الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تلازم مناهضة العولمة والاصلاح السياسي

فراس عوض
كاتب وباحث سياسي واجتماعي، ماجستير في دراسات الجندر، نقابي وناشط حقوقي

(Feras Awd)

2019 / 11 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


تلازم مناهضة العولمة مع الاصلاح السياسي
التجربة الماليزية

تاريخيا، الانظمة المناهضة للعولمة والمتقوقعة على ذاتها سقطت او دمرت، باستثناء ماليزيا، التي رفضت التعامل مع صندوق النقد والبنك الدوليين، ودخلت حينها بازمة اقتصادية، سرعان ما تعافت بفضل نظامها السياسي الديموقراطي وسياستها الاقتصادية الحصيفة المعتمدة على الذات - بغض النظر عن موافق للعولمة او معارض لها - بعكس انظمة دمرت او اسقطت كالعراق، سوريا، اليمن، ليبيا بسبب مناهضتها للعولمة من جانب، وعدم وجود انظمة حكم ديموقراطية تعددية وتداول سلمي للسلطة فيها ، وهناك انظمة مناهضة حاليا للعولمة والهيمنة والرأسمالية تتمتع بذات الصفات، لكنها معزولة عن العالم ومحاصرة وفي طريقها للتآكل والحرب الداخلية والخارجية، كايران و كوريا الشمالية .

مناهضة العولمة و الهيمنة وادوات الرأسمالية و التبعية وارتهان القرار السياسي والاقتصادي لأي دولة، حتى لو اقترنت بتحقيق الاكتفاء الذاتي لتلك الدولة، لا قيمة له اذا لم يكن لدى تلك الدولة نظام سياسي اساس حكمه ديموقراطية حقيقية يمثل فيه الشعب تداول السلطة وحكم نفسه بنفسه بتمثيل حقيقي، ما يولد تعدد بالفكر الاقتصادي بدلا من سيادة فكر اقتصادي أحادي او ثنائي، سواء في الانظمة الجمهورية او الملكية، وهذا تحديدا كان سببا حال دون تدمير او اسقاط ماليزيا تاريخيا.
ماليزيا ذات نظام حكم ملكي دستوري "غير مطلق" و قانون انتخاب متقدم ومجالس تشريعية لا مركزية تكمل البرلمان المركزي ومجالس تنفيذية في الولايات او ما نسميها عندنا (محافظات) تكمل الحكومة المركزية، لكن عندنا تفتقد اللامركزية دورها و منزوعة الدسم والصلاحية التشريعية والرقابية ، ولا يوجد لدينا نظام انتخابي متقدم كماليزيا (احادي الصوت والدائرة) وليس لديهم مجلس اعيان معين بالكامل، ولا يشكل عدده نصف النواب، كما عندنا، و مجلس الشيوخ معظمه منتخب من الولايات او المحافظات كما نسميها، والملك يعين ثلثه تقريبا، وعدد اعضاء الشيوخ يشكل حوالي اقل من ثلث النواب، تناط بملك ماليزيا الحكومة شكليا لكنها تتمتع بولاية عامة وتتشكل من اغلبية برلمانية يكون رئيس الحكومة عضو بالبرلمان، على ان يحظى باغلبية نسبية.

وبالنظر للمؤشرات الاقتصادية تجد ان ماليزيا - التي تاسست بعد عشر سنوات من تأسيس الاردن- لكنها نشطت اقتصاديا بوتيرة كبيرة- ذات نمو اقتصادي يعادل ضعفي النمو عندنا، البطالة 2% فقط ، ناتج محلي اجمالي (مع الاخذ بعين الاعتبار عدد السكان كنسبة وتناسب) يعادل ضعفي ونصف الناتج المحلي الأردني ، احتياطي نقدي يشكل خمسة اضعاف الاحتياطي لدينا ( وهذا مؤشر قوة شرائية وقوة العملة) مؤشر تنمية متقدم ضمن التصنيف العالمي، ومعدل اعمار السكان أكبر وهذا مؤشر صحي، اضافة الى باقي المؤشرات التنموية كالتعليم والصحة والمساواة وحجم القوى العاملة والصادرات والواردات ونسبة انتشار الانترنت بين السكان وأخرى يطول ذكرها.

ماليزيا معتمدة على ذاتها اقتصاديا بدعم الصناعة كالمطاط والقصدير وزيت النخيل بزيادة صادرتها، والتجارة الدولية وتحديدا مع اليابان، والاستثمار بالطاقات والموارد البشرية كرأس مال ، ومراقبة الحوالات الخارجة من المصارف والبنوك وفرض رقابة عليها بالمثل، تحديدا بعد الأزمة الاقتصادية التي لحقت بها بسبب عدم انصياعها لاملاءات الصندوق والبنك الدولي وما عصف بها من محاولة اميركا ضرب اقتصادها عام 97 من خلال المضاربين(نظام المضاربة) في السوق المالي المفتوح عالميا، لكنها سرعان ما تعافى اقتصادها واصبح اقوى من السابق، بفضل ثمار الديموقراطية وما تفرزه من تعددية الفكر الاقتصادي وسياسة الاعتماد على الذات واستقرار التشريع والبيئة الاقتصادية والاستثمارية والصناعية والتجارية، الذي يقوي الدولة ويمتن بنيانها، خاصة في وجه الصدمات الخارجية، مهاتير رئيس وزراء ماليزيا الف عدة كتب عن العولمة، ويعلم جيدا ان ماليزيا لا يجب تؤكل وسط عالم غير متكافئ بالسلطة والموارد البشرية ورأس المال، وادرك ان لا سبيل لمواجهة أدوات الرأسمالية سوى بتمتين بنيوي سياسي واقتصادي داخلي، فضيق حجم حدوده المالية بما يتفق مع حجم امكانيات بلده ورفع الصادرات ونمى ودعم الصناعة والتجارة الدولية مع اليابان ذات السياسة الشبيهة، وقبل كل ذلك، الاساس الديموقراطي السياسي المتين، فالاصلاح الاقتصادي لاي بلد في العالم لا يكون بمعزل عن الاصلاح السياسي، وان الاكتفاء الذاتي لاي دولة دون تحقيق حكم ديموقراطي لا يكفي ومصيره الصراع السياسي وتدمير الاوطان، وان السياسة الاقتصادية المبالغ بها بالانفتاح على السوق العالمية في العالم غير المتكافئ،أدت بالدول الصغيرة لتصبح فريسة للدول المتقدمة اقتصاديا وتكنولوجيا وسياسيا وقرارها مرهون ومرتبط بها ماليا وسياسيا ، ومواقفها مدفوعة الثمن، فتمتص الدول المتقدمة ثروات واموال الدول الصغيرة وتوسع الفجوة الطبقية العالمية، فيصبح لدينا دول المركز (الدول المتقدمة.. جي سفن) الأغنى، ودول الاطراف( جي 77) الافقر، ليخرج للعالم دول رخوة وهشة وسهلة الانكسار ، ودول منزوعة السيادة الوطنية لصالح رأسمال الشركات العابرة للحدود والقوميات التي تنتقص من سيادة الدولة وتدمر اقتصادها بكبسة زر في السوق المالي العالمي اللامتكافئ المفتوح، ولصالح المؤسسات الرأسمالية كصندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة، التي تغرق الدول بالديون وتثقل اعبائها بفوائد الدين مقابل ضمانات وبرامج ما يسمى برامج التصحيح الاقتصادي وبرامج التثبيت الهيكلي، فتطلب من تلك الدول فرض ضرائب جديدة ورفع اخرى، وتقليص الدعم عن السلع الاستراتيحية كالطاقة والسلع الاساسية كالخبز وباقي السلع وتخفيض الانفاق على القطاع العام والخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة وسكن وإعادة هيكلة القطاع العام بتخفيض عدد الموظفين، دون الاخذ بعين الاعتبار للفروق الفردية للافراد في تلك المجتمعات والظروف الاجتماعية فبها، وتطلب دعم البيئة التشريعية للشركات المتعددة الجنسية والعابرة للقوميات لتصبح تلك الشركات برأسمالها متحكمة باقتصاد الدولةبشكل غير مباشر بعد فرض شروطها ورأسمالها، فرأسمال شركتين عالميتين كامازون ومايكروسوفت وأبل يفوق الناتج المحلي لجميع الدول العربية، فتتقلص سلطة الدولة لصالح تلك الشركات وادوات الرأسمالية وسيادتها، و تصبح بمثابة شرطي يقتصر دورها على حراسىة تلك الشركات وتأمين البنية التحتية و توفير الامن لجذبها، وتشديد القبضة الامنية لاي مناهض للعولمة، وتقليص ادوار الدولة الاجتماعية والخدمية من صحة وتعليم وخدمات وتحول مؤسسات الدولة العامة الى القطاع الخاص او ما يعرف بالخصخصة الكلية او الجزئية، والخصخصة الداخلية والخارجية اي لصالح شركات محلية او عالمية ، ما يزيد من عدد العاطلين عن العمل بسبب تسريح العمال والعاملات لزيادة رأس المال والتوفير ، فتزيد البطالة واستغلال النساء كجيش احتياط باجور زهيدة، وتشجيع العمالة الوافدة منخفضة الاجور واحلالها مكان العمالة الوطنية، ورفع يد الدولة عن السوق بان يحكم نفسه بنفسه ، كما تلجأ تلك الشركات بتحويل ارباح راس المال الخاص بها الى الدولة الام، وعندما تتوسع فروع تلك الشركات التي غالبا تستخدم التكنولوجيا الحديثة، لتحل الآلة والبرمجيات مكان الانسان، فتساهم بالبطالة في تلك الدول اكثر واكثر، وعندما تريد تلك الشركات توسعة شركاتها ومشاريعها، تستدين من البنوك المحلية، وليس من الدولة الام، وتسد دينها من الارباح محافظة بذلك على راس مالها، وما تربحه بعد التوسعة ترسله اضعافا للدولة الام، بينما تجد تلك الدولة تفرض رقابة صارمة وتمنع اخراج اي دولار من حدودها وهي انظمة راسمالية بحد ذاتها من حيث التصنيف كالولايات المتحدة، تجد تلك الشركات او المصانع فيما يسمى "المناطق الصناعية" تستغل انخفاض الاسعار في الدول الصغيرة وانخفاض الضرائب واسعار الطاقة واجور العمالة مقارنة مع الدول الام، فتنمو مصانعها و تزيد راسمالها على حساب تلك الدول وتشغل العمالة الوافدة ذات الاجر المتدني والانتاجية الأعلى لتنمي رأسمالها، وترسله الى الدولة الام على حساب النقد الداخلي، وكذلك الحال بالتوسع بالاسواق الحرة تماشيا مع اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية المعفى من الجمارك، ما يقلل ايرادات الدولة التي ستلجأ لزيادة الضرائب على المواطنين لتعويض نقص الايرادت، وتخفيف او الغاء الجمارك على الحدود تحقيقا لمبدأ السوق الحر والسوق العالمي، وذلك يقلل الايرادات بالمثل، فتصبح تلك الدول منتجة ومصدرة والدول الصغيرة كدول العالم الثالث مستهلكة ومستوردة، ويكون ذلك على حساب المنتج الوطني والاسواق والمحال الصغيرة التي ستؤكل بهذا الانفتاح، لعدم قدرتها على منافسة المنتج العالمي، ولا محاكاة معايير اعتماده الكبيرة مقارنة بامكانيات المجتمعات والدول النامية، تلك الدول المصنع وهذه الدول المستهلك، ما يضطر تلكزالمنشآت والمحال الصغيرة للاغلاق لصالح الشركات العالمية، وتسرح عمالها وتكون اسعار منتجاتها اكبر من قدرة المواطن الشرائية.

كل تلك الاجراءات والضرائب والسياسات الاقتصادية ذات النهج الاحادي تؤدي الى ضعف القيمة الشرائية للعملة المحلية بسبب ارتفاع الدين نسبة الى الناتج المحلي بعد اغراق تلك الدول بالديون ، اضافة الى مفعول الضرائب وتحديدا على المبيعات تقل القيمة الشرائية للعملة الوطنية، يتآكل دخل الاسر ويزيد الفقر، وعدم المنافسة بين الشركات والمحال الصغيرة والمتوسطة مع الشركات اللعالمية ما يضطرها للاغلاقات وتسريح العمال وبالتالي رفع البطالة، وزيادة الفقر، اردياد مديونية الدول يؤدي الى عجز ميزان المدفوعات والميزان التجاري وبالتالي الى عجز الموازنات التراكمي، وكلما زاد الدين، تطلب الدول من الصندوق جدولة الدين وغيرها من احراءات وبرامج، ما يزيد فوائد الدين او خدمة الدين، لتصل الدول الى مراحل تصبح عاجزة عن سداد ليس فقط الدين الاصلي، وانما فوائد الدين، وتصل لمرحلة ان تستدين من مؤسسات اخرى لسداد فوائد الدين، بعد سحب حصتها الاصلية وما يسمى حقوق السحب، ذلك يؤدي بالدول الى الانكماش والكساد الاقتصادي في الاسواق، لضعف القدرة الشرائية وزيادة البطالة والفقر و تآكل الدخول، وبالتالي تدني الايرادات الضريبية ايضا، اضافة الى تدنيها من سياسات الانفتاح المبالغ فيه على السوق المالي العالمي واسواق المضاربة والبورصات وتجارة العملات، وتدنيها بسبب الغاء وتقليص الجمرك على المنتجات العالمية العابرة للحدود، والغاء الضرائب في الاسواق الحرة، فتقل ايرادات الخزينة لتلك الدول بسبب ذلك.
يزداد سعار الرأسمالية والنيوليبرالية مع توسع تعاملات الدول مع أدوات ومؤسسات العولمة وتقليص دور الدولة الوطنية من الخدمات الاجتماعية وتقليص انفاقها عليها ودعم الشركات العالمية على حساب المحلية والتحول الى السوق الحرة وتقليص يد الدولة على الاسواق وتدعيم الانفتاح العالمي على السوق المالي وازالة الحدود والغاء الجمارك وتخفيضها والتوسع بالمدن الصناعية والاسواق الحرة ليصبح العالم كما سماه كلاود القرية الصغيرة، ومع التقدم التكنولوجي ووسائل الاتصال والانترنت والثورة المعلوماتية وظهور معالم الثورة الصناعية الرابعة، زاد سعار الرأسمالية من الرأسمالية الى الرأسمالية النفاثة و المتوحشة فيصبح العالم كشاشة صغيرة، يمكن دولة كالكيان الصهيوني ان تحطم نصف القدرات النووية الإيرانية من خلال برمجية تخترق النظام الالكتروني النووي دون حاجة الى الحرب، وان تدمر اقتصاد دول نامية بكبسة زر من المضاربين بالاسواق المالية من مدراء الشركات الكبرى بأمر سياسي، وان تحتكر شركات عالمية انتاج انواع من البذور المعدلة وراثيا لكي لا تتكاثر بعد الانبات، ليضطر المزارع كل موسم لشراء البذار من تلك الشركات، ما يكون عاملا للقضاء على قطاع الزراعة، وغيرها من الامور ما يطول شرحها.

