الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اعترافات خارجة عن الحياء

آرام كربيت

2019 / 12 / 1
الادب والفن


الرواية «اعترافات خارجة عن الحياء»، تنتمي إلى الأدب الياباني المعاصر، بقلم الروائي جونيشيرو تانيزاكي، ترجمة عدنان محمد. هذا النوع من الروايات تقرأ عدة قراءات، لفائض الرموز الكامن في أحشائها، وللغتها الهادئة التي تأخذ لب المرء وتأسره، وتدفعه إلى تحليل مفرداتها المعبأة بالحمولات الثقافية الغامضة والعميقة. رموز كثيرة تتوه الذهن والعقل. وعلى الرغم من أننا نقرأ الرواية بروح الباحث عن الكلمات المتلاحقة من أجل القبض على روح النص، بيد أنها تهرب من أيدينا. نستطيع أن نقول: إن هذه الرواية نص هارب.
جرى كل شيء كما خططت، نزعت عن جسد زوجتي كل ما ألبسته. هذا ما قالته الشخصية المحورية في الرواية، الاستاذ الجامعي، الإنسان الغامض الذي لا يرد اسمه فيها ابدًا، كأنه نكرة أو يتنكر لنفسه أو يحتقرها. الرواية عميقة جدًا، أكاد أقول إن كل كلمة فيها رمز وإشارة على التناقض والتقاطع، بين الماضي والحاضر.
ونستطيع أن نقول إن الصراع ما زال على أشده في هذا اليابان القابع في أقصى الشرق. وما زال الحنين إلى الماضي قائمًا بقوة، رغم التطور الهائل في هذا البلد العملاق والعريق.
إن الصراع بين الذات، الهوية، التراث، اللغة، الوطن، القومية والعادات والتقاليد، والحنين، والغربة! بين الأنا والتاريخ والتناغم مع الذات، وهذه الحضارة الحداثية التي أجبرت شعوبا كثيرة على تبديل قيمها ومثلها وجلدها وأشكالها وعاداتها وتقاليدها لتتماشى مع ما فرض عليها من قيم من خارجها. إن الكاتب متمكن من أدوات عمله، بحيث أنه بسط خريطة وطنه على الورق، على جسد المرأة، ومضى يشرحها بمبضع الجراح المتمرس، مستخدمًا البعد الثالث والرابع. والرموز، بله أغرق الرواية بالرموز إلى درجة لم نعد نعرف الزوج من العشيق، اليابان القديمة عن اليابان الحديثة، وإلى أي انتماء تنتمي.
استطاع أن يفكك جسد المرأة، الزوجة، انطواءها على نفسها وخجلها من هذا الجسد وعدم قدرتها على الانكشاف على زوجها، مرات تحبه وأكثر المرات تكتشف أنها لا تحبه، ربما هذه الرواية تنتمي إلى الرواية السحرية، أشعر بأن روح بيدرو بارامو ساكنة في هذا العمل الجليل، الغموض يلاحق الشخصيات، وعلى القارئ أن يفكك شيفرة الإيحاءات السرية الكامنة فيها. وعلى الرغم من أن المرء يحاول الدخول في مغامرة البحث عن المفاتيح التي تمكنه الوصول إلى شط الأمان، إلا أن الكلمات تهرب منه، كلمات لا تقبض باليد، وكلما حاول الإمساك بالنص، إلا أن هذا الأخير ينزاح ويهرب إلى البعيد.
رواية مجنونة، كتبت بلغة سهلة وبسيطة، بيد أنها تجنن القارئ، تتوه الذات التائهة، تبعد الذات عن الذات، تدفعه للسؤال: ما الذي يربط كيمورا العاشق اليوم وكيمورا الزوج القديم، في ذات مختلفة متوافقة؟ اليابان القديمة الحديثة: وهذا يعود بلا شك إلى التقاليد الصارمة التي رسّختها في رأسي تربية أبويّ في أسرة إقطاعية، تقاليد بموجبها يبقى الشرف سليمًا مهما كانت الإجراءات العقلية، ما دام الإنسان لم ينم مع شخص بالطريقة الأرثوذوكسية كما اعتاد زوجي أن يقول.
إنه صراع بين الحداثة والتقاليد، بين الانتماء إلى الذات القديمة والحاضر الجارف لكل انتماء: إلام تحتاج زوجتي إلى الأقراط والقلادات، وهي التي لا ترتدي أبدًا ملابس أوروبية؟ منذ متى راق لزوجتي أن تضع مثل هذه الأشياء مع ثياب يابانية، ولكن يجب عليّ أن أعترف بأنها تليق بها جيدًا، خاصة اللآلئ في أذنيها، فهي تناسبها أكثر مما كنت أتوقع.
تسير الرواية منذ اللحظات الأولى على نسقين متوازيين متباعدين، يتقاربان ويتباعدان، إنه عصر وعصر، بيد أن اليابان لم تكتشف هذا الغريب القادم من الغريب، من الطرف الآخر المختلف، الذي فرض نفسه على هذه الذات. اليابان التي اعتادت أن تعيش في الماضي، قديمها، عشقته ولم يكن في ذهنها أن تغير أو تبدل جمالها بجمال آخر. كانت تسير بخط مستقيم، بدون أن تلتفت إلى اليمين أو اليسار، وجاء التغيير على حين غرة، زرع الخوف والقلق في الذات، وأدخلها في الهم، عين على الذات الماضوية وعين على الحاضر المفتوح على أفاق مفتوحة الأبعاد، تقول الزوجة:
ـ في الماضي كانت ذاكرته ممتازة، والأن يعاني من فقدان كبير لذاكرته. وغالبًا ما يترنح وهو صاعد الدرج أو نازله، وصار لون وجهه بلون التراب. كلما شاخ المرء يخطئ ببعض الأحرف، وينسى أحرفًا أخرى، وهناك أخطاء في التواريخ والأرقام، ويكتب تشرين الأول بدلًا من آذار. وعقله تغير.
المبدع أول من يعاني، وأول من ينتابه القلق، والروائي جونيشيرو تانيزاكي، المولود في طوكيو عام 1886 وتوفي عام 1965، مبدع حقيقي، عاش وخز الضمير على الأنا العليا الخائفة على الذات التي تضيع من يديه، لأنه يعلم أن الحداثة لم تأت من الذات، إنها فائض، لنقل إنها فيضان عارم، تسونامي تقتلع الجذور وتفكك الذات وتذريها إلى أشلاء، بحيث لا تبقي حجرًا قديمًا على حجر حديث:
ـ حتى لو قيل لي إن كيمورا لطخ شرفها، فلن أصدق ذلك. آوه، ومع ذلك حتى لو قبلنا أنها ليست ملطخة الشرف، فثمة متع أقذر من تلطيخ الشرف..
إن الحداثة تثبت أن الهوية هشة، ومتحركة ويمكن زعزعتها واقتلاعها أمام التحولات التي تفرض عليها من خارجها، سواء عن طريق الحرب أو السلم. وإن القبض عليها، أي على الهوية، كالقبض على الجمر. في الحقيقة إنها على الجمر إلى أن يخمد ويتحول إلى رماد.
إن الحداثة ليست معادية أو في صراع مع الهوية والتراث فحسب، إنها على عداء مع ذاتها، فهي تحول نفسها إلى مجرد هيولى. إنها أشبه بخيول غوغول في روايته، النفوس الميتة، عندما يطلق نداءه:
ـ ما هذه الروح غير المنظورة في هذه الخيول التي لم ير مثلها هذا العالم؟ آه، يا خيول يا خيول، وأية خيول! أهي الزوابع مخفية في أعرافك! أيها العالم إلى أين تذهب؟ «كل شيء على الأرض يمرق عابرًا، وتنظر الشعوب شزرًا وتنحنى الشعوب والدول الأخرى فاسحة الطريق لها».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما


.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة




.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير