الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القراءة الماركسية لثورة أكتوبر الإشتراكية (2)

فؤاد النمري

2019 / 11 / 28
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


القراءة الماركسية لثورة أكتوبر الإشتراكية (2)

إنهيار الإتحاد السوفياتي وصف في الصحافة العالمية بالزلزال الكبير، والوصف بالزلزال يعني المفاجأة وعدم التوقع، أي أن أحداً في العالم لم يتوقع انهيار القطب الموازي للولايات المتحدة وهو الإتحاد السوفياتي .
في أكتوبر 1952 وقف ستالين أمام المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي يحذر بقوة من أخطار جديّة تتهدد الثورة الإشتراكية وأن إجراءات احترازية يلزم اتخاذها لحماية الثورة وأولها عزل قيادة الحزب في المكتب السياسي الأمر الذي لم يوافق عليه مؤتمر الحزب وهو ما ألحق بالثورة انهيارات كبيرة استدعتني في العام 1963 أن أؤكد لرفاقي في السجن على أن الاتحاد السوفياتي سينهار في العام 1990 وحين لم يقبل الحزب الشيوعي الأردني مثل هذا التحذير في العام 1965 تركت الحزب وكلفني ذلك الكثير من المعاناة .
لا يمكن تفكيك مختلف الألغاز التي إكتنفت إنهيار المعسكر الإشتراكي دون تفسير موقف ستالين في نوفمبر 41 وموقفه النقيض في أكتوبر 52 .
في 7 نوفمبر 41 خطب ستالين يستعرض العرض العسكري في الساحة الحمراء احتفاء بالذكرى الرابعة والعشرين لثورة أكتوبربينما كانت موسكو محاطة بـ 2,5 مليون جندياً نازياً مسلحين بأشد أنواع الأسلحة فتكاً وتدميراً ؛ خطب يطمئن المسكوبيين الذين بدأوا يهربون من موسكو يطالبهم بألا يخافوا فالدولة السوفياتية ما زالت قادرة على سحق قطعان النازية .
وبالمقابل خطب ستالين في المؤتمر العام للحزب الشيوعي في أكتوبر 52 يطالب المندوبين بأن يحاذروا من الأخطار الحقيقية المحيقة بالثورة رغم أن الإتحاد السوفياتي كان آنذاك أقوى دولة في العالم وقد تمكن وحيداً من أن يسحق الغول النازي الذي أرعب العالم .
كيف يمكن تفسير ذلك !!؟ لماذا يخشى ستالين القائد التاريخي للثورة الشيوعية في العالم على مصائر الثورة بعد أن حقق أعظم انتصار في التاريخ في الحرب على النازية في العام 45 ولم يخشَ على الثورة في نوفمبر 41 حين كان الأعداء النازيون يطوقون موسكو بمائة وثمانين فرقة عسكرية !!؟
لا يمكن قراءة ثورة أكتوبر الإشتراكية القراءة الماركسية الصحيحة قبل تفكيك هذا اللغز .
ذات اللغز إكتنف موقف ستالين من الصراع الطبقي حيث في العام 38 صاغ ستالين قاعدة هامة للعمل الإشتراكي إثر محاكمات صعبة للعديد من قادة الحزب تقول .. كلما تقدم عبور الإشتراكية كلما احتد الصراع الطبقي . أما في الندوة الشهيرة التي عقدتها قيادة الحزب في العام 51 للبحث في " المسائل الإقتصادية للإشتراكية في الإتحادالسوفياتي" وقد أجمل ستالين أبحاث الندوة في كتابه الأخير الذي حمل ذات العنوان حيث عارض ستالين تسعير الصراع الطبقي خلافاً لموقف عامة المنتدين برئاسة مولوتوف محذراً من أن تسعير الصراع الطبقي قد يستحضر أخطاراً جدية على الثورة، ولمفاجأة الجميع تحدث ستالين مطولاعن التآخي الطبقي في المجتمع السوفياتي مخالفاً بذلك أس العمل الشيوعي !!
أحداً في العالم لم يخطر بباله قط في العام 52 أن الإتحاد السوفياتي كان سينهار يوما بعد انتصاره التاريخي على النازية وهو أقوى دولة في الأرض باستثناء القائد الشيوعي العبقري يوسف ستالين .
ما الذي غير ستالين من النقيض إلى النقيض، منه واثقاً من رسوخ الثورة الإشتراكية والنازي يحيط بموسكو بملايين الجنود في نوفمبر 41 إلى أن يعبر عن هواجس حقيقية بخصوص مصائر الثورة في أكتوبر 52 ؛ منه يؤكد إحتدام الصراع الطبقي مع تقدم العبور الإشتراكي في العام 38 ألى تحذيره من تسعير الصراع الطبقي لما يمكن أن يستحضر من أخطار على مصائر الثورة في العام 51 !!؟

لم يغيّر ستالين من النقيض إلى النقيض ما بين عامي 41 و 51 سوى الحرب .
في نهاية الحرب العالمية الأولى (1914 – 1919) واستسلام ألمانيا قامت بريطانيا وفرنسا في فرض شروط غاية في الوحشية على ألمانيا تحول دون تطورها كدولة رأسمالية إمبريالية عظمى كما كانت قبل الحرب . في جمهورية ألمانيا فيمار (Weimar) 1919 – 1933 بقيادة موئل الخيانة الحزب الإشتراكي الديموقراطي . كان أمام هذا الحزب الخؤون حزب المرتد كاوتسكي خياران لا ثالث لهما وهما إما أن يأخذ طريق الإشتراكية السوفياتية بالتعاون مع الحزب الشيوعي وحزب السبارتاكوسيين، وإما الإستخذاء لشروط الإمبريالية الأنجلو فرنسية بموجب شروط معاهدة فرساي الجائرة . من له علم بعمق الخيانة في حزب المرتد كاوتسكي لن يدهشه فقط خيار الاستخذاء لشروط فرساي حتى يصل سعر رغيف الخبز في ألمانيا في العام 26 إلى آلاف الماركات، بل شارك "الإشتراكيون الديموقراطيون" في مذبحة الشيوعيين في جمهورية بافاريا السوفياتية في العام 1919 واغتيال القائدين البارزين روزا لكسمبورغ وكارل لبيكنخت وعادوا في العام 23 يحاربون الشيوعيين من جديد ويفشلون ثورتهم .
ما كانت لتنتهي عثرات جمهورية فيمار بغير وصول النازيين بقيادة أدولف هتلر إلى رأس السلطة في العام 33 .
كان لهتلر خيار ثالث ضد خيار الإستخذاء لشروط فرساي التي أفقرت البلاد حتى الإملاق وضد الشيوعيين وقد دبر لهم مؤامرة حرق الرايخستاغ بهدف تصفيتهم وإلغاء الحياة الديموقراطية .
كان الخيار الثالث لهتلر في سدة السلطة هو إطلاق قوى الإنتاج الكبرى في ألمانيا لإنتاج الأسلحة غير البضاعية ولا تنتج فائض القيمة معلناً عداءه للرأسمالية وهو ما هدّأ من روع الإمبرياليين في بريطانيا وفرنسا فلا تعود ألمانيا لمزاحمتهم في الأسواق .لم يخطر ببالهم أن ألمانيا المسلحة حتى الأسنان بعد أربع سنوات فقط ستكون خطراً داهما على وجودهم في مراكزهم وليس في الأسواق فقط . بمواجهة الفاشية الجديدة في ألمانيا وفي ايطاليا، تراجعت بريطانيا وفرنسا في مؤتمر ميونخ 38 وقدمتا جوائز ترضية لكل من هتلر وموسوليني (Appeasement) مستهدفتين توجيه الأطماع العسكرية لألمانيا الهتلرية نحو العدو المصيري للرأسمالية الإمبريالية وهو الإتحاد السوفيتي . بدا ذلك واضحاً عندما رفضت كل من بريطانيا وفرنسا عرضاً سوفياتياً يقضي بتشكيل تحالف بمواجهة الخطر النازي وهو ما اضطر ستالين إلى عقد ميثاق عدم اعتداء مع هتلر (مولوتوف – رابنتروب) أوغست آب 39.
هتلر احتل كل أوروبا قبل أن ينقض ميثاق عدم الإعتداء ويعلن الحرب على الإتحاد السوفياتي في الساعات الأولى من 22 يونيو حزيران 41 . القوى الهائلة التي جمعها هتلر من كامل موارد القارة الأوروبية المادية والبشرية أنزلت بالنظام السوفياتي خسائر هائلة لا توصف خاصة وأن الإتحاد


نحن ههنا أمام مفصل حدي في التاريخ تحرص مختلف أرهاط الإنتليجنسيا على الزوغان عن قراءته القراءة العلمية الصحيحة، فيتجاهلون أن النازية في ألمانيا إنما كانت من إنتاج الإمبريالية الأنجلوفرنسية والشروط الهمجية لمعاهدة فرساي . ويتجاهلون أيضا أن الإمبريالية الأنجلوفرنسية عمدت إلى توجيه العدوانية النازية إلى الإتحاد السوفياتي وكانوا قد عجزوا عن مواجهته كدولة اشتراكية تحررية . ويتجاهلون أيضا أن الإمبراطوريتين الإمبرياليتين بريطانيا وفرنسا لم تشاركا في الحرب ضد النازية ما عدا حرب فرنسا لخمسة أسابيع . ولم يكن إنزال النورماندي سوى تمثيلية سخيفة ورخيصة جرى إبان تراجع جيوش ألمانيا مهزومة نحو برلين . وهكذا تُرك حمل هزيمة النازية بعد أن استولت على كل الموارد المادية والبشرية في القارة الأوروبية، ترك على كاهل الإتحاد السوفياتي .
ما فات جميع القراءات حتى تلك التي تدعي الماركسية هو أن الإتحاد السوفياتي يوم 8 مايو أيار 45 يوم النصر ليس هو نفس الإتحاد السوفياتي في 22 يونيو حزيران 41 يوم العدوان . كانت الدولة السوفياتية في العام 41 دولة دكتاتورية البروليتاريا التي تقود الثورة الإشتراكية في العالم وهو ما لم تكنه في العام 45 يوم النصر . كان من الطبيعي أن تتقدم البروليتاريا في تحمل كل الخسائر الهائلة التي تكبدها الإتحاد السوفياتي في الحرب مما استوجب تقدم البورجوازية الوضيعة بفنونها العسكرية مختلف الصفوف لمواجهة أعداء الوطن . لم تنته الحرب إلا والبورجوازية الوضيعه السوفياتية تتقدم كل الصفوف في المجتمع السوفياتي ولا يعيق سلطانها المطلق سوى ستالين الذي لا يمكن تجاوزه وهو القائد الفذ الحصيف للبروليتاريا في العالم لا من قبل أية قوى سوفياتية ولا حتى قوى عالمية كما كانت قد أكدت ذلك الموسوعة البريطانية .

