الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية أصالة الفلسفة الإسلامية

احمد زكرد

2019 / 11 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفكر الإسلامي هو ذلك التراث الفلسفي الذي أفرزته القريحة العربية الإسلامية ، في فترة من أعظم فترات ازدهارها الحضاري و تفاعلها المفعم بالنشاط و الحيوية مع غيرها من الحضارات الأخرى ، و قد اهتم ( الفكر الإسلامي) بجوانب مختلفة : الجانب الكلامي ( علم الكلام ) الذي كان ينزع إلى الدفاع عن العقيدة بالجدل و الاستدلال ، و جانب صوفي يرمي إلى تقوية العقيدة بالتجربة العاطفية الوجدانية ، وجانب ( فلسفي ) يستهدف الوصول إلى الحقيقة عن طريق المنطق و الاستدلال العقلي . وهذا الجانب الأخير هو : الفلسفة الإسلامية ؛ التي ظهرت نتاج حصيلة مجموعة من الظروف و الأسباب منها ما هو داخلي و منها ما هو خارجي . سنتوقف قليلا عند أهم سبب و هو: حركة الترجمة التي ظهرت في النصف الثاني من القرن الثامن ميلادي في الدولة العباسية ، ويذكر (ابن النديم) في كتابه فهرست : أن أحد الأسباب في كثرة الفلسفة وغيرها في بلاد الإسلام، أن (المامون) رأى في منامه كأن رجلا أبيض اللون مشربا بالحمرة ، واسع الجبهة مقترن الحاجب ... جالسا على سريره قال (المامون ): وكأني بين يديه قد ملئت له هيبة فقلت : من أنت ؟ قال (أرسطوطاليس ) فسررت به وقلت أيها الحكيم أ أسالك ؟ قال : سل ، قلت ما الحسن ؟ قال : ما حسن في العقل ، قلت ثم ماذا: قال ما حسن في الشرع ، قلت ثم ماذا : قال ما حسن عند الجمهور ، قلت ثم ماذا ؟ قال ثم لا ثم . "
إذا كان هذا التفسير التي قدمه ابن النديم من باب الروايات الشائعة المتداولة ، فإن ذلك كما يبدو كان دريعة لترجمة الكتب الفلسفية وباعتبارها كما قال (المامون) في حلمة على لسان (أرسطو) : أن الحسن هو ما حسن في العقل و الشرع و الجمهور ، وهذا دليل يريد أن يقدمه (المامون) للناس على أن لا تعارض بين الحكمة و الدين و لا بأس في ترجمتها ( الفلسفة) ، غير أننا نعرف ونعترف بأن كل ما نطق به (ارسطو) بعيد كل البعد عن روح الفلسفة الأرسطية خصوصا في شقها الإلهي . غير الأمر ربما كان أعمق من ذلك حيث نجد في تقصينا أن الذي شجع خلفاء بيني العباس لترجمة تراث اليونان ، إنما كان لإيديولوجية سياسية تبنتها الدولة العباسية ؛ نجد عند الدكتور (زكي نجيب محمد ) في تفسيره يقول : " لقد اتجه المامون الى فلسفة أرسطو لمقاومة العنوص المانوي و العرفان الشيعي كلاهما يريد أن يؤسس معارضته للدولة العباسية على سلاح لا يملكه العباسيون الذين يتزعمون الخلافة السنية فكان ، لا بد إذن من سلاح يقف صامدا في وجه العقل المستقيل وأطروحاته المانوية الشعية – ولم يكن هناك من سلاح آخر غير العقل الكوني خصمه التاريخي ، ومن هنا لجأت الدولة العباسية في عهد المامون إلى العمل على تنصيب هذا العقل في الثقافة العربية الإسلامية و إقامة التحالف بينه وبين المعقول الديني العربي لصد الهجمات الغنوصية التي كانت تهدد ليس فقط العباسيين كدولة بل الفكر الديني الرسمي بشقيه المعتزلي و السني ." فهذا ينم على ان تلك الترجمة لم تكن بريئة ؛ و بمختصر الكلام فان فعل الترجمة التي قامت به سياسة الدولة العباسية ، كان من اجل تحقيق مآربها الخاصة ؛ أي ان الحاجة للفلسفة ما هي الا وسيلة لترسيخ إيديولوجية ، و التوفيق الذي قام به الفلاسفة هو مجرد تلفيق لانه بعيد كل البعد عن المنطق العقلي . فليس هدف الفلسفة هو التوفيق ، لأن الفلسفة غايتها هي معالجة راهنها بكل مكوناته الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية و الدينية... وذلك بحرية لان الفكر الفلسفي حر وينبغي ان يبقى كذلك بدون قيود أو معوقات.

لكن مهما كانت الأحوال التي ترجم على غرضها الفكر اليوناني ، فإننا لا ننكر الفضل الكبير الذي لعبه على الثقافة العربية الإسلامية ، ويعود الفضل بعد (المامون ) إلى الطبيب (يوحنا بن مساويه ) الذي كان مشرفا على الترجمة في بيت الحكمة ، و كذلك إلى ( الحجاج بن مطر) و (حنين بن إسحاق) و ابنه (إسحاق بن حنين) و (البشر متى بن يونس )... قد عكف هؤلاء المترجمون على ترجمة الأثار العلمية و الفلسفية و الأدبية التي خلفتها الحضارات القديمة و لاسيما المؤلفات الفلسفية اليونانية .
فقد تسببت حركة النقل هاته في حرية الفكر وهذا ما أظهر حركات متطرفة تدافع على الشريعة ؛ لأن الايمان بالعقيدة أصبح محط ارتياب و تساؤل حتى شاعت عبارة " من تمنطق تزندق و من تفلسف عمية بصيرته " و قال ابن تيمية الحنبلي :" ما أظن الله تعالى يغفل عن المامون العباسي ولا بد أن يعاقبه عما أدخله على هذه الامة ."
رغم ذلك فقد تكرس الفكر الفلسفي في بلاد الإسلام ، فبشكل من الموضوعية لا ننكر ان للفلسفة اليونانية الفضل على الفلسفة الإسلامية ؛ فقد تأثروا بفلسفة ارسطو وأفلاطون و لكنهم أعطوا وجهة نظرهم الخاصة في الفلسفة و المنطق ، عند ابن سينا وابن رشد مثلا ... ولم تكن مجرد تعريب لفلسفة ارسطو وفلسفة افلاطون او مجرد ذيل للفكر اليوناني ، فليس كل متأثر تابعا وغير مبدع . فالفكر غير مقتصر على جنس من الأجناس ، ولا توجد فلسفة تبدا من عدم ( اشرنا الى هذا في مقالنا حول : إشكالية بداية الفلسفة ). لقد كان ارسطو متأثرا بأفلاطون ، و افلاطون نفسه قد تأثر بالحكماء قبله و الفلسفة الايونية تأثرت بالفكر الشرقي و الهندي ... و هكذا فالفارابي وابن سينا.. قد تأثرا بالأفلاطونية المحدثة و بنظرية الفيض عند افلوطين ، فكانت لهم وجهة نظر خاصة . كذلك الشأن بالنسبة لابن رشد في المغرب العربي تأثر بأرسطو لكن ابدع فلسفته الخاصة الى درجة ان الرشدية كانت تشكل تيارا فلسفيا في اروبا يقول العقاد في هذا الصدد : " ما من مدرسة فلسفية نشأت في اروبا بعد القرن الثالث عشر إلا أمكن أن تنتسب من قريب أو بعيد إلى الثقافة الرشدية ." وهذا الأمر لم يعترف به فقد العرب وإنما حتى المستشرقين الذين تعصبوا للمركزية الأروبية ، مثلا ارنيست رينان يعترف في كتابه "ابن رشد والرشدية "بعظمة ابن رشد و بتأثيره على الفكر الأوربي . كذلك نجد المستشرق (دي بور) في كتابه ( تاريخ الفلسفة في الإسلام )يقول : " ونكاد لا نستطيع أن نقول ان هناك فلسفة إسلامية بالمعنى الحقيقي لهذه العبارة ، ولكن كان في الإسلام رجال كثيرون لم يستطيعوا ان يردوا انفسهم عن التفلسف وهم ، ان اتشحوا برداء اليونان ، فان رداء اليونان لا يخفي ملامحهم الخاصة ..." وبالرغم من انكار دي بور لوجود فلسفة إسلامية حقيقية ، إلا أنه اعترف بوجود أصالة في الفلسفة الإسلامية وبأن الفلسفة اليونانية التي تأثر بها الفلاسفة المسلمون لم تستطع ان تخفي ابداعاتهم الفلسفية .
بالإضافة الى ذلك قبل أن يترجم العرب الفلسفة اليونانية كانت بواكر التفكير العقلي مع علماء الكلام حيث مثلوا الجانب العقلي في مناقشة المشكلات الكبرى في الفلسفة مثلا مشكلة وجود الله مشكلة وجود الإنسان و وجود الكون مشكلة التخيير و التسيير ... وهكذا فأفكار علماء الكلام ومجادلاتهم تمثل نشأة الفلسفة الإسلامية ، وهي الفلسفة التي تطورت بعد ذلك على يد الكندي (803-م 873) مرورا بالفارابي و ابن سينا واخوان الصفا والغزالي ... في المشرق . ابن المسرة و ابن باجة و بن طفيل و ابن رشد... في المغرب .
يمكن ان نخلص في حديثنا هذا المقتضب عن إشكالية اصالة الفكر الفلسفي الإسلامي ، ان الفلاسفة العرب و المسلمين قد ابدعوا وحققوا نتائج جديرة بالتقدير والاعجاب . رغم كيد الكائدين و النظرة الاستعلائية التي يرددها بعض المستشرقين الذين يعتبرونها فقط مجرد امتداد للفلسفة اليونانية .
لهذا فنحن في حاجة الى إعادة الاعتبار لثقافتنا الفلسفية العربية وذلك بقراءة تاريخينا بعيدا عن المكون الديني أي عبر تطهير الموروث الفلسفي مما علق به من شوائب وتراكمات سلبية وايديولوجية منذ قرون؛ لأن كل عصر يكون موسوم بالكثير من التناقضات و الصراعات ، لذا يجب ان نتخذ الحذر في تقصي الحقائق. حتى نتمكن من كتابة تاريخنا داخل التاريخ وليس خارجه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجناح العسكري لحركة حماس يواصل التصعيد ضد الأردن


.. وزير الدفاع الروسي يتوعد بضرب إمدادات الأسلحة الغربية في أوك




.. انتشال جثث 35 شهيدا من المقبرة الجماعية بمستشفى ناصر في خان


.. أثناء زيارته لـ-غازي عنتاب-.. استقبال رئيس ألمانيا بأعلام فل




.. تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254