الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة العراق، ثورة من أجلِ السيادة

ازهر عبدالله طوالبه

2019 / 12 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


باتَ من الواضح بأنَّ العراق لم تعُد ذات سيادة، كما هي الكثير من الدول العربية إن لم تكُن كلّها، وهذا شيء يُحزنني قوله، ويجعلُ خيمات الحُزن تنصبُ عامودها على قلبي، ومحاجرُ الدمع في عيني تكادُ تتفجَّر، وأطراف أصابعي تدعي على نفّسها بالقطعِ قبل ان تكّتُب هذا الحُزن . انا عربيٌ عروبي، يؤثّر عليّ كُل ما يحدُث على الأراضي العربية من قتّلٍ وتهجير وسفكِ دماء، فجميع شؤون الدول العربية تُعنيني ولها اهمّية كبيرة عندي، لكن ليسَت بتلكَ الاهمية ولا تأثيرها بذلكَ التأثير الكبير عليّ كما هو في ما يحصُل على الأراضي العراقية ؛ لأنّ العراق هي قبلة العَرب الأولى، وبوّابة الشّرقِ التي لم ولن تُغلَق رغمَ كُل ما يحدُث عليها، وارض الحضارات ومهدها، وعراقة التاريخ، وأصالة الحاضر .

لقد كانت وما زالت العراق وستبقى أرض الثقافات والحضارات المُتعدّدة، والواجهة الأولى للعرب، حيث قامت على أرضها أقوى الحضارات وأعرقها، وأعظم الخلافات الإسلامية وأعدلها، وكانت من تتلقى الخنّجر الأول في عداءات العرب مع الفُرس، وربما يراها الكثير لأسباب دينية طائفية فقط، مع أنّني ارى بأنّها طائفية وقومية، فقد علمَ الفُرس بأن بغداد هي بمثابة العامود الأول التي ترتَكِز عليه الهوية العربية ؛ لأنه على مرِّ التاريخ والعصور، لم نكُن نسّمَع من يُنادي بالوحدة العربية إلا الاصوات التي كانت تنطَلِق من دمشق وبغداد، فهاتين العاصمتين هنَّ صمّام الأمان والأعمدة الرئيسية اللتان يجِب أن نُحافظَ عليهنَّ؛ لأنهنَّ إن سقطنا تكون الامة العربية بأكملها قد سقطَت وهُدّمت دولةً وراء دولة .

في الاشّهُر القريبة الماضية إنطلقَت ثورة الأحرار للتطهير - كما اطللقَ عليها - في الأراضي العراقية، فهي ثورة إنطلقَت ضدّ الظُلم والقَهر والعوزة، والفساد والفاسدين، وضدَّ صاحب المشّروع الصفوي الكبير، الذي يتحكّم بجميع مفاصل الدولة العراقية، ويُنصّب عليها من يشاء من خونةِ العراق، وممّن باع العراق بل باع أُم وأب وحاضنة العرب أجمع بأبخسِ الأثمان، بعد أن تآمروا عليها في جميع الحروب التي دخلتها دفاعاً عن الهوية العربية، وبعدَ ان ضحّوا بقياداتها الحقيقية، التي كانت تسعى دوما إلى الإرتقاء بالعراق على الصّعيدين الداخلي والخارجي، والتي كانت تُدافع عن الأراضي العربية ولا تقبَل بالسّكوتِ على أيّ عدوانِ خارجي يحاول أن يفرضَ نفسهُ على هذه البلاد، فلقد كانت العراق بقياداتها الرجولية في مُقدّمةِ الهجومِ على العدو الصهيوني المُغتصِب، دفاعاً عن الأراضي الفلسطينية المُحتلّة، وكلنا رأينا ومن لم يرى أخبرهُ كبارهُ عن عدد الصواريخ التي رماها قائد القرن العشرين " صدام حسين " على العدو الصهيوني، وكم من الأرواح قد خسرتها العراق في دفاعها عن العرَب ..

لقَد نجحَت هذه الثورة -حسبما رسمت خطّتها- في خطوتها الأولى، واسقَطَت حكومة البائع الأكبر والفاسد الأرعن الذي استغنى عن كرامة العراق والعراقي مُقابل منصبٍ وحفنة من الدولارات وليس من الدنانير ؛ لأنّه يعلم بأنّه ومن وصل الى الحكم من أمثالهِ قد جعلوا العُملة العراقية في إنهيار، وجعلوا المواطنَ العراقي صاحب الكرامة وفارس الرجولة في فقرٍ مُدّقِع، لكن هذه المرّة لم يُسلّم لهُم المواطن العراقي، فثورته كانت ناجحة - واتمنى أن تسّتمر على هذا النّهح- حتى لو خسَرت الكثير من الأرواح الشّابة، والكثير من أصحابِ الاقلام الحُرّة " شُعراء وكُتّاب"، فالعمل النضالي ثمنهُ غالٍ جداً، ولن يتحقّق دونَ خسائر في الأرواح والأموال .

لم يُرعبني دخولَ سليماني وجيّشهِ على الأراضي العراقية، بعد أن قامَ الشّعب العراقي بإسقاطِ الحكومة وجميع ممثلينَ القرار السياسي فيها، بل هناك تفاؤلا- بالنسبةِ لي- من هذا الدخول ؛ لأنّ الشّعب العراقي أصبحَ اوعى بعد الثورة، واصبحَ على درايةٍ تامّة إلى مَن يوجّه سهامهُ، وعلى من يُطلقها، فالآن هو يعلَم بأنّ هذا العدو الأكبر لهُ، وأنَّ هذه الفُرصة الحقيقية لمواجهته، وإبعاده عن التحكّم بمفاصلِ الدولة، وإعادة السيادة الحقيقة لها، وإعادة العراق الى حضنِ الشّعب وليس إلى احضانِ المُرتزقة .

عراق التاريخ، وعراق الحضارات، وعراق المُتنبي، وعراق دجلة والفُرات، وعراق عبد الرزاق، وعراق الجواهري، وعراق المُنتصر، وعراق الموصل، وعراق الناصرية، وعراق الأمهات الثكلى، وعراق العَرب... ستبقى لنا وستبقى عربية، ولن تُدنّسوها بنجاستِكُم.. ستبقى حُرة حتى لو الكثير منّا قد أضاع مفتاحها...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق