الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة المدنية و مفهوم المواطنة

هشام عبد الرحمن

2019 / 11 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن مفهوم المواطنة مفهومًا ثابتًا، بل هو مفهوم متطور، تعرض للتطور مع مراحل تطور المجتمعات والدول عبر التاريخ، واقترن مفهوم المواطنة قديمًا بقبول حق المشاركة الحرة للأفراد المتساوين، وارتبط أيضًا بحق المشاركة في النشاط الاقتصادي والمشاركة في الحياة الاجتماعية، والحق أيضًا في اتخاذ القرارات الجماعية الملزمة وتولي المناصب العامة على أساس المساواة أمام القانون.
لقد مر مفهوم المواطنة بمحطات تاريخية مهمة أسهمت في تأطيره وتشكله ، وأن أقرب معنى للمصطلح في العصور القديمة ما توصلت إليه الدولة المدنية عند الإغريق حيث كانت مدينة أثينا نموذجًا تكرست فيه المواطنة، وعلى الرغم من القصور والإشكاليات في تطبيقه إلا أنه استطاع أن يغطي بعض الجوانب المهمة التي تؤدي إلى مقاربة المفهوم وتطبيقه، فقد نجحت مدينة أثينا من تحقيق المساواة على قاعدة المواطنة بين الأفراد .
يتضح أن المواطنة ولدت بأساس فلسفي قديم ارتبط بمفهوم (الدولة المدنية ) التي تكونت في اليونان قبل الميلاد، وتعني البلدة أو المقاطعة أو المدينة، ويقصد بها تجمع السكان أو الأفراد الذين يعيشون فيها وعلاقاتهم يبعضهم، وهو ما عرف بالوحدة السياسية؛ لذلك يعود ظهور مفهوم المواطنة إلى زمن الديمقراطية المباشرة، ويرجع أساس استعمالها إلى الحضارتين اليونانية والرومانية، فقد استخدم المفهوم لتحديد الوضع القانوني والسياسي للفرد اليوناني والروماني .
لقد كانت المواطنة حقًا وراثيًّا لأبناء مدينة أثينا من الرجال وكانت الديمقراطية مبنية على أساس المدينة، فكانت الروابط بين المواطنين وثيقة بسبب القرابة والصداقة والجيرة التي كانت تجمعهم والاشتراك في الحياة العامة، وكانت تجمعاتهم تتم في مكان عام يتشاورون فيه بشئون الحياة العامة بما فيها القرارات السياسية؛ فقد كانت المواطنة مسئولية تتضمن حق المشاركة في حكم المدينة اليونانية بشكل فعلي أو على الأقل حضور الاجتماع العام الذي يعقد في المدينة للتباحث في شئون الحياة العامة، ومن جانب آخر استثنى من حق المواطنة الغرباء المقيمين، والأطفال، والنساء، والعبيد المحرمين وغير المحرمين، وفي ظل الإمبراطورية الرومانية تطور المفهوم وشمل جميع أراضي الرومانية وأقطارها، وحصل سكانها الذكور باستثناء العبيد على حق المواطنة الرومانية، ومع سقوط الإمبراطورية الرومانية، وخاصة ظهور النظام الإقطاعي تراجع مفهوم المواطنة حتى نهايات العصور الوسطى، حيث كانت المواطنة محصورة لمالكي الأراضي حسب الوضع الاجتماعي والسياسي للفرد .
ومع بداية عصر التنوير والنهضة الأوروبية الذي شكل تحولًا كبيرًا في مفهوم المواطنة، بدأ الأوروبيون في استخدام مفهوم المواطن من جديد، ويعززون مركزه بإصدار عدة نصوص تعترف بحقوقه وحرياته الفردية والجماعية. ولعل ظهور نظرية العقد الاجتماعي كان له الدور الأكبر في تطوير مفهوم المواطنة على أساس فكري، حيث استطاع رموز عصر التنوير أمثال (هوبز، لوك، روسو، ومونتسكيو) من طرح جديد للمفهوم يقوم على أساس نظرية العقد الاجتماعي؛ حيث يرى روسو أن الأفراد تعاقدوا جميعًا فيما بينهم وبين الدولة، على أن يتنازل كل منهم عن حريته وسيادته للدولة التي بدورها تتولى تنظيم العلاقات في المجتمع، على ألا تتدخل الدولة في النشاط الإنساني إلا في وظائف الدفاع عن الأمن والقضاء وليس من حقها ممارسة أي نشاط آخر .
مع ظهور الدولة القومية في أوروبا التي أعطت لنفسها السيادة المطلقة داخل حدودها، ومن أجل منع استبداد الدولة وسلطاتها نشأت فكرة المواطن الذي يمتلك الحقوق غير القابلة للأخذ والاعتداء عليها من قبل الدولة، حيث قسمت هذه الحقوق إلى الحقوق المدنية والتي تتعلق بالمساواة مع الآخرين، وحقوق جماعية مرتبطة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وحقوق سياسية تتعلق بالمشاركة السياسية .
تطورت حقوق المواطن عندما أعطى جان روسو المواطنين الحق في الثورة على الحكومات عندما لا تستجيب قراراتها لحقوق المواطنين في نظرية العقد الاجتماعي التي جاءت فيها، أما إذا كان الحكام والمشرعون لا يكيفون قراراتهم مع رأي الشعب، فإن للشعب الحق في فك العقد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة