الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن تقرير مصر في مجلس حقوق الإنسان

عصام شعبان حسن

2019 / 12 / 3
حقوق الانسان


حاول تقرير مصر المقدّم في الاستعراض الدوري لملف حقوق الإنسان في جنيف أخيرا وضع تصور شامل لمنظومة الحقوق، مستندا إلى مفهوم تكاملي بين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والحقوق السياسية. وقد هدف ذلك التركيز على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية إلى تجاوز النقد الموجه للقضايا المتعلقة ببند الحقوق المدنية والسياسية، وخصوصا حرية التنظيم والتعبير، وما يتعلق إجمالا بحالة المجال العام المحاصر، والذي يتضمن الأنشطة السياسية والنقابية، وأنشطة منظمات المجتمع المدني، وملف حرية التعبير، بما فيها وسائل الإعلام والحق في التظاهر والتجمع والاعتصام والإضراب.

وافتقد التقرير إلى أساس منطقي وواقعي، وهو ما انعكس على بنائه الذي يبدو شكليا متماسكا، لكنه جاء غير محكم، فاقدا ردودا كثيرة بشأن النقاط التي كانت محل انتقاد في الاستعراض الدوري السابق 2014. كما غلبت على التقرير لغة دعائية، وتعبيرات تقليدية تسود التقارير الرسمية. ولما كانت الممارسة الفعلية عكس أغلب مضمونه، فإنه حاول في مناقشة كل قضية أو انتقاد وتوصية تتعلق بالبند الثاني، الحقوق المدنية والسياسية، وما يتضمنه من قضايا حرية التعبير والتنظيم، نفي الانتقادات. واستند التقرير، في أغلب أجزائه، إلى طرح له اتجاهان، أولهما التبرير المستمر للانتقادات محل النقاش، فكل إخفاق خلفه الظروف والتحديات، والتي وردت تحت بنود التحديات الداخلية والخارجية، ومنها التحدّيات الأمنية وعمليات الإرهاب بعد ثورة 25 يناير. وكذلك ربطت التحديات الاقتصادية بما سماها التقرير حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني بعد الثورة. وكأن وجود كلا الملفين، الأزمة الاقتصادية والتحديات الأمنية، ارتبط بالثورة، على الرغم من أن الأزمة الاقتصادية عميقة الجذور وهيكلية، بل كانت أحد أسباب الثورة، وليست نتيجة لها كما يوحي التقرير. وهنا ظن من كتبوا التقرير أنهم أمام مجموعة من المواطنين المصريين أمام شاشات التلفاز الرسمي يريدون التأثير على وعيهم، وأن يتخذوا موقفا ضد الثورة. وبهذه الصيغ، تحول التقرير إلى مرافعة سياسية للدفاع عن نظام الحكم، ومهاجمة الثورة التي يراها سببا في انهيار الاقتصاد وتراجع حالة حقوق الإنسان.
كما يُلاحظ تناقض بين أجزاء التقرير، ففي موضعٍ يعترف بأن ضررا وقع على الفئات الأكثر فقرا نتاج تطبيق سياسة الإصلاح الاقتصادي. ويعرض جهود الدولة لتوفير مظلة حماية اجتماعية لهم. وفى موضوع آخر، يهلل التقرير لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، ويرد سبب ارتفاع متوسط الدخول (وهو مقياس زائف بالمناسبة) إلى الإصلاح الاقتصادي. وهذا يشير إلى أن التقرير كتب بمشاركة عدة جهات لم يتم التنسيق بينها، أو من دون ربط أجزائه لكي يكون متسقا في التوجه، ما يخلّ من منهجية التقرير ذاته، والشيء بالشيء يذكر، فقد اعتمدت منهجية كتابة التقرير على مشاركة منظمات المجتمع المدني فيه، إلا انه ليس هناك ما يشير إلى مشاركة حقيقية لمنظماتٍ مستقلة، فضلا عن إبعاد منظمات وشخصيات لحضور الاستعراض الدوري في جنيف، نظرا لصدور قراراتٍ بمنعهم من السفر خارج مصر، وهو ما يعد، باعتباره واقعة وحيدة ومنفردة، مؤشرا على حالة حقوق الإنسان، خصوصا في ما يتعلق بالحق في الحركة والتنقل والتعبير، ويعبر عن واقع منظمات المجتمع المدني المستقلة.

حاول التقرير في البند الثاني المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية نفي الحصار الواقع على المجال العام، عبر طرح مجموعة قوانين مختصة بالحقوق المتعلقة بتلك الحقوق، ومنها حرية وسائل الإعلام التي ذكر التقرير أن البرلمان أصدر عدة تشريعاتٍ تنظم عملها. وعلى الرغم من أن بنودا كثيرة في هذه التشريعات أداة للحصار والتضييق، إلا أن التقرير احتفى بها. وإذ اعتبرنا بعضها إيجابيا، فإنه ليس له علاقة بالممارسة الفعلية، ليس أدل على ذلك ما شهدته صحف، ومنها ما هو تابع للنظام من مصادرة وحجب، غير ما يزيد عن حجب 512 موقعا وصحيفة، وكذلك في ما يتعلق بقضايا حرية التنظيم السياسي والنقابي، تم طرح قانون تأسيس الأحزاب، وتجاهل التقرير الانتهاكات والملاحقات التي واجهتها الأحزاب، والتضيق الذي يُمارس على العمل النقابي، أو الشدة التي تُواجه بها التحرّكات العمالية. وكذلك تقييد حركة مناصرين كثيرين للحقوق العمالية والنقابية. وفي هذا الصدد، هناك المحبوسون احتياطيا بتهم ترويج الإشاعات والأخبار الكاذبة، بينما كان نشاطهم متركزا على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي يتغنى بها التقرير، في البند الثالث المرتبط بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وفي السياق نفسه، هناك عدد كبير من قيادات وكوادر الأحزاب والشخصيات العامة، محبوسون احتياطيا بسبب آرائهم السياسية، وآخرون محبوسون على ذمة قضايا تظاهر، ولكن التقرير وتصريحات القائمين عليه، ومن قدموه في جنيف، يصرّون على عدم وجود معتقلي رأي في مصر!

