الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحزن لا يليق بي - سيرة عاشقة

فلسطين اسماعيل رحيم
كاتبة وصحفية مستقلة

(Falasteen Rahem)

2019 / 11 / 17
سيرة ذاتية


وكلما ضيقت عليّ وحدتي خناقها،
أنبعثت من تحت جلدي طفلة،
تفتش في خزانة أبيها عن جورب قديم،
يصلح أن يكون دمية تناسب حنانها، وحجم شوقها إليك،
وكنت أواسي هذا الحرمان الجميل بصورة قد تخبرك كم أنا ضائعة،
وكم أنا وحيدة وغريبة
لم أكن اسعى لأحظى بكلمة حب ،
أنت تعرف أني لم أكن يوما مرأة الكلمة، ولا اللحظة، ولا حتى الرغبة،
تعرف أني أمرأة لا تناسب إلا عصرك ،
لا تتشح بربيع الحياة إلا حين تشتلها بقلبك،
هل جربت أن تجمع شتلة أحلامك وتغلفها بمليون قبلة،
وتزرعها على جفنين، تعرف أنهما حين ينسدلان لن يحلما بك،
وحين يتوهجا باليقظة فلن يقبلا جبينك
هل تعرف كيف تصير خيبة أمرأة تنتظرك منذ الألف الأول للحب والرغبة ثم لا تتوسد منك، غير جرح بحجم مخدة الدمع،
الأسود لا يليق بي ولا بحلمي ولا بك
لا لون يليق بالحزن
مذ علمتك على شارع القلب موقفا لما لا يأتي ابدا
لا لون يليق بالراحلين ،
لا لون يناسب منديلي هذا المساء
لا كحل يناسب عيني
ولا كلمة يمكنها أن تقال

قالت لي أمرأة مخضرمة في عصر البكاء،
ان لا دمع يمكنه أن يعبر حرمان البوح
إلى شفة أمرأة هي أحوج الى قبلة ،
قالتها وهي تمنحني منديلا مختوما بكحل حرمانها،
ومطرزا عليه اسم رجل، لم تتعد تهجئة حروف أسمه لفظة: خيبة

الحزن لا يليق بي،
ولا بضحكتي وبرائتي حين أعدو معك قاطعة شوارع لا أعرفها،
لكن أصابعك القابضة على كفي تطمأنني،
ساقطع معك المستنقع هذا،
اعبر إليك الغرق دون أن أكشف عن ساق رعُبي،
وأنا أحمل على رأسي صرة خبز الموتى،
وأرمي بفتات الحياة للغربان التي تحوم حول الجثث العائمة،
انا التي شيعتْك في أول موكب للرحيل
حين علقتْ اسمك على نخلة ومضتْ
وكتبت على حجابها اسمك بالمقلوب كي تقيها شر شياطين الشوق والحنين
ولعنتْك في سرها ،
وقطعت كل ماكانت تشتهي فيك
بل انها تفننت في تعذيبك
ثم بكت يوم ضمتها عينيك
حين رأتك تقوم من ميتتك وتمنحها بركة الغفران والرضا والمحبة
وكل مافي الكون من سكينة و حنان

أريد أن أغني لك أغنية
أغنية قديمة،
بلحن قديم،
وكلمات قديمة
أغنية تنتمي لنا، لذكرياتنا
أغنية تحكي عن ظهيرة يوم مدرسي،
حين نختبأ في ظل السياج ، نخطط لموعد قد لا يكون قريبا
وتماطل كعادتك متحرجا ومكابرا، وسأحاصرك مراودة ومراوغة
أغنية تشبه يوما طويل للبكاء، حين كنا نصطف عراة وحفاة
على شوارع المدينة،
نلوح بالأناشيد لقوافل شهداء الحرب الاولى..
مزينين بصورهم واجهات الشوارع الممتدة من جبهات القتال وحتى بوابة المقبرة..
المقبرة التي توسعت فصارت كل البلاد
تشبه ضعفي، حين لم استطع أن أقول لك أبق معي فترة أطول
نعم أريدها أغنية حزينة وقديمة، بقدم هذا الوجع الذي يسكنني
وبعمر دموعي، وبعمر شهقتي حين لمحتك صدفة عند باب البيت
أغنية تشبه عينيك حين يرمشان تعبيرا عن النشوة ،وتشبههما حين يجمدان واعرف حينها أنك في حالة عميقة من الحزن
تشبه لونهما الذي لم أكتشف من قبل، أنه يشبه تماما لون عيني
ولم أعرف من قبل انهما سخيتان بالدمع، كعينيّ ايضا

الحزن لا يليق بأمراة لا تحفظ حقيبتها غير تذاكر السفر،
فتمد يدها لتقطف اسماء المدن الكثيرة التي
دونتها في أجندة الحلم
يوم كان الحلم بسيطا وبريئا، وحرا ايضا
حرا بما يكفي لأن يجعلك معشوقا سيدا، ويجعلني عصفورة تحوم حولك،
فتكون انت السندباد المغامر ، وأكون ياسمينته الأميرة المجنحة،
إلتي تقوده إلى جزر الفرح..حيث يقيم العيد...
لم يكُ العمر مخيفا إلى هذا الحد،
حتى أستحال الغياب كأس شاي وحديث طويل،
عن محبوب كان هنا، لم يكن كذلك من قبل،،،
كان الحديث مبلل بالشوق ويعبق بأمل اللقاء،
فكيف أنفرط هكذا...? وصار يشبه وصايا الموتى
وصار موعدا منك لم يحنْ بعد،
يشظيني أشلاء، ويطفأ طمأنينتي
ويملأ رئتي بكل هذا الدخان،على الرغم من أنًا نتواعد
منذ قيامة الحرب الأولى، عشية تشييع الله إلى مثواه،
،في الأرض الحرام،
ولم نلتق بعد

لم أكُ حزينة حين كنت طفل على سلم القلب تحبو،
كنت أرعى فيك ولدي الوحيد،
لم أخش أن تغريك الأبواب
المفتوحة،
فتعشق عبرها درب الغياب،
كنت أدرك بحاسة الأنثى العاشقة،
أنك ربما لن تنام حتى تتوسد ثوبي، فتشم فيه عطر أمك،،
كنت نزقا وطائشا وعنيدا تكبر في حدقة عيني،
وحين أهم أن أنام ، تحدث ضجة كبيرة كي تجرب فزعي عليك.
لكنك الآن وحيد، كما أني وحيدة، كذلك يفعل الاطفال حين يكبرون،
يهجرون أمهاتهم، ليرسموا وجوههن على حيطان الحلم،
غير أنك لم تحفظ شكل وجهي ولا حتى لوعتي حين أبتسم ، وأنا أحفظ لك في حقيبة القلب دمعة كبيرة، تساوي حجم خيبتي فيك،
فلم ترسم مني على جدران غربتك، غير صمتي وغيابك
لم أك حزينة يومها، ولم يكن لون حدادي عليك أسودا
أنا التي لم احسن اختيار بداية تقليدية لحكايتي معك
خطفتك من تنور الجوع والحرمان، كرغيف لا يصلح للصدقة،
ولم أكن سائلة، كنت على صوم
في حين كان غراب دمي ينقر في تربة أنوثتي
كي يعلمني كيف أواري عنك رغبتي فيك

كنت واثقة مني، وأنا أقرأني هناك،
كرغبة اليتيم، في حلم صغير لا يتجاوز حضن أمه،
وكنت هناك، أقرأ عليك سورة العطش،
وأرفع إليك كأس الغياب، كي تظل تلاحقني،
أنا المرأة التي تجلت في سراب أبدي،
حين لامست شفتيك في قيض العمر،
وقت الحرب والموت، ولم أنشد خلودا كهذا ،
وماكنت حلمت به من قبل
غير أني نسيت، أن الطيور حين تستنبت الريح أجنحتها أحلام السماء، تطير،
وكذلك هم الاولاد حين يكبرون ، يرحلون،
لذا كان علي أن أكون مستعدة جدا لهذة الوحدة،
وكان عليَ أن أتحصن بأكبر قدر من الذكريات،
وأن أطوي رائحتك تحت جلدي، كي لا أؤمن بغيابك، ولا أعتقد بالنسيان،،
لكنني نسيت كما قلت من قبل، وبقيت أحبك
أنا المرأة التي أحبتك في زمن العوز والحرمان،
ولم تحظ بك في أخريات العمر ،
كانت الحياة معي بخيلة جدا،،
وحين أحببتك صارت أكثر بخلا وأكثر فقرا وأكثر بردا،
وكنت أنت كوعد الصائم بالثواب والغفران،
كلما قربتك من قلبي، نشف بريقي الماء،
وشكت روحي شتاء البوح في مواقد مطفأة،
لا تعرف الألفة ولا حاجة أمرأة وحيدة إلى سبب للبكاء،
سأحبك كثيرا،ودائما وابدا، لأنك من أمنيات القلب الفطيم قبل آوان الحلم،
فكن حبيبي لهذا المساء، وأعدك أني في الغدِ،
سأحلم حلما آخر



الحزن لا يليق بي حين تأنقت لك بالأسود
وأنا ارقب من خلف الحاجز الزجاجي وجهك،
وكنت تأخرت قليلا،
فتملكني رعب عشرين عام من الانتظار،
بلحظات أستحضرت كل الاماكن التي ألتقينا فيها من قبل،
وكل الأماكن التي لم نلتق فيها أيضا،
وكل المرات التي لم تأت فيها،
وكل المرات التي خلفتني فيها وحيدة،
وحين لوحت لك بوردتي،
كنت أريد ان اقول لك أني صفحت عنك،
وغفرت لك كل سنوات الغياب والبعد والهجر،
لم أكن أعني ابدا غير ذلك،
وكنت لا اجيد التعبير عن غفراني ،
كنت أكتفي بأبتسامة ، وألوذ بالصمت،
كنت أريد أن أوصل لك حقيقة بيضاء هي أني غفرت لك تماما
كل ضعفك معي وعجزك وخوفك وقلقك ورعبك وجبنك
كنت سأقول لك أني ولدتك مرة أخرى،
وهاأنت تحمل دمي ودمعي وعرقي وعطري ولحمي
وأني أحبك من جديد بذات الصخب والأندفاع والجنون والهذيان
وأني مازلت حين أكتب لك، تعتريني نوبة بكاء وعاصفة من الحمى
وحين أنتهي من الكتابة إليك أشعر بالطهر، مثل قديسة أغتسلت للتو بماء الرب
أشعر بأن لي خفة غيمة، وروح غيمة وحزن غيمة أيضا
وأني مثلها تماما استطيع أن أسافر إليك،
فألثم وجهك في صباح مطير كهذا الصباح
وأتذوق طعم شفتيك المبتلتين بالقهوة ،
وأكتب أخر رسالة لعينيك الواضحتين كرصاصة مصوبة إلي،
فتهدأ روحي ويطمئن قلبي
وعندها أحبك أكثر فأكثر
الحزن لم يكُ يليق بي، حين جأتك خلسة في موعدي البكر
يومها لم يحمني معطف أختي الذي كنت اظنه أنيقا جدا، من البرد،
ولا حتى تنورتها الصيفية اللماعة إلتي أستعرتها لموعدا دون أذنٍ منها،
وإلتي لم تكن مناسبة ابدا للفصل، ولا حتى لمقاييسي الناعمة جدا،
كنت أبدو كطفلة ترتدي ثوب أمها،
فبدت الأثواب على قامتي إلتي شقت أولى تضاريس جغرافيتها، متضائلة جدا،
وكنت مرتبكة أكثر وأنا استعرض أمامك مجموعة الكتب إلتي أخترتها بعناية لأثبت لك بأني فتاة من الطراز الذي تحبه،
وبدراية رجل خبر أسرار الصغيرات، وجوعهن إلى حديث الحب،
أزحت عن وجهي عباءة أمي الحريرية، إلتي كانت تحتفظ بها لمآتم القرية،
يومها خيبت كل آمالي فيك، حين لم تنتبه إلى كل الخربشات إلتي دونتها عن عمد،
بين صفحات الكتب إلتي أستعرضتها أمامك، ورحت تناقش طلاء أظافري،
الذي لم أكن بارعة فيه، وأنشغلت أكثر بحلقي الذي كان يتدلى من جهة واحدة فقط.
ولم يكن ثمة لونا يمكنه أن يناسبني
حين لاح وجهك في مصباح الغرفة الأصفر،
كنت تلوح لي بيدك
عرفت وقتها إنك راحل لا محالة
لم أقل لك شيئا يوم جأت تودعني ،
لم يبق للكلمات معنى،
الأمر برمته كان سخيفا وغير مبررا،
تجاهلت أعتذارك، ورفضت وداعك
وحين مشيت، لم أبكِ ،
لم يك ثمة حزن يناسب وجعي، ولا حتى دمع
بقيت أرقبك وأنت تغيب، تابعت رحيلك من على سطح الدار ،
وأنا أدخن سجائري البكر، وكنت قد سرقتها من حقيبة أختي ،
و أذكر يومها أني كتبت أسمك بالرماد ،
ورسمتك كالصغار ،
عيونا مصلوبة على جدول








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيقاد شعلة دورة الألعاب الأولمبية بباريس 2024 في أولمبيا الق


.. الدوري الإنكليزي: بـ-سوبر هاتريك-.. كول بالمر يقود تشيلسي لس




.. الصين: ما الحل لمواجهة شيخوخة المجتمع؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. إسرائيل تدرس -الأهداف المحتملة- للرد على الهجمات الإيرانية




.. سلاح الجو الأردني ينفذ تحليقًا استطلاعياً في أجواء المملكة م