الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرهاب الدولة وسياسة تعطيل الخيارات

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2019 / 12 / 3
السياسة والعلاقات الدولية


تأتي مجزرتيّ الناصرية والنجف، وبالتتابع، لتقول أن خيارات الحكومة العراقية إنما تحددها وترسم أهدافها مصالح الطبقة السياسية، أحزابا وقيادات، وأن الشعب العراقي المحتج، لا يمثل لديها سوى صورة التجمع الغوغائي المتمرد على شرعية الدولة الذي آن له أن يختفي من الشارع، وخاصة بعد أن (نكد) على الحكومة العراقية وعكر أجواء صفائها مع إيران، بعد حرق الثوار لقنصلية ايران في مدينة النجف.
إن مذبحتيّ الناصرية والنجف تؤكد لنا أن الحكومة العراقية إنما تحكمها ردود الإفعال، لا مبادرة الأفعال، وإن أفراد الطبقة السياسية لا تهمهم سوى مصالحهم التي يجب أن تبقى وأن تستمر بكامل إمتيازاتها، حتى لو دفع الثوار المحتجون دماءهم ثمنا لبقاء وجوه السلطة في مراكزهم، وحتى لو دفع كامل العراق ثمن إمتيازاتهم.
رد فعل الحكومة العراقية على العصيان المدني، الذي بدأ الثوار بتطبيقه، والذي أشعرها بالتهديد المباشر لمركزها، يأتي بأبشع صور القمع والتنكيل، على أمل إرهاب المحتجين وإنسحابهم من الشوارع، بقتل 35 متظاهرا في الناصرية، و12 في مدينة النجف، إضافة إلى أكثر من 500 جريح ومصاب.. رد الفعل الدموي هذا إنما يعبر عن حالة يأس الحكومة العراقية من إحتواء ثورة الشباب بوعود التخدير هذه المرة، إضافة إلى رسالته المباشرة للشعب والثوار على تمسكها بالمناصب وامتيازاتها، وإنها على إستعداد – الحكومة - للقتل والتنكيل بالشعب بكامله في سبيل مصالحها، التي لن يعلو عليها أي إستحقاق شعبي أو وطني.
مجزرتيّ الناصرية والنجف تعكسان الصورة الحقيقية لوجه حكومة عادل عبد المهدي، بمستوييها البشعين، الإنتقامي من الشعب الثائر، والتابعي لحكومة ولاية الفقيه في إيران التي حملت الحكومة العراقية مسؤولية حرق قنصليتها في النجف، وبالعجز عن حمايتها في الظاهر، والتي بالتأكيد هددتها في الباطن بالانتقام، فيما لو لم تنتقم لها من الثوار الذين أحرقوا بناية القنصلية، وهذا ما تشهد عليه السنوات الستة عشر الماضية، في تابعية وولاء حكومات عصر الديمقراطية العراقي لإيران، تحت يافطة الولاء المذهبي والطائفي الذي تتسيده ايران.
حدثت مجزرة مدينة النجف يوم الأربعاء، وحدثت مجزرة الناصرية في مساء ليلة الجمعة وها هو يوم الجمعة - الذي مازال البعض يعول على خطبة مرجعيته الدينية - يمر دون أن تكلف المرجعية نفسها بشيء يعكر مزاج الفقيه الايراني وحكومته في العراق، حيث إكتفت خطبتها بالطلب من البرلمان النظر في أمر حكومة عادل عبدالمهدي، وكأنها لا تعرف أن أعضاء البرلمان هم أعضاء حكومة وحزب عادل عبد المهدي ومن يتحالف معه.
ما تشف عنه برودة خطبة هذه الجمعة بالذات، هو أنها تستغل، هي الأخرى، كحكومة عادل عبدالمهدي، سلمية الثورة الشعبية العراقية وصمت المجتمع الدولي والنمر الأمريكي عن مناصرتها وعن حمامات الدم التي ترتكبها القوات الأمنية ومليشات أحزاب السلطة؛ وهذا يعني في المحصلة، أن المرجعية تتبنى موقف الحكومة الايرانية ذاته، والقائم على مبدأ ان لا إستحقاق يتقدم على إستحقاق المذهب، ولا مصلحة تتقدم على مصالحها في العراق، والتي لن تحققها غير حكومة طائفية موالية لها، لأن نبذ الطائفية، بل وقبرها إلى الأبد، كان من بين أول شعارات ثورة الخامس والعشرين من تشرين، إلى جانب شعارها العريض والرديف: ايران بره بره... والعراق للعراقيين فقط، وهذا أخطر ما يمكن أن تسمعه إيران من العراق، في فترتها العصيبة الحالية وهي ترزح تحت حصار خانق وحراك شعبي مماثل للحراك الشعبي العراقي.
إذا رهان بعض الفئات العراقية على كسر المرجعية لعنق الزجاجة وإخراج العراق من هذه الإزمة، لم يعد سوى إحتكام حبة القمح إلى محكمة ترأس قضاتها دجاجة، والذي قابلته حكومة عبد المهدي، ومنذ الأيام الأولى للثورة، برهان كسر العظم والبطش وقنص المتظاهرين العزل وخطف المتظاهرات، وتأتي خطبة جمعة التاسع والعشرين من تشرين الثاني لتؤكد أن هذه المرجعية ليست سوى حليف لحكومة عبد المهدي وإيران وإن الشعب العراقي وثورته ليس بين حساباتها بالمطلق، بدليل أنها حتى لم تندد أو تستنكر المجزرتين اللتين مازالت دماء ضحاياها تفور على إسفلت شوارع الناصرية والنجف.
حكومة عادل عبد المهدي، وبمشورة الحليف الإيراني، تساوق بين رهانيّ عامل البندقية، عندما يشتد الخناق عليها، ورهان عامل الوقت ونفاد صبر المتظاهرين ونفاد دعم الشعب اللوجستي لهم، وكل هذا من أجل كسب الوقت، على أمل تفتت المظاهرات وعودة الشباب إلى البيوت، وهذا ما يضع الثوار وتنسيقيات قيادة الحراك أمام مأزق خيار المواجهة الصعب الذي لا ترغب به، كما تدلل سليمة التظاهرات عليه، والذي تعده قيادة التظاهرات المنزلق الأخطر، والذي لا قبل لها عليه، أمام ترسانة القوات الحكومية ومليشيات أحزابها المدججة بالسلاح والمشورة العسكرية الايرانية.. فبم سيواجه الثوار إرهاب الحكومة المتصاعد، وهو إرهاب دولة منظم ويمتلك كل الأدوات والوسائل؟ هل سيكون خيار المواجهة، الذي يدفع إرهاب الدولة بإتجاهه، أحد خيارات الثوار؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماكرون يستعرض رؤية فرنسا لأوروبا -القوة- قبيل الانتخابات الأ


.. تصعيد غير مسبوق على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية مع تزايد




.. ذا غارديان.. حشد القوات الإسرائيلية ونصب خيام الإيواء يشير إ


.. الأردن.. حقوقيون يطالبون بالإفراج عن موقوفين شاركوا في احتجا




.. القناة 12 الإسرائيلية: الاتفاق على صفقة جديدة مع حماس قد يؤد