(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل أخطأ ماركس
نجاة طلحة ( 2019 / 11 / 30 - 05:16 )
الشكر للرفيق النمري، ففي تحليله للتطورات التي حدثت في المجتمع البشري وأدت إلى الفوضى الطبقية التي تُفسر لانمط الإنتاج الذي يعيشه العالم اليوم إجابة على سؤال أساسي تواجهه الماركسية الآن. فهذه القراءة هي في حقيقتها دفاعا عن الماركسية التي تتعرض اليوم لمحاكمة إستثنائية بسبب الواقع الذي يعيشه المجتمع الإنساني حالياً. هنالك خروج واضح عن المجري العام لتطور المجتمع البشري كما شرحه ماركس. ليست هنالك إجابة هذا السؤال تؤكد راهنية الماركسية وصدق قراءتها للواقع غير تحليل الرفيق النمري.
من يعتقدون أن الردة قد حدثت في نهاية التسعينات يروا أن روسيا قد إرتدت إلى الرأسمالية ولا يعوا أن ذلك يعتبر رفضاً كاملاً لقراءة ماركس الديالكتيكية المادية لتاريخ تطور المجتمع البشري. فالماركسية/الإشتراكية العلمية قد أسسها ماركس بناءً على هذه القراءة. فعلينا أن نقدم الإجابة عن سؤال خروج تطور المجتمع البشري عن مجراه الذي إكتشفه ماركس، ولم يخترعه. يتبع


2 - تتمة
نجاة طلحة ( 2019 / 11 / 30 - 05:18 )
ويجب الإنتباه لهذا الفرق فالإختراع يمكن أن يسقط بالتقادم لكن الإكتشاف هو لأمر قائم أصلاً فإذا سقط فهو يسقط كاملاً، لذلك فالماركسية إما أن نقبلها كاملة أو نرفضها كاملة، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بأساسها الذي بنيت عليه.
صعود البرجوازية الوضيعة إلى دور قيادي، لا تؤهلها له طبيعتها الهامشية، في تغيير مجرى تطور المجتمع البشري لم يحدث وفق هذا التطور الطبيعي بل أقحم قسراً وكان نتيجة لتطورات مفتعلة بتوجيه الضربة النازية المركزة على الإتحاد السوفيتي لتصعد البرجوازية الوضيعة وتحتل موقع دفة القيادة في مركز المشروع الشيوعي. هذه هي الإجابة الماركسية للسؤال المفصلي الذي يطرح الآن وهو -هل أخطأ ماركس-. والشكر للرفيق النمري الذي قدم الإجابة من خلال القراءة الماركسية العميقة. ولعمري هل يمكن أن تكون هنالك قراءة ماركسية غير عميقة؟ في تقديري من يقولون بوجود الرأسمالية الآن وقد إنتفت كل شروط وجودها ماركسياً فهذه إجابة بنعم على هذا السؤال، إذا كانوا يعتقدون بأنهم ماركسيون. يتبع.


3 - تتمة
نجاة طلحة ( 2019 / 11 / 30 - 05:20 )
تحليل الرفيق النمري عن دور البرجوازية الوضيعة يماثل النظرية التي توصل لها علماء الأحياء مؤخراً وفسرت الأمراض المعدية والتي لا تتسبب فيها المايكروبات المتعارف عليها وإنما تسببها بعض البروتينات التي تحدث لها طفرة جينية تغير وظائفها وتسمى البريونات. هذه الطفرة تكسبها وظائف لم تكن في طبيعتها أصلاً. gain-of--function- mutation. هذا هو ما حدث من إكتساب البرجوازية الوضيعة لوظيفة خارجة عن طبيعتها. فتفسير الرفيق النمري لا يخرج عن علوم الطبيعة والقراءة المادية السليمة للواقع.


4 - رفيقتي الأثيرة نجاة طلحة
فؤاد النمري ( 2019 / 11 / 30 - 06:46 )
لن تتصوري مقدار سعادتي هذا الصباح لأن أجد رفيقتي الأثيرة نجاة طلحة بصحة جيدة وتخطب أرفع الخطابات
وصلتني تعليقاتك الثلاث وأنا أكتب القسم الثالث من -القراءة الماركسية لثورة أكتوبر الإشتراكية-
واعتقد أنني لا أفاجؤك إن قلت أنك سبقتينني إلى كتابة ما أكتب في الجزء الثالث
أرجو أن تطمئنيني على صحتك
مع أعمق تحياتي البلشفية

اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