خاتمة

لا يزال هناك من يعتقد ان الانفتاح الاقتصادي المبالغ به عالميا ينقذ البلدان وينعشها اقتصاديا، ولكنه في الواقع دمر واسقط انظمة، لطالما لم تتمتع بحكم ديموقراطي حقيقي كامل ولم يعتمد اقتصادها اولا على الذات متعددة القطاعات، وفي ذات الوقت، فإن الانغلاق وتقوقع الدول وانعزالها عن العالم، وان حققت الاكتفاء الذاتي، سيكون مصيرها الاندثار والسقوط، وان الدول التي يتمثل نظام حكمها الديموقراطية الحقيقية اللتي اساسها التعددية، والرقابة والمسائلة مع الاعتماد على الذات وتوافق انفتاحها على العالم مع امكانياتها، فانها أكثر الدول صمودا في وجه الصدمات والعواصف الاقتصادية، وتحديدا التهديدات الخارجية.

انتجت العولمة الدول الهشة وسهلة الانكسار امام العواصف الاقتصادية، و عالم تسوده الفجوة الطبقية، عالم لا متكافئ ماديا واجتماعيا، يتمثل بدول المركز المتقدمة كاملة السيادة الوطنية والتي تملك قرارها، دائنة و في ذات الوقت تمتص خيرات دول الاطراف النامية الفقيرة والمثقلة بالديون، منزوعة السيادة الوطنية لصالح الشركات العالمية وأدوات الرأسمالية النفاثة، دول لا تملك قرارها.
ولا سبيل لمواجهة آثار العولمة السلبية سوى بالاصلاح السياسي الجذري الحقيقي وتدعيم سياسة الاعتماد على الذات وعدم المبالغة بالانفتاح العالمي او انتهاج سياسة السوق الحر على مصرعيها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السعودية.. شخص يطعم ناقته المال! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الادعاء الأمريكي يتهم ترامب بالانخراط في -مؤامرة إجرامية-




.. هذا ما قاله سكان مقابر رفح عن مقبرة خان يونس الجماعية وعن اس


.. ترامب يخالف تعليمات المحكمة وينتقد القضاء| #مراسلو_سكاي




.. آخر ابتكارات أوكرانيا ضد الجيش الروسي: شوكولا مفخخة