الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتفاضات الشعبية دائماً: مطلبية في بدايتها ، سياسية في وسطها ، جذرية في نهاياتها ، بفعل غباء واستبداد الحاكمين!!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2019 / 11 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


كنا قد كتبنا مقالاً عن الانتفاضات العربية عموماً ، وعن انتفاضات الجزائر والسودان والعراق في حينها خصوصاً ، وبعد مقالنا ذك بأيام قليلة التحق لبنان بتلك الانتفاضات العربية الواسعة ، بانتفاضة كبيرة وشاملة ومستمرة إلى اليوم وقد تجاوز عمرها الآن (الأربعين يوماً) ، وإذا اضفنا انتفاضة لبنان هذه مع انتفاضات العراق والجزائر والسودان ، فهذا يعني أن أكثر من ثلث المواطنين العرب ـ أربعمائة مليون مواطن ـ هم اليوم في حالة ثورة وانتفاضة عربية شاملة ، أي أنها انتفاضات عربية ، وليست انتفاضات قطرية محصورة في قطر عربي واحد من الأقطار العربية!
ومعلوم أن اثنتين من هذه الاقطار العربية المنتفضة يقعان في قارة آسيا وهما العراق ولبنان ، والقطران الآخران يقعان في قارة أفريقيا وهما الجزائر والسودان ، أي أن هذه المظاهرات قد امتدت من أقصى شرق الوطن العربي مروراً بوسطه وصولاً إلى أقصى مغربه!

وإذا أردنا أن نضع ميزاناً نزن به هذه الانتفاضات العربية الأربعة ، ونمايز به بين انتفاضة وأخرى منها.. نجد أن:

• أولاً: انتفاضة الجزائر: وهي أول هذه الانتفاضات العربية الأربعة وأطولها عمراً وأكثرها سلمية وأبدعها تنظيماً وأقلها ضحايا . إذ أن عمرها قد تجاوز اليوم التسعة أشهر دون أن يسقط لها شهيد واحد ، ودون أن تعطل عملاً أو تؤثر على حياة الناس سلباً ، فهي تخرج كل يوم جمعة بزخم وحشود جماهيرية كبيرة ، وخارج أوقات الدوام الرسمي وبأسلوب حضاري رفيع قل نظيره!
وقد مثلت انتفاضة الجزائر بكل هذا حالة نموذجية ومثالية في تاريخ الانتفاضات الجماهيرية قل نظريا ، ليس على المستوى العربي فقط إنما على مستوى العالم كله . وقد تمكنت انتفاضة الجزائريين لحد الآن من اسقاط بو تفليقة ونظامه وكل رمز الفساد المرتبطة به ، ومع هذا فإن المنتفضين الجزائريين لم يرضوا بكل هذا ، ولم يرضوا بالانتخابات المزمع إجرائها 12 ديسمبر/كانون أول من هذا العام ، واستمروا بتظاهراتهم الأسبوعية!

• ثانياً: انتفاضة السودان: تأتي انتفاضة السودان بعد انتفاضة الجزائر من حيث العمر والتاريخ ، فقد دامت بصورة متواصلة لمدة تقارب الخمسة أشهر ، ابتدأت في أواخر عام 2018 وانتهت في النصف الأول من عام 2019 ، وما عدا هذا التشابه في التاريخ والعنوان مع انتفاضة الجزائر ، لكنها لا تشبهها في أي شيء آخر :
فقد سقط خلالها عشرات الضحايا ومئات المصابين من السودانيين ، مما اجبر الجيش على التحرك وعزل البشير خوفاً من تفاقم الوضع أكثر ، وخروجه من قبضة العسكريين المهيمنين على السلطة في السودان منذ استقلاله إلى اليوم تقريباً!
وقد قادت هذا التحرك العسكري نفس النخبة العسكرية المهيمنة ، ومن ضمن الدائرة الضيقة القريبة من البشير نفسه ، وبعملية إنقاذيه للنظام العسكري بتنحية البشير عن السلطة لتهدئة الأوضاع ، وليس مناصرة للانتفاضة اشعب السوداني ومطالبه المشروعة!
وقد اصرت هذه النخبة العسكرية على البقاء في السلطة وتقاسمها مع المدنيين ، واجبرت الجميع على الخضوع لشروطها ، وبهذه النتيجة تكون هذه النخبة العسكرية قد اختزلت ثلاثة أرباع انتفاضة السودانيين وتضحياتهم لصالحها!

• انتفاضة العراق : والتي ابتدأت في 1 تشرين2/اكتوبر 2019 واستمرت إلى اليوم ، تخللتها فترة انقطاع لأيام قليلة احتراماً لأربعينية الإمام الحسين . وقد عُمِدَتْ هذه الانتفاضة الباسلة بالدم منذ أول يوم لولادتها ، بعد أن سقط لها وخلالها ما يقارب الــ 400شهيد والعشرين ألف مصاباً لحد الآن!
وبهذا تعد انتفاضة العراقيين هذه ، من أكثر الانتفاضات العربية الحالية دموية في عدد الضحايا والمصابين ، وهي أيضاً من أطول الانتفاضات العراقية عمراً وأكثرها كثافة بشرية واستمرارية ونفس طويل!
وهي اليوم على المحك وعلى مفترق طرق مؤدية إلى نتيجتين لا ثالثة لهما :
فأما أن تجبر السلطات العراقية الحالية على قبول التغير الشامل لأسس وهياكل الدولة العراقية بكاملها ، بدءاً بدستورها ومروراً بطائفيتها وحصصها ومكوناتها ومؤسساتها وشخوصها نظامها جميعهم ، وانتهاءً بشكل النظام وطبيعته ودوره وهويته الإنسانية!
وأما أن تستمر هذه الانتفاضة بفعلها اليومي المعمد بالدم الحالي ، وبتصاعد دموي يومي من قبل النظام ، وبدون أفق معروف أو نهاية واضحة ، وقد تظل تنزف أكثر وأكثر ، وعندها سيحول النظام فعلها الثوري إلى كارثة وطنية تشبه كوارث الشقيقتين ليبيا وسورية!

• انتفاضة لبنان : وقد تجاوزت الآن أربعين يوماً من عمرها المديد ، وتبدو كل الآفاق مسدودة بوجه هذه الانتفاضة الشعبية اللبنانية الباسلة .. لسببين :
• أولهما: ضعف الموارد اللبنانية قد أدى بدوره إلى ضعف الاقتصاد اللبناني بصورة عامة ، مما ضيق على السياسيين اللبنانيين الفاسدين امكانية المناورة ، وجعل من اخفائهم لسرقاتهم ونهبهم للمال العام شبه مستحيل ، لكنه ـ مع الأسف ـ قد جعل من امكانيات اصلاح هذا النظام الاقتصادي اللبناني شبه مستحيلاً أيضاً!
• وثانيهما: أن نظام الحكم في لبنان معقد التركيب ـ كالنظام العراقي ـ وتحكمه عوائل وأحزاب باسم الطوائف اللبنانية ، وليس له حكومة طبيعية كما هي حكومات جميع دول العالم ، وكذلك الأحزاب اللبنانية فإنها جميعها تمثل طوائفاً دينية ومذهبية وليس مرجعيات سياسية ، فأسماء جميع الاحزاب اللبنانية تعطي معناً سياسياً وفكرياً محدداً ، لكنها في حقيقتها بعيدة كل البعد عن معنى ذلك الاسم السياسي والفكري ، وتمثل وضعاً طائفياً مناقضاً له تماماً!
فهذا "الحزب التقدمي الاشتراكي" اللبناني مثلاً: فرغم اسمه العريض لكنه في حقيقته لا هو تقدمي ولا هو اشتركي ، إنما هو حزب طائفي و (حزب لعائلة جنبلاط) ويمثل جزءاً من الطائفة الدرزية ، وله حصة معلومة في وزارات أية حكومة تتشكل في لبنان وفي وظائفها العامة ، وعلى هذا يمكن أن تقاس باقي الاحزاب اللبنانية بمختلف أسمائها ومسمياتها السياسية ، وانتماءاتها الدينية والمذهبية الفعلية!!
ورغم كل هذا يسجل للانتفاضة اللبنانية ، أنها كانت انتفاضة سلمية ولم يسقط لها ضحايا أو مصابين إلا قتيل واحد ، قتل لأسباب تبدو أنها شخصية أو ثأرية وليس خاصة بالانتفاضة والمنتفضين!
*****
لكن هل لهذه الانتفاضات العربية الحالية أفق واضح أو نهاية معروفة أو سقف زمني أو مطلبي محدد ، يمكنها أن تتوقف عنده وتنتهي بتنفيذ تلك المطالب؟.. أم أنها ستبقى مشتعلة في هذه الأقطار العربية بدون نهاية؟.. أم أنها ستشتعل في أقطار عربية متعددة أخرى غيرها؟
لكن سير هذه الانتفاضات العربية ومعطياتها ، تؤكد حتى وإن خمدت أو أخمدت في الاقطار العربية الحالية ، فإنها بالقطع ستشتعل في أقطار عربية أخرى وتنتقل بعدها إلى أقطار غيرها وهكذا دواليك!
لأن المنطقة العربية بصورة عامة تمر بحالة مخاض عسير ، وبحالة انتقال نوعية من مرحلة تاريخية إلى مرحلة أخرى ، وهذه الانتفاضات العربية المستمرة التي لا تنقطع ، هي تعبير عن هاتين الحالتين معاً!
ويمكن القول بأننا قد أجبنا عن بعض هذه الأسئلة إجابة ضمنية في مقالنا المنوه عنها أعلاه .. فقد قلنا الآتــــي في مطلعه:
((كانت للانتفاضات أو الثورات العربية أو "الربيع العربي" كما سماه الأمريكيون موجات ارتدادية متعاقبة هنا وهناك ، ولمدة ثمان سنوات متواصلة ، وعلى شكل موجات لانتفاضات موضعية ـ أي قطرية وليست عربية شاملة ـ كالذي حدث في مصر مرة وفي الأردن مرة ، وفي أقطار عربية اخرى بدرجات مختلفة ، لكن يبقى ما حدث عام 2011 هو الموجة الأصلية للانتفاضات العربية وما تلاها مجرد (موجات ارتدادية صغيرة لها)!))
ومع هذا فإنها جميعها من الناحية التاريخية (والموضوعية) ومهما بلغ حجمها ، تدل على غليان مجتمعي داخلي متواصل لم يهدأ ولن يهدأ ، إلى أن يحقق تغيراً جذرياً وشاملاً في الذات العربية ويحطم بنيتها التقليدية (واصنامها المتوروثة) على جميع مستوياتها: المعرفية والقيمية والمفاهيمية والمجتمعية والفكرية والسياسية والاقتصادية.........الخ))
رابط المقال: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=652021

وهذا يعني أن لهذه الانتفاضات العربية أسباب موضوعية ولن تنتهي إلا بانتهائها .. بمعنى آخر :
أن هذه الانتفاضات العربية المتواصلة ، هي انتفاضات ناتجة عن تراكمات تاريخية سلبية على مستويات عديدة ولمختلف النظم والمنظومات: الفكرية والمعرفية والدينية والاجتماعية خاصة......الخ ، وهي تستمد زخمها المتواصل والمتصاعد هذا ، من أسباب موضوعية مطلبية في ظاهرها واجتماعية في جوهرها ، وثورة تغير شامل مضمر ومدمج في باطنها ، يشكل عقلاً جمعياً للمنتفضين ، دون وعي منهم بهذه الحقيقة!

