الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتور كبير في العلاقات الاميركية ـ الالمانية

جورج حداد

2019 / 11 / 14
السياسة والعلاقات الدولية


إعداد: جورج حداد*


بالرغم من جميع الضغوطات السياسية الاميركية الشديدة التي تعرضت ولا تزال تتعرض لها، فقد اصرت المانيا على التمسك بتنفيذ مشروع مد انبوب الغاز الروسي المسمى "السيل الشمالي" الذي يمتد من مكامن الغاز الروسي في سيبيريا وغيرها، عبر بحر البلطيق، وصولا الى الاراضي الالمانية، والذي طرح بشدة خصوصا بعد الازمة الاوكرانية سنة 2014 وتعطل امكانية نقل الغاز الروسي الى اوروبا عبر الاراضي الاوكرانية. وقد بدأ انبوب الغاز "السيل الشمالي ـ 1" بضخ الغاز الى المانيا منذ اكثر من سنة. وتساهم شركة غازبروم الروسية بنسبة 51% من اسهم الشركة التي تستثمر هذا الخط. ويرأس مجلس المساهمين في الشركة المستشار الالماني السابق غيرهارد شرويدر. ويلبي هذا الخط الحاجات الداخلية لالمانيا، كما تقوم المانيا بتصدير كميات من الغاز الروسي الى النمسا وغيرها من دول اوروبا الغربية. ويجري الان العمل لمد خط ثان للانبوب سمي "السيل الشمالي ـ 2" وفي مطلع هذه السنة كان مد الانابيب قد تجاوز الاراضي الروسية وبدأ العمل في اعماق بحر البلطيق. وقريبا جدا سيصل الانبوب الى الاراضي الالمانية في الشمال. وبدأ الحديث منذ الان عن مد انبوب "السيل الشمالي ـ 3" و"4"، نظرا لكثافة الطلبيات من شتى بلدان اوروبا الوسطى والغربية. والسبب الرئيسي لامتناع المانيا عن العزوف عن التعاون مع روسيا في حقل الغاز، هو ان اسعار الغاز التي كانت تعرضها اميركا على المانيا كانت اعلى بكثير من اسعار الغاز الروسي. اذ ان كلفة استخراج الـ1000 متر مكعب من الغاز المسال في اميركا كانت تبلغ 150 دولارا في حين ان كلفة استخراج الكمية ذاتها كانت تكلف روسيا 15 دولارا فقط. وهذا عدا اجرة النقل المرتفعة بصهاريخ الغاز من اميركا الى اوروبا. وهكذا لم يكن بامكان اسعار الغاز الاميركي ان تنافس اسعار الغاز الروسي حتى لو باعت اميركا غازها بسعر الكلفة او ادنى. ومن المتوقع ان تصبح المانيا في السنوات القريبة القادمة اكبر مساهم وموزع للغاز الروسي، واكبر شريك تجاري لروسيا في اوروبا.
وفي ظل هذا التطور الواقع والمتوقع تمر العلاقات الاميركية ـ الالمانية في مرحلة من الفتور الكبير لم يسبق لها مثيل. وقد كتب الصحفي الالماني شتيفان كورنيلوس مقالا في الجريدة البافارية Die Sueddeutsche Zeitung وصف فيه العلاقات الاميركية ـ الالمانية بأنها اشبه شيء بـ"سلام بارد" (قياسا على تعبير "الحرب الباردة").
ويقول هذا الكاتب "ان برلين تدرك ان اليد الطولى لاميركا لم تعد مفيدة لالمانيا. وان المانيا تجد نفسها في وضعية الدولة المسبوقة التي تريد اللحاق بالركب. ان المانيا لا تستطيع الاستغناء عن اميركا، ولكنها مع اميركا لا تستطيع ان تتدبر امورها جيدا. ولهذا يتوجب على الحكومة الالمانية ان تعيد النظر بأسرع وقت ممكن بمواقفها في السياسة الخارجية".
ومؤخرا قام وزير الخارجية الاميركية مارك بومبيو بزيارة الى المانيا بمناسبة الذكرى الثلاثين لازالة جدار برلين. ولم تحظ الزيارة بالاهتمام الكافي من قبل الجانب الالماني، وهي عكست "الانزعاج المتبادل" لدى الجانبين. واستغل بومبيو المناسبة للقيام بزيارة الاماكن التي سبق ان تواجد فيها حينما كان ملازما في قوات المشاة الاميركية التي كانت توجد في المانيا بموجب "نظام الاحتلال الاميركي لالمانيا" بعد الحرب العالمية الثانية. اي ان حضور بومبيو الى المانيا كان اشبه بالحضور للتسلية في مدينة ملاه. اما العالم الواقعي فبقي خارجا.
ومسائل التوتر العالقة بين اميركا ترامب والمانيا تبقى هي ذاتها: انبوب الغاز "السيل الشمالي ـ 2"، عدم التساوي في الميزان التجاري بين البلدين، والنفقات العسكرية.
وتحرص كل من الدولتين على عدم تصعيد التوتر فيما بينهما. فحكومة ميركيل لا تسعى الى نزاع مكشوف مع اميركا، معتبرة ان هذا لن يحل المشكلات القائمة. في حين ان ادارة ترامب تتجنب الوقوع في نزاعات كبيرة قد تؤدي الى الخروج من حلف الناتو، او الى نشوب صراع واسع النطاق حول الرسوم الجمركية الاميركية.
وتدرك المانيا بشكل متزايد ان اميركا لن تلعب بعد الان الدور الذي كانت تلعبه حتى الان في تحديد الوجود السياسي لالمانيا. ومؤخرا فإن انغريت كرامب ـ كارينباور (وزيرة الدفاع السابقة لالمانيا وخليفة انجيلا ميركيل في قيادة الحزب الدمقراطي المسيحي) تقدمت باقتراح حول سوريا، يخالف النهج الاميركي، واعتبر بعض المحللين السترايجيين هذا الاقتراح بانه يمثل "شرارة وعي ستراتيجي" نادرا ما نلاحظه في المانيا.
ان اميركا تحتفظ بدورها كقوة عظمى في اوروبا، حتى في حالة التباعد معها. ولكن الزيارة الاخيرة لبومبيو جاءت لتؤكد "ان اليد الطولى لاميركا لم تعد تعمل لصالح المانيا". ولكن اميركا تبقى محتفظة بدورها بوصفها عاملا كبيرا في تقرير النهج السياسي العريض لاوروبا.
وفي هذه الظروف المعقدة، على المانيا ان تقيّم تماما قدراتها على التأثير في مجريات الاحداث. وحتى هذه اللحظة فان المانيا لا تستطيع ان تنتهج سياسة خارجية منفصلة عن اميركا، سواء في افغانستان، او الشرق الاوسط، او حتى في البلدان المجاورة والحليفة لها، كدول البلطيق السوفياتية السابقة، التي تمر انابيب الغاز الروسي بجانبها.
كما انه لا يمكن تصور سياسة خارجية لالمانيا ضد اميركا، او حتى محايدة بين القطبين الاميركي والصيني. وهذا يعني ان المانيا عليها ان توضح لنفسها الكثير من القضايا القائمة، بمعزل عن السياسة الاميركية.
ان الفتور الكبير في العلاقات الاميركية ـ الالمانية هو احد مظاهر التفكك التدريجي للكتلة الغربية التي كانت تلتف حول الولايات المتحدة الاميركية، وعاجلا ام آجلا سيؤدي هذا الفتور الى: التباعد بين اميركا والمانيا، والتقارب المصلحي ـ البراغماتي التجاري والاقتصادي والستراتيجي بين المانيا وروسيا، وتفكك الاتحاد الاوروبي، والتباعد بين اميركا والبلدان الاوروبية ككل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقاله رائعه في العلاقات الدوليه وبالاخص الالمانية
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2019 / 11 / 14 - 22:50 )
-الاميركية من الضروري الاطلاع عليها-تحياتي استاذ جورج


2 - شكرا د. صادق
جورج حداد ( 2019 / 11 / 15 - 11:42 )
ان المعركة التحررية في كل بلد عربي لها اهمية دولية مباشرة نظرا لوجود الغاز والنفط وللموقع الجيوستراتيجي الدولي الهام لمنطقتنا
لذا يتوجب ان يكون لجميع حركات التحرير العربية موقف دولي واضح
وكي يكون لنا موقف ينبغي ان نمتلك المعرفة بالاوضاع الدولية
تحياتي

اخر الافلام

.. قبل عمليتها البرية المحتملة في رفح: إسرائيل تحشد وحدتين إضاف


.. -بيتزا المنسف- تثير سجالا بين الأردنيين




.. أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط


.. سفينة التجسس بهشاد كلمة السر لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر




.. صراع شامل بين إسرائيل وحزب الله على الأبواب.. من يملك مفاتيح