في مجمل التقرير هناك مساحة كبيرة بين ما استند إليه من الالتزام بالتشريعات الوطنية والاتفاقات الدولية والممارسة الفعلية التي لا تلتزم بهذه البنية التشريعية، ذلك عدا عن أن بعض البنية التشريعية التي يحتفي بها في متنه لا تحفظ الحقوق، بل تمنعها وتقيّدها أحيانا بسلطة التشريع، فمثلا تعديلات قانون التظاهر التي أقرت، في مايو/ أيار 2017، وألغت حق جهاز الأمن في منع المظاهرة، ونقلت صلاحية ذلك إلى قاضي الأمور المستعجلة، لم يحقق التغيير في ممارسة الحق في التظاهر، وحتى الآن لم يصدر تصريح لمظاهرة واحدة، غير المظاهرة النسائية المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية، والتي يبدو أنها تمت بترتيباتٍ ما. ومع التسليم بالتحسّن الوارد في بعض مواد قانون التنظيم النقابي، خصوصا تقليل الحد الأدنى لتأسيس لجنة نقابية إلى 50 فردا، وكذلك التعديلات الواردة في قانون الجمعيات الأهلية، إلا أن ذلك ليس معناه حرية العمل والتنظيم بموجب القانونين، بل إن تعديلات قانون الجمعيات الأهلية الصادر في يوليو/ تموز 2019 تمت نتاج ضغوط خارجية، والبرلمان الذي أقر القانون السابق هو من عدّله، وأصدر القانون الجديد بأوامر.
في ما يتعلق بأوضاع السجون، ركز التقرير على الزيارات الروتينية التي تقوم بها هيئات، مثل لجنة حقوق الإنسان في البرلمان والمجلس القومي لحقوق الإنسان، إلا أن تلك الزيارات كان يعدّ لها لتبدو الأوضاع إنسانية ومتوافقة مع لائحة السجون، بينما توضح حالات مرض وموت كثيرة في السجون مدى بؤس أوضاع هذه السجون، فضلا عن الاكتظاظ فيها، ما أدى إلى توسيعها، وبناء أخرى جديدة، كما أورد التقرير الذي جاء فيه أنه يتم الالتزام بقواعد إنفاذ المعايير الدولية لقواعد الاشتباك، واستخدام القوة، وعدم التصعيد إلا بعد استنفاد التفاوض. وأشار إلى مراعاة التعامل مع الأطفال والنساء وكبار السن، إلا أن مشاهداتٍ عديدة تنفي ذلك، فقد شهدت، على سبيل المثال، مظاهرات طلاب المرحلة الثانوية مطارداتٍ وقمعا، وكذلك مظاهرات أهالي جزيرة الوراق واحتجاجاتهم، وهما مثالان واضحان في هذا الشأن، فضلا عن انتهاكات عديدة طاولت كثيرين من طلاب الجامعات المصرية. وشهدت الفترة من منتصف 2013 وحتى 2016 حملات قبض واعتقالات واسعة.

وفي ما يخص التعذيب، أورد التقرير أن هناك تحقيقات ومحاكمات جنائية لأفراد الشرطة في وقائع تعذيب واستعمال القوة وسوء المعاملة، وتشير النتائج إلى إدانات جنائية وتأديبية، ولكن إشاعة جو الخوف عموما يمنع ضحايا العنف من اللجوء إلى القضاء، أو استخدام آليات الشكوى والتقاضي، ومعنى وصول عدد كبير من الحالات إلى التقاضي يعني أن ما لم يصل إليها أضعاف مضاعفة.

وجاء البند الثالث، والمتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الأكثر دعاية، واكتفى بذكر نصف الحقائق. وقد جاء في التقرير أن استراتيجية التنمية 2030 صيغت عبر مشاركة مجتمعية واسعة، واعتبر أن برنامج الإصلاح الاقتصادي حقق نجاحات كبيرة، وأثر على مستوى معيشة المواطنين إيجابيا، وهو ما يتنافى مع واقع الحال من نسب تضخم عالية، وزيادة نسب الفقر. وهذا الجزء تحديدا مليء بمغالطاتٍ لا يتسع المجال لمناقشتها بتفصيل، وهو ما ينطبق أيضا على بنود أخرى، تتعلق بأوضاع النساء والشباب الذين كانوا الأكثر تأثرا من سوء الأحوال الاقتصادية، ولم تتجاوز عبارات تمكينهم مساحة الدعاية وطرح العناوين وتكرارها في التقرير، وقبلها في وسائل الإعلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف فجرت حرب غزة جدل حرية التعبير في الجامعات الأمريكية؟ | ا


.. Amnesty Launches Annual Report on the State of Human Rights




.. وكالة -الأونروا- تنشر مشاهد للدمار في غزة في اليوم الـ 200 ل


.. بطلب من الأرجنتين.. الإنتربول يصدر نشرة حمراء لاعتقال وزير د




.. إسرائيل تستبق الاجتياح البري لرفح بإنشاء مناطق إنسانية لاستي