الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في معنى الثورات العلمية وتغيير الباراديم

قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)

2019 / 12 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كلمة ثورة مشتقة من لفظة لاتينية قديمة (Revolvere) بمعنى «يدور»، إذ كانت في كل استعمالاتها المبكرة تدل على حركة دوران في مكان , فضاء أو زمان، وهي ترجمة لمصطلح وضعه يوليوس اليوناني لوصف الحركة الدائرية الاعتيادية المتكررة للنجوم، وبقي هذا المعنى الرئيسي لحركة فيزيائية متكررة وحتمية بشكل رئيسي في المعنى التقني المرتبط بالمكان (Revolutions) دورات، وعادة ما تختصر إلى (Revs) هذا المعنى هو الذي تم نقله إلى المجال السياسي على سبيل المجاز، بمعنى أن أشكال الحكومة القليلة المعروفة تدور بين البشر الفاني بتكرار أزلي، وبالقوة ذاتها التي لا تقاوم وتجعل النجوم تسير في الدروب المرسومة لها فيه السماوات. وهكذا أُنزِلت الكلمة من السماء إلى الأرض لأول مرة في القرن السابع عشر مع ثورة كرومول عام 1688، بمعنى «تقلبات القدر» أو «دوران الحظ» ويرى وليامز أن الاستعمالات المختلفة لكلمة «ثورة» كانت تكتسب خلال القرن 17 الميلادي معنى سياسياً مشوب ومتشابك مع المعاني الطبيعية والدينية، تقلبات الحظ والعناية الإلهية، لكن المهم أنه منذاك تم التمييز بين كلمتين (Rebellion) تمرد وعصيان، وبمعنى تدمير القوانين و (Revolution) ثورة، بمعنى تدمير الطغاة ومن أواخر القرن 17 ساد معنى ثورة، وكانت الإشارة المألوفة إلى (The revolution) «الثورة» بألف ولام التعريف الكبيرين، واستعملت كلمة «ثوري» كأول أسم لمن قام بالثورة أو ناصرها.ويعود تفضيل كلمة «ثورة» على «تمرد» إلى أن المعنى الدوري في الأولى تضمن استعادة (Restoration) أو تجديداً لسلطة شرعية سابقة في تمييز لها عن تحرك ضد السلطة دونما تبرير لذلك.. فضلاً عمّا منحه إعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك من زخم جديد للمعنى «ثورة» على المستويين المحلي والعام.
من هذا التاريخ المتحول للمفهوم وسياقات دلالاته استلهم توماس كون مفهوم الثورات العلمية بعد أن أعاد صياغته وتهذيبه بما مكنه من نقله من المجال السياسي إلى المجال الفلسفي واستعماله وتوظيفه في بناء نسقه الفكري, بدون إن يخفي أوجه التماثل والتلازم بين الثورات السياسية والثورات العلمية .إذ أكد "أن الثورات السياسية تبدأ عن طريق إحساس مطرد بأن المؤسسات القائمة قد أخفقت في مواجهة المشاكل التي تفرزها الحياة الاجتماعية ، وبالمثل تبدأ الثورات العلمية عن طريق إحساس مطرد النمو بأن (الباراديم) النموذج الإرشادي, قد توقف عن تأدية الدور المنوط به في الكشف عن إجابات ممكنة للمشكلات العلمية ، ((كما هو حال الثورات السياسية)) كذلك في مجال التطور العلمي يكون الإحساس بسوء الدور الذي قد يؤدي إلى أزمة شرطاً أساسياً للثورة ، هكذا تشترك الثورات سواء السياسية منها أو العلمية بمراحل تكوينية متماثلة، هي أنها مسبوقة بإدراك أن هناك خطأ في مكان ما في النظام السائد . هذا أولاً: وثانياً: هناك محاولة رصد هذا الخطأ وتشخيصه وتحديده بدقة ومن ثم تصحيحه. وأخيرا تكون نتيجة إزالة الخطأ تغيرات ثورية بصيغة ما قد تكون ضيقة النطاق, مثل تعديل بعض المفاهيم والمؤسسات,وقد تكون شاملة, مثل قلب (الباراديم) السائد أي النظام بأكمله" فالثورات العلمية هي "تلك الأحداث التطورية غير التراكمية التي يستبدل فيها نموذج إرشادي) بارادايم) قديم بنموذج إرشادي جديد يناقضه " ، وتعبرا لثورات الصغرى عن الاكتشافات الثورية التي لا تدخل ضمن توقعات الباراديم السائد ولكنها تحدث ضمن نطاق ضيق بتن عدد محدود من العلماء لا يتجاوز العشرين عالما بينما تصف الثورات العلمية الكبرى الابتكارات العلمية الجديدة التي تؤسس تقليداً بحثياً جديداً وتفرض رؤية كلية جديدة وتهدم النظام السابق ويتجاوز تأثيرها المجال الذي حدثت فيه إلى مجالات أخرى من النشاط الإنساني ، وربما تطبع العصر كله بطابعها الخاص, وهذه الثورات نادرة الحدوث في تاريخ العلم، وابرز مثال لها الثورة الكوبرنيكية نسبة ثورة العالم الفلكي كوبرنيكوس 1473-1543 التي غيرت النظرة الكلية للإنسان إلى الكون و إلى الحياة والمجتمع والتاريخ وإلى ذاته وإلى المعرفة وأدواتها وطرائق استعمالها, ومثلها ثورة النظرية النسبية والكوانتم في الفيزياء المعاصرة التي شهدها القرن العشرين. وهناك من يتكلم عن الثورة الرابعة الآن. هكذا أستهل المفكر الأيطالي الأصل بريطاني الجنسية لوتشيانو فلوريدي أستاذ فلسفة وأخلاقيات المعلومات في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة ورئيس مجلة الفلسفة والتكنولوجيا. أستهل مقدمة كتابه الثورة الرابعة؛ كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني الصادر عن سلسلة عالم المعرفة الكويتية سبتمبر 2017م ترجمة، لؤي عبدالمجيد السيد.
إذ كتب قائلا: " الثورة الرابعة هي تفسير نوعي يأتي بعد ثلاث ثورات سابقة استُخدمت لفهم الذات، كما يقول الكاتب في تعريفه لها؛ إذ تتمثّل الثورة الأولى في محاولة كوبرنيكوس حين كنّا نفترض أننا مركز الكون ثم اكتشفنا أننا لسنا كذلك، مما أجبرنا على إعادة النظر إلى أنفسنا ومحاولة الإجابة من جديد على سؤال من نحن، ومن نحن بالنسبة إلى الكون. ثم جاءت محاولة داروين للإجابة على السؤال، تلتها ثورة فرويد في فهم الذات؛ حين اكتشفنا أن ما يحدث في عقولنا ووعينا أكثر بكثير مما كنا نظن، ثم ظهر مصطلح الثورة الرابعة وكان أول من تناوله آلان تيوينغ، والذي رأى أنه لا بد من إعادة النظر باستمرار في دورنا كقادرين على الفعل في المجتمع تبعاً للتغيرات التكنولوجية الكبرى من حولنا. يذهب فلوريدي في كتابه هذا إلى التفكير في أثر تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات على عالمنا، ويصف آخر التطورات في هذا المجال، ومدى تأثيرها. ويجادل الكتاب بأن هذه التكنولوجيا أصبحت قوة بيئية تخلق واقعنا من جديد وتغيّر فيه باستمرار. وإن كان الكاتب يستكشف قوة حضور تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات بشكل أساسي في التعليم والبحث العلمي والتفاعل الاجتماعي وصولاً إلى الحرب، فإن سؤال الكتاب الفلسفي والمتضمن في كل فصل فيه هو سؤال حول من نحن اليوم؟ وما دورنا في هذا التحوّل الكبير؟ يرى المؤلف أن هذا الانفجار التكنولوجي يغيّر إجاباتنا عن أسئلة إنسانية جوهرية. وكما غيرت الثورة الأولى الباراديم الكلي عن معنى الكون والإنسان غيرت الثورة الرابعة فكرتنا عن أنفسنا باننا محور الكون والكائنات الأكثر ذكاء وبكل بساطة افترضنا أننا مركز «الانفوسفير» أيضا ولا أحد ينافسنا فيه، ولكن وبكل بساطة تم تقويض هذه الفكرة بتصميم آلات مستقلة ذاتيا أكثر ذكاء منا في معالجة المعلومات بصورة منطقية. لم نعد فعليا سادة «الانفوسفير»، فأجهزتنا الرقمية، تنفذ أوامر بالتفكير الذكي والتحليل عوضا عنا وأفضل منا بالتأكيد. ولسنا أيضا عناصر «نيوتونية» مستقلة وفريدة من نوعها، بل كائنات حيّة معلوماتية «إنفورغز» متصلة بعضها ببعض، وجزء لا يتجزأ من بيئة معلوماتية «الإنفوسفير». مستخدم متفاعل في «الإنفوسفير» نصبح مجرد مستخدم متفاعل أو غير متفاعل، ويتآكل شعورنا بالهوية الشخصية كما يرى المؤلف، ونعرض أنفسنا للخطر عندما نتصرف على أننا كيانات مجهولة مثل مليارات الأشخاص على الانترنت، ونبدأ بتصور بعضنا على أننا حزم من أصناف من الجنسانية إلى الدين، والدور الأسري والوظيفي والتعليم والطبقة الاجتماعية أيضا. كلنا مجرد مستخدمين في عالم الانفوسفير نعتمد على المؤشرات وتفضيلات الآخرين وترشيحات المواقع ونجوم التقييم لا على المصادر الواقعية. ولكن ليس بالضرورة أن يكون هناك ما هو غير أخلاقي فيما يحدث، ولكن يرى المؤلف ضرورة أن نفهم ذواتنا وكيفية تأثير هذه التكنولوجيا في هوياتنا. الهوية والذات من نحن وماذا سنصبح ومن الذي يمكن أن نكونه عندما يتزايد ما نقضيه من وقتنا في الإنفوسفير؟. لقد اصبحنا المؤلفين لرواياتنا الذاتية وتجربة حياة الانسان مسألة تجربة حياة متصلة دائما (أون لايف). هناك العديد من المناهج التي ناقشت تحديد طبيعة الذات منها منهج جون لوك، الذي طبقا لنهجه تقوم هويتك على وحدة وعيك واستمرارية ذكرياتك، أو النهج الأكثر حداثة المعروف باسم النظرية السردية حول الذات، وكلا المنهجين يقدم تفسيرا معلوماتيا للذات. ولكن تكنولوجيا المعلومات والاتصال قادرة على النفاذ للذات عن طريق اعتبار الذات بوصفها تطبيقا لتكنولوجيا. وتضخم هذه التكنولوجيا التمييز بين وجود الذات وموضعها، وفكرة القدم مقابل الهرم، وعدم التزامن بين الذات وموضعها على النت، بحيث ممكن ألا يصبح الفرد هرما، لكنه يصبح قديما في معلوماته أو صورته، أو يهرم واقعيا ولكن المعلومات والصورة تصبح قديمة فقط. إضافة إلى أن النسيان غير ممكن في عالم الانفوسفير، فالذكريات التي نراكمها ثم نخرجها تضع قيدا على إعادة تعريف أنفسنا، لأن النسيان جزء من عملية بناء الذات. حرب المعلومات المشكلة الأخلاقية للخصوصية المعلوماتية واحدة من أخطر قضايا عصر الأنفوسفير الذي نعيش فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السعودية.. شخص يطعم ناقته المال! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الادعاء الأمريكي يتهم ترامب بالانخراط في -مؤامرة إجرامية-




.. هذا ما قاله سكان مقابر رفح عن مقبرة خان يونس الجماعية وعن اس


.. ترامب يخالف تعليمات المحكمة وينتقد القضاء| #مراسلو_سكاي




.. آخر ابتكارات أوكرانيا ضد الجيش الروسي: شوكولا مفخخة