الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصابون

حسان الجودي
(Hassan Al Joudi)

2019 / 12 / 1
الادب والفن


كان أبي نحيفاً وهزيلاً، مثل عود من إكليل الجبل الذي دأبت أمي على زراعته في الحاكورة القريبة.
أمضت أمي معظم عمرها في صناعة الصابون الذي برعت في إضافة الأعشاب إليه كعشبة الليمون أو القرفة أو إكليل الجبل أو إضافات اخرى كالعسل واللافندر أو القهوة أو الشاي الأخضر.
استخدمت أمي جميع الدهون الممكنة، الحيوانية والنباتية لصناعة صابونها، وكانت ترسلني دائماً إلى عطاري المدينة لشراء زيت جوز الهند أو زيت الخروع أو زيت بذور اللفت . أما شحوم الخراف والعجول فكانت تحصل عليها من مصادر أخرى.
كانت هوايتي المفضلة مساعدة أمي في عملها ، لأستمتع بعدها بتقطيع الصابون ذي الرائحة المعطرة الفريدة. أما أبي ، فكان يجلس دائماً مراقباً أعمالنا مستمتعاً بلفافة التبغ البلدي.
دعتني أمي ذات صباح إلى غرفتها ، وكان ذلك في بداية مرضها الثقيل . وأشارت إلى صندوق خشبي كبير تحت سريرها وقالت:
-هو لك. لا تفتحه إلا بعد موتي
سألتها عن محتواه. فقال باستخفاف :
-مجرّد صابون مصنوع خصيصاً لأجلك يا ميمون.
لكنه بالتأكيد لم يكن صابوناً عادياً . كان صابونا استثنائياً بكل المقاييس. دأبت على استخدامه كل يوم ، فاكتسبت طلاوة في اليدين والروح والجسد . وأثّر في كياني كما يؤثر الشِّعر تماماً.
هل علي شكر أبي أيضاً على مساهمته العظيمة في منح الدهون المنكّهة بالشِّعر ؟
أم ترى أمي هي ذلك الشبح الخفي الذي طالما أخبر عنه :
-يأتي إلى سريري كل ليلة. يتسرّب كالماء تحت جلدي ويتحرّك بلطفٍ في عروق الجسد. فأحس بخفة فائقة في الكيان، ورغبة في البكاء العميق تحدوها رغبة في كتابة القصائد .
لقد كان أبي شاعراً هزيلاً متواضعاً
وأمي كانت صانعة صابون عظيمة
بينما ميمون يواصل الحيرتين: الحياة القذرة أم الموت النظيف؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | على الهواء.. الفنان يزن رزق يرسم صورة باستخدا


.. صباح العربية | من العالم العربي إلى هوليوود.. كوميديا عربية




.. -صباح العربية- يلتقي نجوم الفيلم السعودي -شباب البومب- في عر


.. فنان يرسم صورة مذيعة -صباح العربية- بالفراولة




.. كل يوم - الناقد الفني طارق الشناوي يحلل مسلسلات ونجوم رمضان