الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضايا السلام والديمقراطية وبناء السودان الجديد والتعليق علي مقال عمار نجم الدين

سعد محمد عبدالله
- شاعر وكاتب سياسي

2019 / 11 / 19
ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية


عجبا، بينما وقف العالم ليحي العيد الدولي للتسامح وزرع زهور السلام وترسيخ الأخلاق الإنسانية لإنشاء علاقة ودية بين الأفراد والشعوب، وكنا نتابع صدور بيانات الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية وكتابات قادة المجتمعات "الساسة والمثقفيين" وكان الجميع ينادي بضرورة ترسيخ قيم التسامح كجزء من المنظومة الأخلاقية التي تستحق الدعم والإحتفاء بغية بناء مجتمع إنساني تعاوني يستطيع التعايش مع بعضه بسلام، ومع إقتراب يوم عودة السودانيين لطاولة المفاوضات في العاصمة الجنوب سودانية - جوبا أملا في التوصل لإتفاقية السلام الشامل من أجل إنهاء معاناة ملايين النازحيين واللاجئيين المنكوبين والذين قتلوا ظلما في عهد النظام الإنقاذي الإسلاموعسكري، جاء مقال عمار نجم الدين سابحا عكس التيار تماما، وقد نشره في مواقع التواصل الإجتماعي بتاريخ 16 نوفمبر 2019م تحت عنوان "حضرنا ولم نجدكم" مستلفا هذه العبارة من القائد الشيوعي الراحل محمد إبراهيم نقد والتي أطلقها كتعبيير إستنكاري لحضوره ساحة الثورة وتأخر الآخريين وأراد عمار أن يمرر من خلفها أسوء عبارات التنصيف العنصري ضد خصومه السياسيين الذين لم يتمكن من إتمام إستهدافهم عبر وكلاء جيش أقلامهم لتشويه تاريخ الحركة الشعبية وقادتها وعضويتها ودعم الإنقلاب السياسي والعسكري الذي خاضه عبدالعزيز الحلو دون مبرر منطقي.

وأنا أطالع مقال عمار نجم الدين شعرت أن الكاتب يتحدث عن رحلة بهلوانية إلي كاودا التي تقع تحت سيطرة الحلو الذي أطاح بكل من خالفه الرأي وفرض سطوة سلطته العسكرية، والعجيب في المقال أن عمار قد خلط بين رفض العنصرة الإنقاذوية التي نجم عنها إنتهاك واسع لحقوق الإنسان ونجمع علي رفضها لكنه عاد ومارسها علي الآخرين في سطر آخر تناول فيه الرفاق وعلي رأسهم ياسر عرمان نائب رئيس الحركة الشعبية حاشرا إياه في تصور إثني لتبرير خطاب سياسي تجاري حاصرا كل مشكلات الثقافة والهوية وقضايا الحقوق والحريات في مفهوم "منهج التحليل الثقافي" لمحمد جلال هاشم و"جدلية المركز والهامش" لأبكر آدم إسماعيل وهما من منظري حركة الإنقلاب الإنفصالية التي ينتمي لها عمار نجم الدين، فاذا أنكر المرء ظلما ما وقع عليه او علي من هو في خطه السياسي والفكري فمن باب الأخلاق أن لا يمارس ذات الظلم علي من هم في الخط الآخر الذي يختلف معه في التوجهات كي يكون صادقا أمام نفسه والرأي العام، وما جاء في مقال عمار عمار كان إستنكارا لداء العنصرة والتهميش السياسي والإقتصادي والثقافي لكن من حيث لا يدري إستباح كافة حقوق الرفاق الذين يناهضون ظلم وإستبداد دولة المؤتمر الوطني، فالتخبط الذي شاب مقال عمار نجم الدين جاء كنتاج وتلخيص للكتب التي طالعها ومن خارج صياغ الصراع الحقوقي والوجودي الذي يجري علي أرض الواقع، فلم يكن إسم ياسر عرمان إلا "نفاج" للولوج إلي موقع الصراع الآفروعربي الذي أراد عمار الحديث عنه بلغة العنصرة متناسيا أن السودان الجديد مشروع لكل السودانيين كما عبر عنه الرفيق جون قرنق، وهو مشروع لا يفرق بين العرب والافارقة في مناداته بالسلام والحرية والكفاح من أجل بناء دولة المواطنة المتساوية والديمقراطية والعلمانية والوحدة علي أسس جديدة تعطي المناطق المهمشة حقها السياسي والتنموي بالحكم الذاتي والإنخراط في بناء سوادن جديد ديمقراطي وعلماني موحد يتحد مستقبلا مع دولة جنوب السودان، ولم يتذكر عمار نجم الدين أن السودان الجديد هو الذي أحكم رباط التواصل الروحي والفكري بين السودانيين شمالا وجنوبا وغربا وشرقا متجاوزا مفاهيم التخندق الإثني والثقافي وقد تجلى ذلك في ثورة ديسمبر التي ردت الإعتبار لمشروع السودان الجديد ولا بد من إستكمالها بتحقيق السلام.

الثورة السودانية لم تكن نتيجة صراع ثقافي وإثني بين السودانيين وإن كان ذلك الأمر رائج في خطابات البعض، لكن الثوة كانت نتاج صراع الحقوق والحريات والعدالة والسلام بين السودانيين من جهة والحكومة الإنقاذية الإسلاموعسكرية من جهة آخرى، فلا يمكن أن تنسب السلطة الإنقاذية الفاسدة لقبيلة معينة بل هي مجموعة مركبة من عناصر اللصوص والمستبدين مارسوا الإستعمار والمتاجرة باسم الدين في فضاء السياسة فشوهوا الدين والسياسة في الحقبة الفائتة، كما لا يمكن تحميل شخص معين أخطاء أناس هو نفسه في مقدمة المناهضين لممارساتهم، وإنتماء عرمان او غيره لمنطقة جغرافية معينة او قبيلة ليس معيارا لتقيم توجهاته السياسية والفكرية بيد أن المعيار الإثني الذي إتخذه عمار لضبط مقاله ليس محل إجماع سياسي وجماهيري ويعبر عن نزواته فقط، وقد سقط في جمهورية النفق التي كان بناتها من أبناء وبنات بلادنا دون لون او جنس محدد، وهذا دليل علي أن الهجوم الذي نشاهده لا تديره عقلية سياسي مدرك لأبعاد ما يكتبه ولا يتجاوز كونه شغب فكري.

لقد كانت مخرجات المؤتمر القيادي للحركة الشعبية من تجليات الثورة ومعبرة عن عمق تاريخ الكفاح الثوري للحركة الشعبية، حيث ناقش المؤتمر قضايا السلام والديمقراطية والحكم الذاتي وقضايا نساء وشباب وطلاب الحركة الشعبية كجزء لا ينفصل عن قضايا أقرانهم السودانيين ومسألة تجديد الرؤية والتنظيم وغيرها من القضايا ذات الحضور العصري المرتبط بحاضر الحياة والكون والمستقبل وما هو حصري داخل الحركة الشعبية، ولكن عمار أبى إلا أن يغرد بقلمه خارج الصياغ الموضوعي للراهن السوداني ومتغيرات العالم لتسويق خطاب سياسي متناقض مع الوقائع التي تم رفع الستار عنها، فمقال عمار إذا حللته وفقا للمنطق لا تجد له مثيل إلا في كتاب "انتيخريستوس" لأحمد خالد مصطفى الذي يتحدث عن عوالم وأساطير خيالية بامتياز، ومع الخلطة السياسية التي نراها في خط وخطاب عمار تجاه الحركة الشعبية ومفهوم الدولة الحديثة والسودان الجديد بتنا أكثر ثقة بأن الفراغ الفكري قد ضرب عمق الحركة الإنقلابية الإنفصالية.

الخطوط الرئيسية للصراع الآن في السودان تكمن في كيفية ربط عملية الديمقراطية بالسلام الشامل وقضايا الحقوق والحريات العامة والخاصة ومعالجة كافة إشكاليات الحكم وتحرير مؤسسات الدولة من رواسب سياسات التمكين وإزالة الدولة العميقة والتصدي للثورة المضادة وتوفير إمكانيات نهضة الريف المهمش والمدينة المريفة وإنعاش الإقتصاد الوطني وإيجاد وسائل جديدة لترسيخ ثقافة العيش المشترك خاصة في الأقاليم التي تشهد نزاعات قبلية او صراعات الزراع والرعاة وقضايا الأرض وترسيم الحدود ورفع الوعي بأهمية السلام والأمن كمدخل أساسي لنهوض البلاد وتقدمها، والمهاترات الإنصرافية التي يتبناها بعض الإنكفائيين بمحاولة إثارة الصراع الإثني بين المكونات الافريقية والعربية او الديني بين المسلمين والمسيحيين لن تفيد السودان بشيئ وستكون مصدر إرتداد السودان إلي الوراء بعد ثورة شعارها الحرية والسلام والعدالة والحكم المدني الديمقراطي، ففي ظل هذه المعطيات لا يمكن الإنزواء والإختباء للمثقف الثوري خلف المفاهيم الرجعية التي لا تصلح لتشكيل السودان الجديد الذي يستوعب ويدير التنوع التاريخي والمعاصر وتعدد الثقافات والألوان وتباين الأفكار والأراء، لذلك لا بد من مراجعات حقيقية تشمل كافة المفاهيم والمجالات، وقد قامت الحركة الشعبية بتقديم تجربتها للمراجعة تحت عنوان تجديد الرؤية والتنظيم وتجسير الماضي والحاضر في أهم ورقتيين للرفاق مالك عقار رئيس الحركة الشعبية ونائبه ياسر عرمان إضافة لمقالات عدد من الرفاق والخبراء من أصدقاء الحركة الشعبية وصولا لمخرجات وتوصيات المؤتمر القيادي كتلخيص للمراجعات العميقة التي إبتدرت منذ الإنقلاب السلطوي الذي أعاق تقدم الحركة الشعبية وأحدث شرخ إجتماعي وتشرزم في النسيج السياسي السوداني، وعلي من ذهبوا في الضفة المنقلبة إجراء ذات المراجعات بدلا عن التخبط السياسي والتربص بالحركة الشعبية التي فارقوا خطها السياسي والفكري، فالتجديد هو الذي يضمن بقاء المشروع ومواكبته للمتغيرات وليس الإنكفاء والتزمت الفكري الذي لم ينفع السلفيين الذين إعتمدوا علي منهج فرض الرأي وتخوين الآخر وتشويه صورة الخصم ولن ينفع الإنقلابيين الذين إختاروا السير علي طريق مجموعة الناصر في الحرب الأولى التي خاضها دكتور جون قرنق ورفاقه بايمانهم بالسودان الجديد رغم شدة الهجمات الخارجية والصدمات الداخلية إلا انهم مشوا بتوازن حتى النهاية، واليوم نحن نحتاج لتقييم تلك التجربة بكل ما فيها من صعود وهبوط وتأرجح وثبات للسير نحو بناء الحركة الشعبية كتنظيم سياسي فاعل في الساحة الوطنية، وبذلك نستطيع الوصول للسودان الجديد الديمقراطي والعلماني الموحد.

19 نوفمبر - 2019م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهلا بكم في أسعد -أتعس دولة في العالم-!| الأخبار


.. الهند في عهد مودي.. قوة يستهان بها؟ | بتوقيت برلين




.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تزداد في الجامعات الأمريكية..


.. فرنسا.. إعاقات لا تراها العين • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أميركا تستفز روسيا بإرسال صورايخ سراً إلى أوكراينا.. فكيف ير