ولأن هذه الانتفاضات العربية تحمل هذا الابعاد الموضوعية والتاريخية في ذاتها ، فلن ينفع أي نظام أو دكتاتور عربي مستبد قمعها أو الوقوف في وجهها ، إنما الأفضل له ولنظامه ولجوقة المنتفعين منه جميعهم وللبلد ولعموم الشعب ، هو الوقوف معها وتلبية ومطالبها الآنية الممكنة ومتطلباتها التاريخية ، ليصبح هذه الأنظمة السياسية العربية جزءاً من عملية التغير الشامل هذا ، وليس من معوقاته!
وبدون هذا ستخسر هذه الأنظمة نفسها وتسفك المزيد من دماء شعوبها ، وربما تدخلها وتدخل معها في دوامة دموية ـ كما حدث ولا زال يحدث للشقيقتين ليبيا وسورية ـ لا تعرف نهايتها ، وعندها ستتدخل في خلاياها دول عظمى وإقليمية والناتو وداعش والنصرة ، ومئات المنظمات التنظيمات الإرهابية من مختلف دول العالم وشعوبها بمختلف الذرائع!
لقد قلنا مثل هذا الكلام بالأمس :
لدكتاتور السودان (عمر البشير) في مقال لنا بعنوان: ((هل يعي البشير الدرس؟؟)) في مطلع العام الحالي ، لكنه ، وعلى عادة جميع الدكتاتوريين العرب والأجانب ، لم يعي الدرس ولم يتعلم منه ومن تجربة الدكتاتوريين الذين سبقوه ، ولم يسمع أو يستمع إلى جميع الأصوات المخلصة للسودان ولشعبه ، فاعتمد الحلول الأمنية مع المنتفضين ، وجعل السودانيين يدفعون ثمن عناده مئات من الشهداء وآلاف من المصابين ، فكان من الطبيعي أن تكون نتيجة عناده هذا ، أن يجلس هو اليوم كالجرذ المذعور في قفص الاتهام ينتظر مصيره المحتوم ، ولم ينفعه عناده ذك إلا في تقريب نهايته هذه ، وسيكون هذا مصيراً محتوماً لكل نظام أو دكتاتور عربي يقف في وجه شعبه وفي وجه هذه الانتقاضات العربية التاريخية ، أو يقف بالضد من إرادة الشعوب وحتميات التاريخ وسنن التطور البشري!!
*****
فهل يعي حكام العراق والجزائر ولبنان والسودان هذا الدرس البليغ ، أم أنهم سيرتكبون نفس أخطاء أنظمة مبارك وبن علي وعلي عبد الله صالح بالأمس والبشير اليوم ، وتكون نهاياتهم الحتمية كنهاية من سبقوهم من أولئك الحكام العرب! وهم أيضاً سيقفون في نهاية الأمر كالجرذان المذعورة أيضاً في أقفاص محاكم شعوبهم ، سواءً الدكتاتورين منهم أو الديمقراطيين ، أو بالأصح مدعي الديمقراطية في العراق ولبنان ، لأنهم مصرون على ارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبها أشقائهم الحكام العرب المستبدين في مصر وتونس السودان ، ومصرون أن "يوسعوا الضيق" من هذه الانتفاضات المتمثل بالشعارات المطلبية ، في بدايات هذه الانتفاضات ، "ويضيقوا الواسع" منها بعد أن تتحول إلى ثورات شاملة تهتف بشعار ((الشعب يريد اسقاط النظام)) وتنزف كثيراً من الأرواح والدماء الزكية!
لأن الثورات أو الانتفاضات الشعبية ، وكجزء من طبيعتها الموضوعية أن تبدأ سلمية ، لكنها لن تبقى سلمية إلى الأبد ، إذا ما طال عليها الأمد ولم تحقق لشعبها ولو البعض من مطالبها المشروعة ، عندها ستتحول إلى كوارث وطنية يخسر فيها الجميع!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران وروسيا والصين.. ما حجم التقارب؟ ولماذا يزعجون الغرب؟


.. مخلفا شهداء ومفقودين.. الاحتلال يدمر منزلا غربي النصيرات على




.. شهداء جراء قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة الجزار في مدينة غز


.. قوات الاحتلال تقتحم طولكرم ومخيم نور شمس بالضفة الغربية




.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية