الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ضرورة تأسيس الجبهة الشعبية اللبنانية للانقاذ الوطني

جورج حداد

2019 / 11 / 25
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


إعداد: جورج حداد*



من المتعارف عليه ان جميع الاحداث الكبرى في الشرق الاوسط (وآخرها "الربيع العربي" المشؤوم الذي لم ينته فصولا بعد) هي مرتبطة مباشرة او غير مباشرة بوجود النفط والغاز.
وفي الربع الاخير من القرن الماضي نزل المرحوم رفيق الحريري بالباراشوت في لبنان. فهل كان يعلم حينذاك بوجود النفط والغاز في شرقي المتوسط، وان "لبنانه الصغير!!!" سيصبح بلدا منتجا للطاقة؟
هذا السؤال سيجيب عنه التاريخ.
ولكنه من المؤكد ان رجل الاعمال الناجح جدا في السعودية لم يأت الى لبنان بسبب "نوستالجيا" شاعرية لبنانية، بل جاء لـ"يضع يده" على لبنان ـ كـ"مشروع عمل" ـ ومن ورائه طبعا السعودية ومن وراء او فوق السعودية.
ولكي تصبح له "الكلمة الاولى المسموعة!" في تقرير مصير لبنان، عمل المرحوم رفيق الحريري ومن وراءه على اكتساب سمعة "الرجل اللبناني الطيب" و"الدجاجة السحرية التي تبيض ذهبا"، عن طريق انفاق مبالغ طائلة تقدر بمليارات الدولارات للقيام بالاعمال الخيرية والاجتماعية والصحية المجانية وشبه المجانية وتقديم منح دراسية جامعية لاكثر من 36000 طالب وطالبة لبنانيين.
واضطلع المرحوم رفيق الحريري بدور "الوسيط اللبناني الطيب" في مؤتمر الطائف سنة 1989، الذي انهى الحرب اللبنانية، وتمخض عن اتفاق الطائف الذي استند اليه تعديل الدستور اللبناني، الذي قلص صلاحيات رئيس الجمهورية ووسع صلاحيات رئيس الوزراء، اي عمليا جرى تفصيل الدستور المعدل على قياس الرئيس العتيد رفيق الحريري نفسه.
بعد هذه "الفرشة المريحة" ما هو البرنامج او خطة العمل التي اراد المرحوم الحريري تطبيقها لاجل "وضع اليد" على لبنان؟
حتى ذلك التاريخ كان الاقتصاد اللبناني يتصف بأنه اقتصاد عشوائي، الا انه شبه انتاجي. اذ كانت الصناعة تمثل نسبة 10% من الدخل الوطني، والزراعة 30%، والخدمات 60% (وهذه ارقام تقريبية غير دقيقة). وكان العاملون في الصناعة والزراعة والحرفيون الصغار العاملون في قطاع الخدمات يمثلون اكثر من 80% من عدد السكان. وهذا يعني ان اكثرية السكان كان لديهم عمل ومدخول مهما كان متواضعا. وهذا ما كان يجعل قيادة "الشعب العنيد" صعبة المراس. فحتى بشير الجميل الذي جاء الى الرئاسة بدبابة اسرائيلية لم يجرؤ على توقيع صلح فوري مع اسرائيل، وحتى في عهد امين الجميل فإن "اتفاق 17 ايار" للسلام مع اسرائيل سقط في المجلس النيابي بصوت نائبين فقط هما: زاهر الخطيب ونجاح واكيم، اللذين عبرا عن ارادة غالبية اللبنانيين. ومن ثم ظهرت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بقيادة الشيوعيين، والمقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله.
وقد جاء المرحوم رفيق الحريري الى لبنان لتحقيق برنامج ذي شقين:
الشق الاول ـ الحد الادنى: القضاء على الطابع الانتاجي للاقتصاد اللبناني (مهما كان عشوائيا) والتحول الى الاقتصاد الريعي القائم على الدورة المالية ـ المالية فيما بين البنوك انفسها، وبينها وبين البورصات والبنوك العالمية. بما يقتضيه ذلك من التخلص من "هموم" الاقتصاد الانتاجي، والتخلص من فائض السكان بالافقار والتهجير والقتل البطيء بالامراض ونقص وفقدان الدواء وبمنع الزيجات والانجاب، عن طريق الزيادة الكبرى في تكلفة المعيشة وفي ريوع المساكن.
والشق الثاني ـ الحد الاعلى: تفريغ لبنان من غالبية اللبنانيين والاحتفاظ بأقلية صغيرة فقط للخدمات وللضرورات الفولكلورية، وتحويل الارض اللبنانية الى مركز مالي ـ تجاري ـ سياحي ـ ترفيهي عالمي، خاص بالمليارديرية اليهود والخليجيين والاميركان والاوروبيين، وزعماء المافيات العالمية، ومركز لغسيل الاموال القذرة العالمية عبر شركات "الاوف شور"، ولتزوير العملات، وتهريب وتجارة المخدرات، والمتاجرة بالنساء، والمتاجرة بالاعضاء البشرية.
وحينما استلم المرحوم رفيق الحريري رئاسة الحكومة سنة 1992 بدأ بتطبيق خطة الحد الادنى لتحويل الاقتصاد اللبناني الى اقتصاد ريعي. فبدأ بالتدريج خنق الصناعة والزراعة والسياحة وحركة البناء والاسكان من جهة، و"نفخ" القطاع المصرفي من جهة ثانية. وأدى ذلك بطبيعة الحال الى بداية وقوع العجز الكبير في ميزانية الدولة. وشرع المرحوم الحريري بتطبيق الخطوة التالية من خطته، وهي اغراق الدولة في الديون الداخلية والخارجية. ولم تمض بضع سنوات على حكم الحريري حتى اصبح الدين العام على الدولة اكثر من 50 مليار دولار، واصبحت خدمة الدين العام ـ اي الفوائد بالليرة وبالدولار، للبنوك العاملة في لبنان وللخارج ـ عبئا ثقيلا على كاهل الدولة والشعب اللبناني المظلوم. وصارت "الهندسة المالية" القائمة على الإقراض والاقتراض، داخليا وخارجيا، هي الشغل الشاغل للبنك المركزي اللبناني، وسياسة رسمية للدولة اللبنانية. وبعد اغتيال المرحوم رفيق الحريري في 2005، تابع ورثته السياسيون والماليون السير بهذه الخطة التدميرية. واخيرا بلغ الدين العام اكثر من 100 مليار دولار اميركي. اي انه اذا كان عدد سكان لبنان 4 ملايين نسمة، صار يتوجب على كل مواطن لبناني (حتى الطفل ابن يومه) "دين عام" بفوائد عالية 25.000 دولار اميركي. اي اذا كانت العائلة مؤلفة من 4 اشخاص فعليها دين عام 100.000 دولار اميركي. وللوصول الى هذه "النتيجة المرموقة" لخطة رفيق الحريري ومن كان وراءه ووراء ورثته السياسيين في لبنان، تم استنزاف كامل للاقتصاد اللبناني والشعب اللبناني، ولم يعد بامكان الدولة اللبنانية ان تؤمن حتى خدمة الدين العام الا بأحد أمرين:
أ ـ اما الاذعان المطلق لشروط الدائنين الخارجيين، واولها ضرب المقاومة، والتنازل عن حقوق لبنان في الغاز والنفط، وغيرها من الشروط التعجيزية.
ب ـ واما مد اليد الى الصناديق الاجتماعية والدفاعية (صندوق الضمان الاجتماعي، والصحة، والتعليم، وخدمات البنية التحتية، وميزانية الجيش الوطني) والامعان في فرض الضرائب على المستهلك الشعبي.
ولا بد من التأكيد ان الكتلة الطبقية الرأسمالية التي تدعم خطة السير بهذه السياسة المدمرة للبنان كدولة وكشعب، هي الكتلة المالية المصرفية وعلى رأسها البنك المركزي الذي تحول من مؤسسة وظيفية في خدمة الدولة اللبنانية الى اداة تدمير وتخريب للبنان باسره من اجل عصابة من اصحاب البنوك واتباعهم من السياسيين الفاسدين والمباعين.
وبالنتيجة وصل لبنان الى هذه النقطة الحرجة:
ـ الدولة تعجز عن فرض ارادة وشروظ الدائنين على الشعب اللبناني، وتعجز في الوقت نفسه عن عدم الاذعان لارادة وشروط الدائنين لانها دولة ـ من أس اساسها ـ لا تمثل لبنان والشعب اللبناني.
وقد جاء الحراك الشعبي الاخير ليجسد هذا المأزق للدولة اللبنانية.
ومن الضروري التأكيد ان الكتلة المصرفية اللبنانية تشجع هذا الحراك، اذا لم تكن هي و"الحريريون" محركه الاول. ذلك ان الكتلة المصرفية كل ما يهمها هو الحصول على فوائدها العالية من الدين العام. والا فهذه الكتلة مستعدة ان تسلم لبنان الى الدول الغربية والى اسرائيل ذاتها مقابل الحصول على ارباحها.
وليس بدون مغزى الاصرار حتى الان على تمرير لعبة تجهيل قادة الحراك ومحركيه، حتى لا ينفضح دور السفارة الاميركية وكتلة المصارف والحريريين في تحريك الحراك واستغلاله من وراء الستار.
ان الازمة الحالية في لبنان ليست ازمة تشكيل وزارة وتعيين رئيس وزراء او ما اشبه. انها ازمة وجودية: يكون لبنان او لا يكون.
والمقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله، التي كان لها اليد الاولى والاقوى في تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي، وفي رد ودحر الخطر الداعشي والتكفيري، كانت قد اختارت المشاركة في مؤسسات الدولة اللبنانية على امل اصلاحها "من الداخل". ومن ضمن هذا المفهوم "الاصلاحي ـ الداخلي" فإن المقاومة تتحمل الان المسؤولية الاولى في انقاذ لبنان من الخطر الوجودي الذي يتهدده.
وهذا يقتضي ان تبادر المقاومة الى دعوة جميع القوى الوطنية والتقدمية الشريفة، المؤيدة للمقاومة، لتأسيس جبهة شعبية لبنانية واسعة للانقاذ الوطني. ويمكن ان تضم هذه الجبهة العتيدة: حزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر والمردة وكتلة طلال ارسلان وكتلة وئام وهاب والحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث العربي الاشتراكي وحركة الشعب بقيادة نجاح واكيم ورابطة الشغيلة بقيادة زاهر الخطيب والتروتسكيين وحركة الشبيبة للتغيير وانصار الشهيد مرشد شبو والشهيد علي شعيب وجورج ابرهيم عبدالله، وغالبية المجموعات اليسارية والليبيرالية الصغيرة المشاركة في الحراك الحالي، بالاضافة الى ممثلين عن النقابات والاتحادات العمالية والمزارعينية والمهنية والعديد من الشخصيات الاجتماعية والثقافية المستقلين.
فلتدع هذه الاحزاب والمنظمات والشخصيات، المشاركة وغير المشاركة في الحراك الحالي لعقد مؤتمر وطني عام تنبثق عنه "جبهة انقاذ وطني" لبنانية واسعة، تتولى طرح "برنامج انقاذ وطني" يشمل كل السياسات الداخلية والخارجية والدفاعية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية والبيئوية.
ولتطرح هذه الجبهة برنامجها الوطني على الرأي العام اللبناني وعلى الدولة اللبنانية، ولتتابع تنفيذه، وتدعو لاجل تنفيذه الى مظاهرات ومهرجانات وطنية عامة والى تحركات شعبية مناسبة تبعا لكل حالة.
ولتنتخب هذه الجبهة مجلسا وطنيا مركزيا يتابع تنفيذ برنامجها للانقاذ الوطني، وكذلك لجانا اختصاصية لمتابعة التنفيذ في ما خص كل قطاع وكل مسألة.
ان المخابرات الاميركية واسرائيل والكتلة المصرفية وكتلة الحريري وكتلة جعجع يريدون ان يبقى الحراك يدور ضمن دائرة المجهول، من اجل دفع لبنان الى الفوضى وتخريبه، تمهيدا للسيطرة عليه.
فلتخرج المقاومة وانصارها ومؤيدوها من المجهول الى المعلوم، وليؤسسوا "الجبهة الشعبية اللبنانية"، التي تطرح للتنفيذ "برنامج الانقاذ الوطني" اليوم قبل الغد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح


.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز