الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوب مارلي، -النبي- المتمرد وإيقونة الريغي (2)

عبد المجيد السخيري

2019 / 11 / 19
الادب والفن




الريغي: موسيقى الروح

يوجد اختلاف حول أصل تسمية الريغي Reggae، رغم أن مارلي ظل يؤكد أنها من أصل اسباني وتعني "ملوك الموسيقى"، إنما على الأرجح أنها تعني أساسا الموسيقى التي ظهرت بجمايكا أواخر الستينيات من القرن الماضي، ويعد مارلي أشهر سفرائها في العالم. ونجد من دلالات كلمة "ريغي" ما يشير إلى أسلوب في اللباس غير المتناسق أو الممزق، بحسب ما تفيده العبارة الجمايكية "ريج-ريج"، بينما يرى البعض أنها تنتمي لمجموعة كلمات regular people في الإنجليزية التي تعني "الناس العاديين "، واتجاه ثالث يرى أنها تمتد لجذور كلمة Raggedy أو حتى المرتبطة بخصوصية إيقاعاته A ragged rythm، أي إيقاع خشن أو غير منضبط. كما ارتبطت الكلمة في اللغة الجمايكية بمعاني سلبية، كالإشارة إلى المرأة سهلة المنال streggae، بينما برزت الكلمة لأول مرة عند الجمهور سنة 1968 من خلال أغنية لفرقة "ذو ميتايلز"، حيث سيعطي رائد الفرقة Toots من خلال أغنية Do the reggae الإشارة الأولى لميلاد هذا النوع الموسيقي الجديد الذي سيعرف رواجه على يد فنانين محليين من السود الفقراء، وكانت كلماتهم تحفل بالإشارات الرمزية للديانة الجديدة( "الراستفارية")، ودعوة مواطنيهم في الخارج إلى العودة إلى البلاد والاستعداد للعودة الكبرى إلى الأرض الموعودة("أثيوبيا") التي تنتظر كل شخص تجري في عروقه الدماء الإفريقية. ومع سطوع نجم مارلي، في بداية العقد السابع من القرن الماضي، سيعرف الريغي انتشارا سريعا في العالم متجاوزا حدوده المحلية، وستبلغ شهرته الآفاق مع أداء فنانين كبار لأغانيه، مثل إيريك كلابتون مع أغنية "شريف"، واستعمال إيقاعاته كموسيقى تصويرية من قبل جيمي كليف في فيلم "الإفراج" عام 1973. ومن أبرز ورثة مارلي نجد الإيفواري ألفا بلوندي، والجنوب إفريقي لوكي دوب الذي اغتيل سنة 2007 وكان شديد الانتقاد والتهجم على النظام العنصري في بلاده.

ميلاد الريغي

قصة ميلاد الريغي ترجع لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية حين بدأ شباب جمايكا يبتعد تدريجيا عن موسيقى" المينتو" التقليدية ذات الجذور الإفريقية والأوروبية، مع الانفتاح على إيقاعات الجاز وريتم أند بلوز Rythm and Blues الآتية من الولايات المتحدة عن طريق الجنود. وسرعان ما ستظهر أعمال في هدا النمط الأخير بأسلوب محلي مميز، قبل أن تفسح في المجال لظهور أول اسلوب موسيقي جمايكي صرف Ska، والذي سيمهد الطريق بعدها لبروز موسيقى ثورية جديدة ستؤدي إلى خلخلة المشهد الموسيقي الحديث (الريغي). وتقول الروايات الأكثر انتشارا أن هذا الأخير نتاج لمزيج موسيقى السكا والروك ستيدي وأنواع موسيقية تراثية كاريبية، مثل المينتو والكاليبسو؛ والأقرب إليه بالطبع موسيقى"السكا" التي ترمز لاستقلال جمايكا، ومنها خرج "الروك ستايدي" بإيقاعه البطيئ حيث صارت آلة الباص محددة، بينما سيتميز الريغي بإيقاعه المتشنج الأكثر بطئا مع كثير من المرونة والقوة بفضل استخدام الباتري المدغم ومنح الباص مكانة مميزة للحصول على اندفاع ايقاعي صعب التحديد. وهناك من يرى أن الريغي هو ثمرة امتزاج بين هذين النوعين وبين تقاليد موسيقية حملها العبيد من إفريقيا منذ مجيئهم إلى جمايكا، بالإضافة طبعا إلى تأثير ملموس لأنواع موسيقية أمريكية، كالريتم آند بلوز والجاز وموسيقى السول والروك آند رول وغيرها. وسيصف مارلي التحول الجديد بقوله أن موسيقى السكا سريعة، والروك ستيدي ناعم، بينما الريغي صلب. وبشكل مبسط نقول أن الريغي يتميز شكليا بالمزج بين أساليب متنوعة من الموسيقى الأمريكية الشمالية، وبين الإيقاعات الكاريبية الإفريقية والأناشيد الدينية الراستفارية ومختلف التقاليد الموسيقية المرتبطة بالديانات المحلية ("ميال" و"كومينا")، فيما ينفرد على مستوى المضمون بالرسائل السياسية والدينية التي تجعل منه ظاهرة فنية فريدة، إذ ظهر من البداية في أوساط غيتوهات السود وتأثر بالرستفارية التي انتشرت بصورة قوية بالولايات. م. أ. وهو فضلا عن تميزه بالإيقاع الثقيل أو البطيئ، الذي لا نظير له في الموسيقى الغربية أو الآسيوية التقليدية أو حتى الإفريقية، وتنوع الوزن واستعمال كثيف لآلات الباص والطبل والغيتار الكهربائي وآلاف النفخ، فإن أهم ما ميزه هو منح الباتري والباص مساحة مهمة، وبشكل خاص بالنسبة للأزمنة الضعيفة أو ما يعرف بالزمن الثالث.
وقبل كل شيئ يظل الريغي أكثر الفنون الموسيقية تلونا بالتربة والثقافة المحلية، علاوة على كونه أكثر انغراسا في بيئته المحلية والتصاقا بالحياة الاجتماعية والسياسية، وانفتاحا في الوقت نفسه على قضايا عالمية، مثل الفقر والعنف والاستغلال الرأسمالي والاستعمار والعبودية وغيرها.

مارلي: ظاهرة فريدة

يعد مارلي حالة منفردة في عالم الريغي، وقد بدأ رحلته في عالم الموسيقى والغناء الملتزم في سن مبكرة بعد تركه للمدرسة في سن السادسة عشرة، كما تورد ذلك كتب سيرته الذاتية، قبل أن يتحول سريعا إلى أهم مبدعي موسيقى الريغي الجديدة، بكل ما جاءت به من إيقاعات بطيئة وأجواء روحانية غير مألوفة بفضل ارتباط مروجها بحركة دينية- سياسية عرفت ب"الراستافاريا"، تنشد السلام والحب وتدعو الزنوج ذوي الأصول الإفريقية في كل أنحاء العالم إلى العودة إلى موطنهم الأصلي، إفريقيا مهد البشرية. وقد برز بشكل سريع كموسيقي شعبي موهوب ومتمرد، وحامل رسالة كونية تخاطب جميع المضطهدين والمقهورين في العالم، وبالتحديد مهمشي "بابل المعاصرة"، كما كان يحب نشطاء حركة "الرستا" أن يصفوا ضحايا الهيمنة الغربية الاستعمارية والعنصرية.
اكتشف مارلي "الراستفارية" خلال فترة إقامة قصيرة مع والدته بديلاوار في الولايات م.أ. سنة 1966 ما سيؤدي إلى زعزعة حياته الداخلية، ومن ثم ستجد أفكار ومعتقدات الحركة صداها بشكل مباشر في أغانيه وأعماله، مثلما ستتجسد في طقوس ومظاهر تميز بها في كل أنحاء العالم، مثل إطلاق الشعر في شكل جدائل طويلة ذات الرمزية الدينية (في بعض التفسيرات الإنجيلية) والسياسية(شعر الانسان الإفريقي المجعد مقابل شعر الرجل الأبيض الناعم/ أو شعر الثوار المختبئين في الغابات والجبال من كينيا في بعض التفسيرات)، وتدخين الماريوانا الذي يعقتد أتباع الراستا بأنها تقربهم من الإله (جاه). وكان استيائه العميق من التمييز العنصري ضد السود، الذي شاهده وهو في أمريكا، أحد أهم الحوافز لاعتناق "الديانة" الجديدة التي ستعرف انتشارا سريعا بين السود، وقد وجعل راستا فاري ماكونين، امبراطور اثيوبيا هيلي سيلاسي الأول، "إلهه". ويقال أن الراستفارية، وهي عبارة عن خليط من التعاليم المستوحاة من المسيحية وطقوس ومعتقدات إفريقية قديمة، ظهرت على يد شخص إفريقي من أنغولا يدعى روبرت إثيلي روجيرز الذي وضع إنجيلا للسود بلغة أثيوبية قديمة عام 1916، غير أن الأقرب إلى الصحة أن مؤسسها هو الجمايكي موريس غيرفي، وظهرت في الثلاثينيات من القرن الماضي ببلدة كينجستون بجاميكا، وهي عقيدة وضعية ( أو بالأحرى خلطة فلسفية سياسية روحية) ألهمتها أفكار ودعوات الشباب السود الذين اعتبروا إفريقيا مهد البشرية وعملوا من أجل ما اعتبروه وعد العودة الكبرى إلى وطن الجذور. زكأي "عقيدة" أخرى تميزت الرستفاريا بطقوسها الخاصة، مثل إطلاق الشعر وتدخين الماريوانا والاستماع لموسيقى الريغي، ومن ثم اعتبار مارلي بالنسبة لمعتنقيها بمثابة النبي الثاني بعد مؤسسها الأول. وكشفت أبحاث أن أول "راستا" هو شخص فقير يدعى ليونار بيرسيفال هويل Leonard Percival Howell، أمضى سنين من حياته في السجن والملاحقة ومستشفى الأمراض النفسية بسبب أفكاره التمردية والثورية، وتأثر بخطابات مواطنه غيرفي، لكنه سرعان ما سيبتعد عن طريقه بسبب عدم إدانة هذا الأخير للنظام الرأسمالي في جوهره الاستغلالي، وأسس أول جماعة راستافارية ببيناكل سنة 1940 تعيش في تناغم مع الطبيعة ومن تجارة الماريوانا قبل أن يتم تفكيكها بداية الخمسينيات. ورغم غرابة معتقدات "الراستفاريا"، فإن مارلي سيدفع حياته بمعنى ما ثمنا لثباته على هذه الديانة، ومنها رفضه بتر الأصبع الذي أصيب لأول مرة بجرح أثناء مباراة لكرة القدم التي كان يعشقها كثيرا عام 1977، ونتج عنه ظهور سرطان للجلد نما تحت الظفر ثم انتشر في جسده. وشخصية "الراستامان"، التي مثلها مارلي، ستطبع بقوة تمثل الريغي لدى أجيال الشباب كفن والتزام، وقد جعلت من المغني شخصا أقرب إلى الرمز الديني أو السياسي، مثلما أن تدخين نبتة "الغانجا"، كما تعرف جمايكيا، جعل المراهقين والشباب يتعلقون به كرمز للتمرد، بينما أتباع "الراستا" كانوا يعتقدون بأن ذلك يقربهم من الله.

(يتبع)

1- حررت مادة هذا النص نهاية شهر أكتوبر 2018








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إعلام إيراني يناقض الرواية العراقية حيال -قاعدة كالسو- وهجما


.. شبّه جمهورها ومحبيها بمتعاطي مخدر الحشيش..علي العميم يحلل أس




.. نبؤته تحققت!! .. ملك التوقعات يثير الجدل ومفاجأة جديدة عن فن


.. كل الزوايا - الكاتب الصحفي د. محمد الباز يتحدث عن كواليس اجت




.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله