الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نُريد كتابة الدستور في التحرير من جديد

عبدالله عطية

2019 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


المقال هذا للعالم كي يعلم من هو العراق، ولنا كعراقيين متظاهرين ثانياً، هذا المقال لكل الوطنين والاحرار، للشهداء الذين سقطوا في أنتفاضة تشرين، للجرحى من ابناء العراق، لكل من ساهم في هذا العرس الوطني الكبير، حتى جلاوزة السلطة وذيول الاحزاب لهم في هذا المقال شيء، اعرف ان المشاعر الوطنية والحماس والهتافات التي ارددها في رأسي وانا اكتب سوف تمنعني من الكتابة بموضوعية، ستقوم بأزاحتي الى جانب الوطن وأبنائه، لا ضير في ذلك وليس لدية مشكلة ما دام الوطن أقدس واشرف المسميات في هذا الواقع المليئ بالاختصارات والمقدسات والفرعيات، بل يزيدني من الفخر أن أكتب بصفتي عراقي، في الصحافة هذا خطأ لكن، في حب الوطن مباح.
ينتابني الفرح حينما أسترجع الصور التي خزنتها في ذاكرتي أثناء المشاركة في التظاهرات، صور تتسابق في رأسي كي اكتبها ليقرأ العالم عن شعب يزخر بالتضحية والفداء، هذا الوطن لايزال معطاء ويُحب الحياة كما هم أبنائه.
أدعكم من هذه المقدمات التقليدية وأبدأ بالمفيد، سوف أصف المشهد بطريقة درامية، ساحة كبيرة جداً يقف في الوسط نصباً من فلسفة جواد سليم يوثق قصة شعب منذ الوجود الى اللحظة، يأخذك الى عمق الوطن، ومع هتاف المتظاهرين والاعلام العراقية ترفرف تبدأ لا شعورياً نبضات قلبك بالتسارع، عيناك تغرغر بالدموع، مع شعور لا يصدق ولا يوصف، تتذكر فجأة ما تعلمته في المدرسة حينما كنتُ صغيراً عندما يُرفع العلم ردد النشيد الوطني، هذه المرة لم يبدأ النشيد من البداية (موطني.. موطني)، بلا وعي مني ومع الم شهد الذي أمامي تذكرت الثلث الاخير من النشيد،
(الشباب لن يكل همه أن يستقـل أو يبيد
نستقي من الـردى ولن نكون للعــدى
كالعـبـيـــــد كالعـبـيـــــد).
في هذا المشهد يردد المتظاهرون (سلمية..سلمية) بينما رجال مكافحة الشغب قد ملؤها بالمقذوفات والدخان يعم المكان مثل اي مشهد مسرحي، وترى الجميع ينصهر في هذا العرس، حتى تنسى كل قناعاتك وتتذكر فقط انكَ عراقي فقط، في الجانب المقابل وعلى مسافة لا تزيد مئتي متر تجد قوات مكافحة (الشعب) بملابسها التي تشبه ملابس الرجال الاليين، وتختبىء خلف الاسلاك الشائكة والحواجز الكونكريتية والعربات المصفحة، تضرب وتعتدي على المتظاهرين، فجأة تعود الى رأسك كأنك تبتعد عن العالم، يصدح المقطع التالي من النشيد،
(لا نريــــــد لا نريــــــد
ذلـنـا المـؤبـدا وعيشـنا المنكـدا
لا نريــــــد بـل نعيــــد
مـجـدنا التـليـد مـجـدنا التليـد)،
يقطع المشهد بسقوط دخانية على مسافة اقل من متر واحد، ما ان ترفع رأسك حتى تمر عينيكَ على النصب، لا شعورياً تردد من جديد( لا نريد بل نعيد، مجدنا التليد).

يومي الخامس والسادس والعشرون من شهر تشرين الاول الجاري كانت المواجهات قد بلغت ذروتها بين قوات مكافحة الشغب والمتظاهرون فعلى الرغم من تأكيد الحكومة المتمثلة برئيس الوزراء ووزيري الدفاع والداخلية على عدم استخدام "الرصاص الحي" الا انه بفعل الاستخدام الخطأ للأسلحة التي تطلق الرصاص المطاطي وقنابل المسيل للدموع سقط (63) شهيد و (2592) جريح بين متظاهر ورجل امن، حسب الاحصائية التي قدمتها مفوضية حقوق الانسان في العراق، فمن أبشع المشاهد التي تدل على وحشية قوات مكافحة الشغب واستخدامها الخاطئ للأسلحة هي اصابة مراسل قناة السومرية الفضائية في وجهه مباشرة بقنبلة مسيلة للدموع، نقل على اثرها للمشفى وفقد الوعي لأربع ساعات، بعدها أفاق دون ان يملك القدرة على الكلام.

يوم السابع والعشرين والايام التي تلت، بدأت الامور تهدأ نسبياً على الرغم من المحاولات المتكررة لفض التظاهر بأستخدام العنف والقوة، الا ان المتظاهرين عرفوا كيف يتجنبون العنف، فقسموا انفسهم الى مجموعات كبيرة ما ان تذهب واحدة تأتي الاخرى وأستمر التظاهرات، ما ان رأى الشعب هذا الوضع قرر الجميع النزول فزاد الزخم حتى امتلئت منطقة الباب الشرقي عن بكرة ابيها بالمتظاهرون، لا ارادياً بدأت الناس تتوافد وكأنما تزداد ايماناً لتكسر حاجز الخوف من المليشات والقتل الجماعي، بدأت الدعوات عبر التواصل بحاجة الشباب للكمامات والمشروبات الغازية للحد من مفعول مسيل الدموع، فجأة ظهر الكرم العراقي ببذخ، ليكشف للعالم عن كرم وأصالة هذا الشعب، اولا النساءبدأت تعد الطعام ويذهب به الرجال للساحة، بعدها بساعات بدأت المواكب تصل لتبدأ بأعداد الطعام وتوزيعه مجانا على المتظاهرين، زادت الاعداد بشكل لا يصدق من كافة الفئات نساء ورجال واطفال وشيوخ وشباب، ترك الجميع القابهم ومسمياتهم حتى وصلوا الى قرار الاعتصام والمبيت في الساحة.

هذا الوقت كان المتظاهرون قد سيطروا وتحصنوا على بناية المطعم التركي، وهي بناية مهجورة تقع مقابل نصب التحرير وعلى اليمين من جسر الجمهورية الذي تمركزت فيه قوات الشغب، جعلوا منه رمزاً لقوة الشعب، شيء اخر يُحسب للمتظاهرين وهو الحفاظ التام على سلمية التظاهرات رغم الاساليب المروعة التي استخدمتها الحكومة لجرهم الى العنف من اجل تبرير استخدام القوة ضدهم، الا انهم التزموا السلمية، واكتفوا بتنظيم انفسهم ومساعدة بعضهم بعض، من خلال الدعم الاجتماعي الهائل الذي وصل اليهم من تبرعات من لم يستطيعوا الوصول او المشاركة، فقوات الحكومة التزمت بخط واحد الا وهو العنف على مدار ايام التظاهر، الا ان المتظاهرين عرفوا كيفية حماية انفسهم من الاصابة بارتداء خوذ الدراجات النارية وعمال الانشائية ونظارات السباحة، للحد من الاصابات الناتجة عن الاستخدام الخاطىء للاسلحة، اضافة الى تشكيل فرق من المتطوعين لالتقاط القنابل ووضعها في الماء لابطال مفعولها.
يوم الثامن والتاسع والعشرون كانت الساحة اهدأ، والاصابات انخفضت والقوات الامنية مع المتظاهرون عدى قوات الشغب، ومع اعلان حظر التجوال الجزئي للمركبات من الساعة الثانية عشراً بعد منتصف اللليل وحتى السادسة صباحاً في بغداد من قبل رئيس الوزراء قرر الناس العصيان واستمرت المركبات بالحركة بشكل طبيعي مع رفع العلم العراقي، وبالتالي خسرت الحكومة محاولة اخرى لاسكات الشعب.
المشهد في ساحات التظاهر من الداخل ليس كما المشهد من الخارج، انا متأكد وبكل ثقة ان العالم يرى العراق عن فئات و طوائف وقوميات وفرعيات صغيرة جداً مهما كبرت، الا ان من يدخل يرى معدن هذا الشعب الاصيل، الراية واحدة وهي العلم العراقي، والناس ترقص وتغني وتلعب كرة القدم والطاولي والشطرنج، تشاهد الناس كأنها تبعثر رسالة الى العالم هذا الشعب حي ويطالب بالحياة، ويقول للحكومة اساليب القمع لا تجدي نفعاً، وخير دليل على كلامي هم شباب الانقاذ والاسعاف من اصحاب عجلات ال(تك تك) داخل الساحة، ما ان يصاب احدهم حتى تجدهم يتسابقون لاسعافه، بغض النظر عما يصور في الاعلام الحزبي والحكومي على انهم فئة قليلة واصحاب اهداف تخريبية، فمن يسقط في الساحة العراق يحمله، وطنه يحمله، لا المسميات الضيقة التي اوهموا انفسهم بها ساسي الطائفية والمناطقية والعرقية، وما يؤكد سلمية ووطنية التظاهر هو حملات التنظيف المستمرة للساحة، والتعاون مع الاجهزة الامنية، ولكي لا نظلم النساء كنا هناك رمزاً للحرية، ودحراً لنظرية ضعفهم وتقليل المجتمع من شأنهم، المسعفات هن والطبيبات، من يوزع الطعام وينادي بصوت هادر بالوطنية، كنا خير مثال للعراقية.
كل هذه الاحداث واكثر تدعونا الى النظر من زاوية اخرى الى الواقع، هذا الواقع وهذه الحقيقة، عاش العراقيون 16 عاماً من الوهم، ها هم يدركون الان ان ما يجمعهم العراق، وما الشعرات الطائفية والعرقية الضيقة الا للتفرقة وتفتيت النسيج الاجتماعي، لذا اود ان اقول وأطالب كشاب عراقي متظاهر انه ينبغي على الامم المتحدة تلتفت الى مطالب العراقيين وتأخذها على محمل الجد، وأنه ينبغي ان يعاد كتابة الدستور بشكل جذري، ينبغي ان يكتبه شباب من ذوي الاختصاص ممن هم في التحرير اصلاً، ففيها من العقول ما يستطيع ادارة الكوكب، والدليل الوعي والالتزام من جانبهم بالسلمية والوطنية، ينبغي من هؤلاء ان تشكل الحكومة الشابة، ان يفسح لها المجال وتأخذ فرصتها، فكل واحد في الساحة يحمل الوطن كعقيدة وفكر وله الاستعداد ان يعمل من أجل العراق مجاناً، والا كيف له لو كان مندساً او ممن يرتادون السفارات ان يواجه الموت بجسد عاري ملفوفاً بالعلم، ينبغي على العالم الاخذ بنظر الاعتبار ان هذا الجيل مختلفاً عن العقليات التي دارت البلد منذ بداية الدولة العراقية، هذا الجيل عابر للافكار والاحزاب والطائفية والمنطقية، ناصع، ثوري واندفاعي لتحقيق ما يريد، وعليه من الافضل تسليم هذا الجيل زمام الامور في البلد.
في النهاية اقول بإيجاز ان الدستور الحالي لا يمثل الشعب ولا ارادته، اقول ان الطبقة السياسية وكل الاحزاب والمكونات لا تمثل الشعب، ونسب المشاركة في الانتخابات مزورة والعالم يعرف، ولتعرفوا ان الاحرار هم من يحكمون العالم في النهاية، وهذا الشعب حر، هذا الجيل بالتحديد حر يرفض اني يؤطر او يسير من قبل بلد اخر.
انا انقل لكم حديثين من التي سمعتها وانا في الساحة،
الاول شباب اثنان لم يتجاوز عمرهما العشرون عاماً
الاول- اليوم ما نرجع الا واحد يستشهد من عدنا.
الثاني- اليوم يومي ولازم أستشهد
الاول- مو بكيفك علاوي اني اشتريها بفلوس
بالنهاية يضحكان ويتقدمان باتجاه جسر الجمهورية، الحوارية الثانية دارت بين مجموعة شباب من التشكيل المضاد لقنابل المسيلة للدموع والحديث كما سمعته هو
الاول- اليوم ما قصرتوا شباب اني حسبت القنابل يمكن ثلاثة وخمسون وحده، ما نطيتوني مجال شبيكم!!!
الثاني- انت ضعيف ويضحك
الثالث- اقترح ان نتحدى انفسنا ونعيد القنابل صوب الشغب.
الرابع- فكرة حلوة، يلا كوموا شتنتظرون..

هناك الالاف من القصص والاحاديث لتروى عما حدث في التظاهرات، الا ان هؤلاء هم اكثر ما اثر بي، وخير دليل على الشجاعة والمسؤولية، على الرغم من ان الاعمار لا تتجاوز سن الخامسة والعشرون، هؤلاء ابناء الحقيقة غير الملوثين بالكذب والدمار والخراب الذي جاء به تجار الدين من اصحاب المليشات والقاعدة، هؤلاء هم الوريث الشرعي لهذه الارض، وهم يستحقونها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمطار غزيرة تضرب منطقة الخليج وتغرق الإمارات والبحرين وعمان


.. حمم ملتهبة وصواعق برق اخترقت سحبا سوداء.. شاهد لحظة ثوران بر




.. لبنان يشير إلى تورط الموساد في قتل محمد سرور المعاقب أميركيا


.. تركيا تعلن موافقة حماس على حل جناحها العسكري حال إقامة دولة




.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس