الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في مجموعة زرقاء عدن لليمنية لارا الضراسي

فلسطين اسماعيل رحيم
كاتبة وصحفية مستقلة

(Falasteen Rahem)

2019 / 11 / 18
الادب والفن


زرقاء عدن

في سرد رشيق جدا كرياضي يقطع طريق قصيرة بقفزة واحدة ، هكذا تفعل السيدة الضراسي وهي تغوينا بزرقة البوح حيث يكمن مثلث المحرمات البحر والسماء والرغبة ، غير انها وشحتهم بحزن انيق جدا لا يمكنك ان تهرب بعده إلى مكان أخر ، حزن جميل تشتاقه نفسك ذلك انها تسرد بأسلوب الجدات الشيق الذي لا يمل ، وجه من وجوه عدن المطلقة ، اذ تفعل مثل راوية متمرسة بفرد ضفيرة من ضفائر عروس البحر وتأخذنا في رحلة قيلولتها البحرية تلك الى عوالم مسكونة بالالم مرة وبالخوف مرات ، مرة تتقلب على عشب في أطراف المدينة بغنج غاوية ، فتفتح قمصان الصيف على حقل القمح الناضج ، فيشيع عطر الاشتهاء، في تحد وتمرد على ناموس المدينة التي تموج بالمتناقضات ، ترفع الضراسي طرف الليل عن وجه عدن فتاخذنا لعوالم الحرب التي مازالت البلاد تمج مرارة مائها وتغتسل بوجوه شبابها الذين تشيعهم كل يوم ، ومع ذلك فهي غفورة جدا الى الحد الذي يجعلها تجر خبز عيالها وتخبيء عدوها بشيدر نسائي لتنقذه لان الانسان يستحيل ان يغير فطرته وكأنها تقول لأخيها لان بسطت إليّ يدك لتقتلني ما انا بباسطة يدي إليك لأقتلك ، هنا تعرف ان الحياة تصنع الحياة وان الرحمة طبع الطبيعة الملتصقة بزرقة الحياة ، تلك الطبيعة التي تلونت بها عيني بنت الضراسي الشقية فخلقت لنا زرقاء تعبت جدا في تقفي سرها المشدود للبحر ، ولم تبخل ان تكون قربان لعودة الغائب ابيها ، كأنها تقول من جديد ان المحبة عطاء لا متناه وان كلفتنا حياتنا قربانا لها ، تتشقلب طفلة الضراسي بثوبها الطويل وتجلس جلسة القرفصاء عند عتبة البيت تنتظر عودة الغياب فتُلبس ثوب الخوف والانتظار معا لرجال وعدوا ان يعودوا ولم يفعلوا ، الرجال الذين غوتهم درب الحرب ، هناك في الجهة الاخرى حيث آللابلاد واللا معنى للحياة التي تخلف كل هذا الكم من الحزن والفقدان واليتم ، الشقية الضراسي لا تتوقف كيف وقد شربت سر القهوة فعرفت جمال الاشياء لا يكمن في حلوها وإنما للمرارة سر اجمل ، ومن هنا دخلت علينا بشهرزادية متفردة ، لم تتشابك علينا وإنما جعلتنا نركض لاهثين خلف سرعة الأحداث التي تاهت علينا ، كأنها تلعب معنا لعبة الغميضة فتغش وتغير مكان اختبائها مرة بعد اخرى ، وإلا كيف هي الحرة تجري الى حتفها ، الخائفة المستسلمة لقدرها وتقطع رحلة طويلة إليه حيث الموت الذي ينتظرها في المطار ، وتثور في عقل طفل نهم للمعرفة جاء بعار السرقة من أمين كليهما لم تقترف خطيئة فتورطا بين الخرافة والحقيقة وتتركنا عالقين بينهما وتمضي تكد من اجل رزق عيالها ، تتنهد لارا الضراسي من تعب التصبين ، فتستسلم لقدرية النصيب الذي تنتظره عانس من شباك الحظ ،ثم تستحيل الى ثاكلة تنعى ولدها الذي لم تره غير ان للأمومة سر لا تفقهه الا الأمهات الثاكلات، لارا الضراسي التي توزعت على جغرافية وطن وأستحالت لمدينة تشبه عدن ، خبرت مكامن الجوع في عدن ، نساء عدن حيث الأسطورة والخرافة تهب المدينة قدسية تشبه قدسية بيوت الله ، تجعلك تتردد وانت تحاول ان تطء المدينة فكأنها تطلب إليك ان تخلع نعليك وتتطهر قبل ان تفتح بابها ، بأسلوب بسيط جدا ولكنه ممتنع ايضا ، الضراسي من القلائل الذين يجيدون ترويض القصة القصيرة بهذا الشكل الممتع ،بأسلوب ناعم يشبه ابتسامتها تغريك بالغوص في زرقة المدينة حيث يصير المشهد مائيا متموجا لا تحتاج معه لاوكسجين الحياة ولا تبالي انك تغرق ، لان الزرقة المهيبة المحيطة بك خلفت فيك إحساسا بالخلود ، حيث الرغبة المختومة على الشبابيك التي تحكي لك عن البحر والسماء وامراة تشبه قلعة ملتفة بوشاح الغرابة والانتظار ، تلك هي لارا نجيب الضراسي في مجموعتها القصصية زرقاء عدن وبكل اختصار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة