الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأثير الإعلام الفصائلي الفلسطيني على صنع القرار السياسي

هشام عبد الرحمن

2019 / 11 / 14
القضية الفلسطينية


يعد الإعلام أحد العناصر التي تعتمد عليها السلطة السياسية في عملية اتخاذ القرار، من خلال توضيح كل ما يتعلق بالقرارات السياسية وخاصة في وقت الأزمات، وتهيئة المناخ لتقبل الحلول المناسبة وتهدئة الصراعات والتي ينبع من قدرتها على التأثير في اتجاهات النخبة الحاكمة وكذلك الجماهير.
ولا شك أن الإعلام الحزبي الفلسطيني واحد من أهم الوسائل الرئيسة التي تقود الحراك الفلسطيني، ولم تنج زاويا العمل الفلسطيني مهما كان حجمها أو موقعها من هذا الحراك وتأثيراته على القرارات المختصة بالشأن الفلسطيني، إما بشكل إيجابي أو سلبي، فالإعلام الحزبي الفلسطيني يعول عليه القيام بدور أساسي في بناء القرارات السياسية من خلال التأثير على صانعي القرار الفلسطيني؛ الأمر الذي يستلزم تأكيد دوره في القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني، كما أنه يعد موصلًا جيدًا بين صناع القرار والجمهور المتلقي والعكس، وذلك يرسخ دور الإعلام على الصعيد السياسي.
ولكن في ظل تعدد الرؤى والقرارات السياسية الفلسطينية على صدر صفحات الجرائد الحزبية أو في نشرات الأخبار والبرامج المتلفزة والمذاعة حسب رؤية هذا الحزب أو ذاك، إلى جانب التشكيك في صناع القرار السياسي الفلسطيني- غاب القرار الفلسطيني الموحد، وكل ذلك يشكك في مصداقية الحقوق الوطنية وبجدية النخبة السياسية إزاء الهدف الفلسطيني المتمثل في إقامة الدولة المستقلة؛ لأن مَن لا يملك قرارًا مستقلًّا لا يمكنه أن يؤسس أو يقود مشروعًا وطنيًّا.
كما أنه يعد مظهر ضعف، وليس مظهر قوة، ويعد معوقًا يحول دون استمرارية مشروع السلام الفلسطيني في المحافل الدولية؛ لأن ذلك يضعف رئيس السلطة الفلسطينية على طاولة المفاوضات؛ لأنه لم يعد قادرًا على التكلم باسم كل الشعب الفلسطيني وخصوصًا عندما تتحدث عنه حركة حماس كرئيس منتهية صلاحيته، وفي المقابل تتحدث فتح عن أن حكومة حماس لا تستطيع أن تقود سفينة الوطن إلى الاستقلال وليس لديها أدنى خبرة في التعامل مع السلطة وممارستها.
ووفقًا لهذا الفهم فالإعلام الحزبي الفلسطيني لم يكن على درجة كبيرة من الفعل السياسي الساعي لمصلحة القضية الفلسطينية ودعم المشروع الوطني الفلسطيني ؛ الأمر الذي مكن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأمريكية من التذرع بغياب شريك فلسطيني للسلام، وبالتالي تتنصل إسرائيل مما عليها من التزامات بحق الشعب الفلسطيني.
من المسلم به أن الخلافات الداخلية التي تعتلي الرأي العام تزعزع الجبهات الداخلية للدولة والمجتمعات وتخلق البلبلة في صفوف الجماهير وتمهد للفوضى وعدم الاستقرار، فهناك كثير من الأحاديث والأقوال الشعبية والأمثال والحكم التي يزخر بها فكر وتراث الإنسانية تؤكد جميعها الحقيقية المنطقية والعملية القائلة بأن الهموم والشئون الداخلية للأمة تقرر مصيرها في آخر المطاف، حتى وإن كان لشئونها الخارجية دور كبير في حياتها.
ففي القرن العشرين وعلى المسرح السياسي الدولي، تتالت الحالة تلو الأخرى تبرهن هذه المقولة وواقعيتها، وأكبر مثال على ذلك الإمبراطورية العثمانية بعزتها وقوتها تداعت وانتهت عندما كثرت الهموم الداخلية، وتغلبت على عظمة الأمة وقدراتها فأودت بها إلى شتات بعد تجمع وضعف بعد قوة، ويعد العراق في عهد صدام حسين نموذجًا آخر من نماذج التضحية بالشئون المحلية والهموم الداخلية لصالح الأحلام والأطماع والسياسة الخارجية، فدمرت بغداد وما يزال شعب العراق بعد صدّام يعاني من الاحتلال الأمريكي
.
ومن هذا الفهم نؤكد أن الهموم الداخلية تقرر مصير الأمة، وهو مثال حديث العهد على الساحة الفلسطينية، ويكاد أغلب الباحثين الإعلاميين الفلسطينيين يجمعون على أن سبب موجة الاقتتال الداخلي في الأراضي الفلسطينية، التي انتهت بسيطرة حماس عسكريًّا على قطاع غزة منتصف يونيو 2007، جاءت بعد حملة من التصعيد الإعلامي والمناكفات الإعلامية المتبادلة بين حركتي فتح وحماس، التي ظهرت بشكل مكثف في صحافتهما الحزبية، وانتقلت بسلاسة إلى الشارع الفلسطيني فطغت على جل أحاديث الناس، وخلقت نوعًا من البلبلة وعدم الاستقرار وأججت الخلافات ، وهو أكثر ما أضر بالإعلام، وأصبح لا يمكن التمييز بين الصحفي والمحلل السياسي.
وضمن هذا الصراع غابت فلسطين والمشروع الوطني الفلسطيني ، بسبب الانشغال بالهم الداخلي للشعب الفلسطيني على حساب الهم الأكبر وهي القضايا الأساسية والثوابت الفلسطينية، والخشية أن يضيع ما تبقى من أرض الوطن إن استمر الفلسطينيون منشغلين بخلافاتهم الداخلية.
هذا الوضع مكَّن إسرائيل من استغلال هده الحالة في مناقشة الشئون الداخلية من أجل تحطيم وحدة الجبهة الداخلية للشعب الفلسطيني، باعتبار أن الجبهة هي صخرة الصمود التي تتحطم عليها كل المحاولات الاستعمارية والصهيونية، كما مكنها من التفرغ للاستيطان بالضفة الغربية وتهويد القدس بشكل غير مسبوق، والتشكيك في قدرة الشعب الفلسطيني في حكم نفسه بنفسه؛ الأمر الذي انعكس على المشروع الوطني الفلسطيني بشكل سلبي، وأصبح الإعلام الحزبي عامل هدم للمشروع الوطني وليس عامل دعم له.
فالعدوان الإسرائيلي يتطلب توجيه كل الاهتمام والجهود خاصة الإعلامية لمواجهته، ويُعتقد أن ما كانت ترمي إليه إسرائيل من إبقاء الشعب الفلسطيني منشغلًا بالاعتداءات المتواصلة في قطاع غزة وبالخلافات الداخلية هي أن يبقى الفلسطينيون مشدودين وغارقين بعشرات الخلافات الداخلية والقضايا الجزئية، حتى لا يتفرغوا للاهتمام بالقضايا الجوهرية كالاتفاق على الثوابت الوطنية.
إن إسرائيل ومن يقفون معها يدركون أن الحرب الحديثة لم تعد مجرد مواجهة عسكرية مسلحة، بل هي أيضًا صراع بين الآراء والمبادئ والقيم والمعنويات، وأن نيل ذلك هو أهم الخطوات على طريق الصراع الكبير، وأن الانتصار فيها يمهد لما بعد ذلك
، وكما يقول نابليون بشأن الصحافة: "إنني أرهب صرير الأقلام أكثر مما أرهب دوي المدافع".
هذا يؤكد على خطورة وأهمية الآراء والأنباء والتعليقات التي تُنشر عن طريق الصحافة ووسائل الإعلام الحزبية الفلسطينية، وما يمكن أن تؤديه هذه الوسائل من دور في المعركة المصيرية التي يخوضها الشعب الفلسطيني لتحقيق مشروعه الوطني.
إن ما ينشر بالوعي والإدراك السليم لأبعاد الموقف، يمكن أن يخدم المعركة وأن يهزم العدو الذي قد يجد فيما يتم ننشره بحسن نية أو بسوء نية بعض ما يغذي به حربه النفسية، فيتلقى خبرًا من هنا وتعليقًا من هناك، أو واقعة معينة يستخرج منها ما يفيده للتشكيك في المواقف الوطنية وإضعاف الوحدة الوطنية القادرة على خوض معركة تحرير الأرض، ويقدم على هذا دليلًا استقاه من أيدي المتخاصمين دون أن يحسب لذلك حسابًا.
ولأهمية وسائل الإعلام فيما تؤديه من رسالة اجتماعية وثقافية بالنسبة للمواطنين أشار العديد من الكتاب إلى أهميتها ودورها فوصفها بعضهم بأنها سلاحنا الفكري والأيديولوجي الرئيس، كما تسهم هذه الوسائل في ضمان الأمن الثقافي في المجتمع وصيانة الذاتية الثقافية من الغزو الفكري والتصدي لمخاطر التيارات الثقافية الخارجية التي تشوه الأصالة الحضارية وتضر بمستقبل الأمة؛ وبالتالي فالإعلاميون يلعبون دورًا مهمًّا كأداة من أدوات نجاح السياسة الوطنية لدولتهم والتصدي للهجمة الإعلامية الخارجية من خلال الكلمة إذا أرادوا ذلك, وقداسة الإنسان تستوجب أن ينعم بممارسة حقوقه وتأدية واجباته وفق القيم المثلى للمواطنة؛ فالإنسان الفلسطيني يجد أمامه الكثير من المعوقات التي تحول بينه وبين ممارسه حقوقه الطبيعية، ولا شك أن هناك ما يمكن البناء عليه من مقومات ينبغي التأسيس عليها ليمارس الإنسان الفلسطيني حقه في الحياة، وأن يكون مؤمنًا بقيم المواطنة لبناء مجتمع صالح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم