وقد ذُيّلت بتوقيع المعدّين الأربعة. كما صدّر العمل كل واحد منهم بمقال، فضلاً عن مقدمة للشاعر الإيطالي فاليريو ماغريلي. وقد بلغ مجموع النصوص المشاركة 46 نصاً. وتجدر الإشارة، هنا، إلى أنّ عنوان الأنطولوجيا مأخوذ من الجملة الأولى من قصيدة للشاعر السوري مروان علي: "في الحرب لا تبحثوا عني/ أنا هنا/ في كرصور/ متمدد على العشب/ تحت شجرة التوت/ أنتظر العائدين..". هذه القصيدة المكونة من مقطعين وكلمات قليلة، تنتمي إلى المعهود من شعر مروان علي، ببساطته وانتمائه إلى القاموس اليومي. يمكن القول أنّ بساطة هذه القصيدة، بساطة مُشرقة، إزاء بساطة أُخرى على النقيض، متجهمة، تشيع اليأس، بسبب من موضوعها أو فقرها الفني، أو لكليهما، حيث العطب يكون كاملاً. من النصوص ـ والحديث هنا وفق تسلسلها في الأنطولوجيا ـ التي تدلّ على اشتغال، نص منذر مصري، "الشعب يريد الصعود إلى السماء" وهو يوافي تماماً، شأن نصوص عديدة أُخرى، مناسبة الأنطولوجيا، وقد جاء مزيجاً من واقعية تقريرية، وسريالية تجلّت في بعض المقاطع، سمة النص العامة هي"اليوميات"، لكن دون ابتذال. وتعيدنا قصيدة إبراهيم نصر الله، إلى الشعر "المفتقَد" بموسيقاه، وحتى بقافيته، وهي تروي حكاية السوري "المقتلَع"، ومَن يتأتّى له أن يروي حكاية الاقتلاع بمهارة أكثر من الفلسطيني. قصيدة نصر الله، "إلى أن ينام" ترنيمة نوم طفل، تلتفت الأمّ فيها، إلى البيت والنافذة وبيت الجد، وشاي المساء، وحاضنة كلّ ذلك، الأرض. إنها حكاية الهنا والهناك، ثانيةً، تتجدد هذه المرة، والهناك أضحى سوريا، أو أي مكان عربي آخر يلبّي شروط التيه، دون تسمية، بالنسبة للأولى، فقط عبر إشارة إلى مفردة خاصة ارتبطت بالثورة السورية ،"الشبّيحة".
.. وإلى أن ينام الصغيرُ. إلى... .
قالت الأمُّ لا بأسَ
يومانِ ثمّ يكونُ هنالكَ ضوءٌ
تكون هنالكَ نافذةٌ
بابُ بيتٍ وحَوشٌ ورملٌ وشارعْ
ويكونُ هنالكَ ملحٌ وخبزٌ
زيارةُ جاراتِنا في الضحى
وترابُ الحديقةِ
شايُ المساءِ
يكون هناك النهارُ
كما تتذكّره دائماً....
"مملكة آدم"، قصيدة أمجد ناصر القيامية الغاضبة، بنبرة الاحتجاج هذه ستكون مقبولة ومبررة، أتحدث عن قبولي الشخصي، في الأقل، لو لم تتخذ الاتجاه الذي اتخذته في تصويب هذا الاحتجاج المبلَّغ بتلاعب شعري نحو الذات الإلهية، بلغة وتوصيفات تفتقد المنطق المقنع، والحديث هنا عن القصيدة بوصفها قصيدة معنى وموضوع قبل أي شيء، لا عن الجوانب الفنية لدى الشاعر. إلى جانب ذلك ثمّة العديد من النصوص اللافتة في محتواها ومستواها الفني، وعلى رأس ذلك يأتي نص محمد مقصيدي: "الإنسان المربّع والإنسان الدائرة"، ومنه:
كأنني رسالة من عدو،
أجلس بين هنا وهناك:
يد في الفرح ويد في الكآبة،
عين على الفراشات وعين على أكلة لحوم البشر..
كذلك نص "تقرير الغرقى" لمصطفى قصقصي، كما نص عماد أبو صالح "متشرد"، حيث يقارب موضوعة الثورة بصورة مميزة، من زاوية مختلفة. كما تجدر الإشارة إلى نصوص كل من: فاتنة الغرة، دنيا الأمل إسماعيل، نجوان درويش، وعماد فؤاد. أمين حداد خرق مألوف الأنطولوجيا بتضمين قصيدته التي نحت منحىً سجعياً في بعضها، أبياتاً بالعامية المصرية، لكن المفارقة كانت هذه أجمل ما في القصيدة، خاصة الأبيات الستة الأولى! من ناحيتها تُدخل إيمان مرسال قارئها بسلاسة في مناخ نصّها "كأس مع أحد القوميين العرب"، نص لا صلة مباشرة له بعنوان الأنطولوجيا إلا على محمل الرمز، سمته السرد، متهكّم، بغلالة شعرية، تبرز فيه مقدرة الشاعرة البيّنة على التجسيد. ثمّة أيضاً، نص أسماء ياسين، الذي لم يحمل عنواناً، وكان مميزاً بفكرته، وقد قاربَ موضوعة الصمت والعزلة، بطريقته. منصف الوهايبي، يشترك مع نصر الله في إيقاعيته وفي موضوعته المكرّسة للثورة، بالشكل المباشر، حيث تونس، والطاغية الذي ينتهي جثةً، كأنها نبوءة القصيدة. كما تحضر تونس أيضاً، والشرارة ـ الحريق محمد بوعزيزي في قصيدة محمد الصغير أولاد أحمد في حوارية غاضبة كشأن الشاعر، دائماً. من جهة أُخرى، يحار القارئ في معنى ضم "خاطرة" حوّاء القمودي، إلى الأنطولوجيا، التي منها: "يا طرابلس/ غزة ليست بعيدة/ والدم يسيل/ والضحكات والأمنيات/ والوقت/ والعيد يأتي/ فأية قصيدة أكتبها/ قصيدة منذ البارحة/ أبحث عنها/ ولا تجيء". والقصيدة حقا لم تحضر ولن تحضر. فاضل العزاوي، يستعيد نفَسه الستيني، مصحوباً، هذه المرة بعبارات وأسماء مواقع بالألمانية. نص أشرف فياض لا يعدو عن كونه يوميات نثرية كامدة، ما من أثر لأي التماع فيها. لكن مع قاسم حداد تتم استعادة براءة الشعر، بقصيدة "الكمنجات" وقد حلّقت، متخفّفةً من غرضية الأنطولوجيا:
هاتِ الكمنجاتِ.. أقربَ.. أقرب
كي يجهشَ القلبُ في حضنها
قلْ لها
إننا سنذوبُ سريعاً مع الكأس
إن لم يذُبْ يأسُنا.

بنصه المعروف "أيّ ربيعٍ عربي" يختتم سعدي يوسف الأنطولوجيا، النص الذي أثار الكثير من اللغط والجدل، والأخذ والرد حين نُشر أول مرّة.

لقد صُنّف المساهمون في الأنطولوجيا إلى مجموعات، وفقاً للتقسيم التالي:
المشرق: مروان علي، فرج بيرقدار، نجوان درويش، خولة دنيا، فاتنة الغرة، دنيا الأمل اسماعيل، غياث المدهون، مرام المصري، منذر المصري، هالا محمد، وداد نبي، إبراهيم نصر الله، أمجد ناصر، مصطفى قصقصي، علي سفر، عبده وازن، غسان زقطان.
مصر: عماد أبو صالح، نجاة علي، عماد فؤاد، أمين حداد، إيمان مرسال، عبد المنعم رمضان، جرجس شكري، أحمد يماني، أسماء ياسين.
المغرب: محمد بنيس، عاشور الطويبي، أنيس فوزي، سونيا الفرجاني، خالد مطاوع، محمد مقصيدي، آمال موسى، منصف الوهايبي، محمد الصغير أولا أحمد، حواء القمّودي.
العراق والخليج: فاضل العزاوي، أشرف فياض، قاسم حداد، أمل الجبوري، كاظم خنجر، باسم المرعبي، دنيا ميخائيل، منصور راجح، منال الشيخ، سعدي يوسف.

وكما في كل أنطولوجيا، كان يمكن أن تُزاح أسماء لتحل محلها أُخرى، أكثر جدارة وأحقية في تمثيل راهنية الشعر العربي وصورته، وفقا لتجاربها المتميزة الجديرة بالانتباه والانتشار.


شعراء مختلفون: "في الحرب لا تبحثوا عني"
مجموعة مترجمين
موندادوري، ميلانو 2018
204 صفحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في