الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوب مارلي، -النبي- المتمرد وإيقونة الريغي (1)

عبد المجيد السخيري

2019 / 11 / 18
الادب والفن


أعادت اعترافات عميل لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، نشرتها المجلة البريطانية "دايلي ستار"Daily Star ، المغني الجمايكي الشهير بوب مارلي 1، ذي الأصول الأفروكاريبية، إلى دائرة الضوء بعد رحيله منذ أزيد من سبع وثلاثين سنة، رغم أنه ظل واحدا من أهم الفنانين إثارة للاعجاب لدى الشباب في العالم، حاضرا بصوره على الأقمصة والملصقات والجدرايات، ووصفت المجلة ما باح به العميل، الذي ادعى أنه قام بنفسه بقتل الفنان وعدد آخر من الشخصيات التي استهدفتها الوكالة طوال مدة عمله بصفوفها كقاتل محترف، بأنه "مفاجأة من العيار الثقيل". وبالفعل جاب الخبر بسرعة فائقة مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة لما قام فنان راب أمريكي شهير بإعادة نشره على صفحته بالفيس بوك والأنستغرام، رغم أنه لم يصدر أي تأكيد رسمي من الوكالة الاستخباراتية لصحة الادعاء. وقد سرد العميل، وهو على فراش الموت، تفاصيل عملية الاغتيال، مؤكدا أنه تقدم لدى الضحية بهوية مزيفة كمصور لدى صحيفة "نيويورك تايمز"، وحمل له في الوقت نفسه هدية مسمومة تمثلت من زوج من الأحذية الرياضية المفضلة لديه وعلى مقاس قدميه دست بإحداها إبرة مزودة بفيروس وباكتيريا سرطانية سرعان ما انتشرت في كامل جسمه وأدت إلى ظهور أعراض سرطان جلدي نادر، كما شُخص في حينه من قبل الأطباء على أساس أنه ناتج عن التعرض لأشعة الشمس، بينما تفيد مزاعم العميل أن الأمر كان مدبرا ومخططا له. ولعل ما يعزز لدى البعض الميل إلى تصديق هذه الرواية أن الأطباء أعادوا سنة 2014 فحص جثة مارلي وتوصلوا إلى أن السرطان الذي أصيب به نادر جدا، علاوة على أن اعترافات عملاء سابقين، ووثائق رفع عنها طابع السرية، كشفت تورط هذا الجهاز الخطير في عدد من عمليات اغتيال الشخصيات المعادية للولايات المتحدة كما توصف عادة، أو لأسباب ايديولوجية معروفة بصفة عامة، وهو أمر كان دوما محل شكوك لدى المناضلين في العالم، خصوصا إذا علمنا أن وفاة الكثير من الشخصيات المشار إليها كانت غامضة أو مشبوهة. وقد أقر العميل بنفسه أن الجهاز كان قد طور في تلك الفترة أساليب جديدة لتصفية الأعداء من دون ترك آثار تسمح بتعقب العملاء القتلة.

صعود سريع ورحيل مبكر

قبل 37 سنة، رحل بوب مارلي، واسمه الحقيقي روبير نيستا مارلي، عن سن لا يتعدى 36 سنة، وهو في قمة مجده وأوج تألقه، مخلفا وراءه منجزا موسيقيا عظيما لا يزال إلى يومنا يلهم المئات من الفنانين عبر العالم، وبخاصة بالقارة الإفريقية، ويثير إعجاب الملايين من عشاق موسيقى الريغي الذي أبدع فيها ومنحها سمعة دولية ومكانتها المستحقة بين أشهر أنواع الموسيقى الشعبية، وجعل منها أيضا أحد أكثر الألوان الموسيقية رواجا وانتشارا عبر العالم، بعدما نجح في بيع ما يناهز 200 مليون ألبوم، وحشد الآلاف من المعجبين في السهرات التي أقامها في عدد من البلدان والمدن الأمريكية والأوروبية والأفريقية. وبشكل سريع، وفي مدة لا تتجاوز عقدين من الزمن بين سنة الانطلاق، تاريخ تسجيل أغنيته الأولى Judge not سنة 1962، والسنة قبل الأخيرة لرحيله المبكر (1980)، تحول مارلي إلى أحد أهم إيقونات الموسيقى العالمية وأكثر نجومها تأثيرا في أوساط الشباب، وملهما للعديد من تيارات ما عرف بالثقافة المضادة contre-culture، و"معبودا" تتوق إليه قلوب المعجبين والمعجبات في كل مكان، وترصد حركاته وتصريحاته وتلميحاته السياسية وسائل الاعلام الأكثر تأثيرا وانتشارا، وتلاحق أخباره ولقاءاته باهتمام كبير أجهزة الاستخبارات في العالم المتقدم، بقدر ما سعت أحزاب وتيارات سياسية إلى استقطابه إلى صفوفها أو جعله قريبا منها لزيادة تأثيرها وسط الجماهير، وبشكل خاص في أوساط الشبيبة الثائرة. ومع غيابه عن عمر قصير، سيتحول هذا الفنان المثير إلى أسطورة خالدة بعدما عاش حياة مليئة بالعطاء والنشاط الفني غير المنقطع، ليدخل التاريخ من بابه الواسع إلى جانب أساطير أخرى لمعت في مجالات الفن والأدب أو النضال العالمي. وكان هذا الفنان، الذي يوصف عادة بالنبي الأسود أو الطوباوي أو "الهيبي المثالي"، قد بدأ مسيرته الفنية بشكل متواضع في الشوارع قبل أن يتحول، بفضل أداءه المتميز ومضمون كلمات أغانيه وإيقاعات الريغي، إلى ما يشبه رمزا دينيا لحركة امتزج فيها الفن بالسياسة والدين والطقوس الضاربة في الجذور الإفريقية والكاريبية. في 11 ماي 1981 نقلت وسائل الاعلام الدولية خبر وفاته بأحد مستشفيات ميامي بالولايات.م. أ، بعد فترة قصيرة من إصابته بسرطان نادر نهش كامل جسده، وكان قد أخفى خبره عن عائلته لأول مرة عندما انهار أثناء ممارسته لرياضة الجري ورفض استئصال الورم الخبيث بسبب قناعاته الدينية. وأقيمت للفنان الكبير جنازة رسمية وشعبية مهيبة تليق بمقامه في بلده جمايكا، بعدما كانت الدولة قد وشحته قبل شهر واحد فقط بوسام رفيع تقديرا لدوره في نشر السلام والدفاع عن الحرية. نزل الخبر كالصاعقة على عشاق موسيقى هذا الفنان ومحبيه عبر العالم، ولم يكن قد مضى على تحقيق حمله بالغناء في إفريقيا سوى أقل من سنة عندما استضافته الغابون لإحياء سهرة فنية خاصة بمدينة ليفروبيل في يناير من عام 1980، وبعدها عندما حل بزينبابوي في 17 أبريل من نفس العام ليؤدي أغنيته الشهيرة "زينبابوي" على ملعب هارار بمناسبة إحياء استقلال هذه الدولة الإفريقية وتخلصها من النظام العنصري لروديسيا الجنوبية، وكان مارلي حينها في قمة مجده الفني ونجوميته العالمية. وبالنسبة للأفارقة، فقد مثل غياب هذا الفنان الكبير خسارة فادحة، ليس لأن جذوره تمتد إلى القارة السمراء من جهة الأم وتجري في عروقه ثقافتها العريقة فحسب، بل ولأن مارلي كان بمثابة سفير فوق العادة للثقافة الأفريقية ولقضايا شعوب القارة الفقيرة وراوده حلم توحيدها.
ومثل عدد من أساطير القرن الماضي، لم يعش مارلي سوى فترة زمنية قصيرة من عمره البيولوجي، إلا أنها كانت حياة متألقة وزاخرة بالأحداث والأنشطة الفنية والحضور على الساحة العالمية للموسيقى الأكثر تأثيرا واستقطابا، بوقعها السحري في النفوس وإلهامها لعشاق الإيقاعات الجديدة التي تمزج بين نوع من التراتيل المعبرة عن المعاناة الجمعية الموروثة من العهد العبودي، وبين نبضات "البلوز" المعبرة عن المعاناة الفردية، وهو ما سيجعل منه رمزا لمقاومة الشعوب المضطهدة وتطلعها بتفاؤل إلى غد مشرق، خصوصا الإفريقية منها التي وجدت في الجذور الثقافية، أو الروح المتمردة لموسيقى الريغي، اعترافا بوجودها الرمزي وتراثها العريق، وقد حملهما مارلي إلى آفاق كونية، مثلما حمل أفريقيا في نفسه أينما حل وارتحل.

(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في


.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/




.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي