الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة على اليقينيات

حسن عجمي

2019 / 12 / 1
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


تبدأ الثورة بكسر المُحرَّمات و تحريم الحلال و تحليل الحرام. تكمن ماهية الثورة في التحرّر من اليقينيات لكي نتحرّر حقاً من سلطة الطغاة القائمة على اليقينيات الكاذبة التي لا تقبل الشك و المراجعة و الاستبدال. فغاية الثورة الحقيقية كامنة في إحلال سيادة المعتقدات الممكنة أو المحتملة التي تُحرِّرنا بكونها مجرّد معتقدات ممكنة الصدق أو احتمالية الصدق بدلاً من أن تكون يقينيات قامعة للحريات و الحقوق الإنسانية.

الثورة الحقيقية ثورة فكرية و علمية تُترجَم إلى ثورة سلوكية. و جوهر هذه الثورة هو اعتبار أنَّ كل المعتقدات و السلوكيات متساوية في مقبوليتها و قيمتها ما يُحتِّم سيادة المساواة بين جميع المواطنين من جراء المساواة بين كل معتقداتهم و سلوكياتهم رغم اختلافها فيولد بذلك السلام الحقيقي و تنشأ الديمقراطية الحقة. فالثورة الحقيقية ثورة على اليقينيات بهدف تحقيق السلام و احترام الحريات و الحقوق الإنسانية بفضل المساواة بين كل العقائد والمعتقدات والسلوكيات التي ينتجها أو قد ينتجها أي إنسان.

للثورة عِلم يتكوّن من مبادىء منها مبدأ التحرّر من اليقينيات لأنها تقتل مالكها من خلال سجنه بمعتقدات مُحدَّدة غير قابلة للشك والمراجعة فرافضة بطبيعتها للآخرين ومعتقداتهم وسلوكياتهم ما يُؤسِّس لسيطرة الأنظمة الديكتاتورية. و من مبادىء عِلم الثورة مبدأ المساواة بين كل العقائد والمعتقدات والسلوكيات و مبدأ أنَّ لا سلطة سوى لسلطة الحقوق الإنسانية كحق كل فرد في أن يكون حُرّاً فيما يعتقد ويتصرّف و مبدأ أنَّ كل مواطن سلطة أعلى و مصدر كل سلطة أخرى ما يتضمن حق كل مواطن في محاسبة و محاكمة كل سلطة أخرى إن مارست الفساد أو القمع أو لم تقم بواجباتها في خدمة الشعب والمجتمع ما يضمن تحقيق ولاية المواطن بدلاً من أية ولاية أخرى حيث تتوحَّد السلطات المختلفة (كالسلطة التشريعية و التنفيذية والقضائية) في أيدي المواطنين. فالإنسان مجموع كل الحقوق و بذلك لا سلطة أعلى من سلطة المواطن أي لا سلطة سوى لسلطة الحقوق. و لا تنجح الثورات العربية سوى باعتماد عِلم الثورة القائم على التحرّر من سجون عقولنا و سلوكياتنا الماضوية و المُحدَّدة سلفاً.

تتشكّل الثورة من عدم تفضيل معتقد أو سلوك على آخر. و الحرية الحقيقية ثورة مستمرة وبذلك الحرية أساسها عدم تفضيل سلوكيات ومعتقدات على أخرى. فحين نُفضِّل معتقدات وسلوكيات على أخرى نتعصب لها فنرفض معتقدات وسلوكيات الآخرين المختلفة عن معتقداتنا وسلوكياتنا ما يُحتِّم رفض الآخر فسيطرة الاضطهاد و الأنظمة الديكتاتورية. و بما أنَّ الثورة الحقيقية تتكوّن من عدم تفضيل معتقد أو سلوك على آخر , إذن الثورة الحقة تحترم و تُحلِّل كل الحريات و من ضمنها الحريات الجنسية فتُحلِّل الشذوذ و الدعارة و كل ما قد لا نراه أخلاقياً رغم أنه أخلاقي بالنسبة إلى مَن يمارسه. هكذا الثورة الحقيقية ثورة على المُقدَّس و أكاذيبه. فتحليل الحرام و تحريم الحلال ماهية أية ثورة حقيقية ما يجعلها ثورة على ذواتنا ومعتقداتنا وسلوكياتنا الماضوية المُحدَّدة سلفاً. فاللامُحدَّد كلامُحدَّدية ما هو الأصح و الأفضل و الأصلح فكرياً و سلوكياً و أخلاقياً هو المصدر الأساس لأية حرية و ثورة.

تكمن الثورة الحقيقية في الثورة على ذواتنا من خلال تحرير أنفسنا من اليقينيات وسجونها. و نتحرّر من يقينياتنا القاتلة بأكاذيبها من خلال تحويل معتقداتنا اليقينية إلى معتقدات ممكنة الصدق أو محتملة الصدق لا ترفض بطبيعتها الآخرين المختلفين عنا. تكمن ماهية الثورة في تحريرنا من ذواتنا المُحدَّدة مُسبَقاً فالمُحدَّد يسجننا بمُحدَّديته فيقتل إنسانيتنا. هكذا الثورة و الحرية زوجان لا يفترقان لأنَّ الثورة تُحرِّرنا من ذواتنا الماضوية فلا نتعصب لها فنقبل الآخر ما يؤدي إلى سيادة الحرية و السلام معاً. فلا حرية بلا سلام و لا سلام بلا حرية. الثائر الحقيقي ثائرٌ على ذاته. و الحُرّ الحقيقي حُرّ من ذواته الماضوية المُحدَّدة بماهيات كاذبة و يقينيات مخادعة.

الثورة الحقيقية ثورة على ثنائية المُقدَّس و المُدنَّس و ثنائية الحلال والحرام و ثنائية الإيمان و الكفر فهذه الثنائيات تقمع الشعوب و تسجنها بأكاذيب الطغاة طغاة الدين و طغاة السياسة. الثورة الحقيقية ثورة علمية لأنَّ العِلم خالٍ من تلك الثنائيات كما هو خالٍ من اليقينيات المُقدَّسة ما يُحرِّرنا من سجون معتقداتنا وسلوكياتنا الماضوية فيدفع بنا نحو قبول الآخر و التطوّر. فلا ثورة بلا حرية و لا حرية بلا تطوّر. بالعقل العلمي نحيا و نتحرّر و بالعقل العلمي لا نموت. لكن العِلم ثورة على المُقدَّس لخلوه من اليقينيات التي تشكّل أسس وجود المُقدَّس و الاعتقاد به. بذلك الثورة الحقيقية ثورة على الله الذي يُستخدَم لنشر الجهل والتجهيل و تبرير حُكم الطغاة. بالثورة على الله نتحرّر. وهذا قمة الإيمان لأنه إيمان بقدرة و مقدرة الإنسان و بذلك هو إيمان بما خَلَقَ الله ما يُؤكِّد على أنه إيمانٌ أعلى بالله و أسمى. لا ثورة بثنائياتٍ كاذبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا


.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي




.. لماذا استدعت الشرطة الفرنسية رئيسة الكتلة النيابية لحزب -فرن


.. فى الاحتفال بيوم الأرض.. بابا الفاتيكان يحذر: الكوكب يتجه نح




.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل