الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحزاب السلطة وسقوط الغطاء الطائفي

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2019 / 12 / 6
السياسة والعلاقات الدولية


سامي البدري – كاتب عراقي
أفرز الشأن العراقي، ومنذ الغزو الأمريكي لهذا البلد، حالة مختلة في الوضع السياسي والإجتماعي، بسبب إعتماد الأحزاب السياسية، التي فرضتها الظروف المصاحبة لذلك الغزو أو قوة الغزو ذاتها، وبالذات بسبب التدخل والضغط الإيرانيين على تلك الأحزاب، (لأن أغلبها تشكل في إيران وبدعم منها)، بإعتماد هذه الأحزاب الغطاء الطائفي للهيمنة على السلطة ومراكز صناعة القرار السياسي والأقتصادي للعراق والتحكم بمصير هذا البلد في كافة سياساته وتوجهاته، في الداخل، وفي سياسته الخارجية تجاه دول الجوار العربية.
وسواء كان قرار المحتل الأمريكي، قد جاء بالإتفاق مع إيران أم لا، فإن تأسيس الطبقة السياسية التي خلفت حكم صدام حسين في العراق، على مبدأ المحاصصة الطائفية، منح الأحزاب الشيعية، إضافة إلى تفردها في الحكم، حرية إستثمار النعرة الطائفية في تدعيم قواعد بقائها في السلطة وهيمنتها السياسية والايديولوجية على الشارع الشعبي الشيعي، بالعزف له على موال المظلومية المذهبية، وعلى الشارع العراقي العام، بقوة الترهيب المسلحة، بعد أن أتاحت لها أموال الخزينة العراقية القدرة على توسيع مليشياتها الحزبية وتجهيزها بأحدث الأسلحة والمعدات وفرضها على عموم المحافظات العراقية، كرديف مسلح للجيش والأجهزة الأمنية. وبالنظر لهشاشة مؤسسة الجيش وقوات الشرطة، التي تأسست عقب الإحتلال، تمكنت هذه المليشيات من التحول إلى القوى المسلحة الفاعلة الأولى في العراق، وهذا ما مكنها من فرض توجهات أحزابها الطائفية على الشارع العراقي وتكريسها كواجبات وأهداف وطنية مقدسة لا تقبل الجدل، وقد تمكنت هذه الأحزاب من تمرير هذا النهج، تحت غطاء المظلومية الطائفية، طوال فترة الستة عشر عاما الماضية التي حكمت العراق فيها.
ورغم أن إعلام هذه الأحزاب، إضافة إلى رجال الحوزة الدينية الشيعية، كان قد مرر هذا الوضع على إنه الإسلوب الوحيد لإبقاء السلطة في يد المكون الشيعي، إلا أن ثورة الشباب العراقي التي يشهدها العراق حاليا، وأغلب ثائريها هم من الشيعة فعلا، أوضحت أن ثمة وعي وثقافة عراقية وطنية قد تبلورت من جديد، بعد تكشف زيف دعوات هذه الأحزاب وإتضاح حقيقة أهدافها ومراميها المنصبة على المنافع والمكاسب الشخصية والفئوية/الحزبية، وإحكام قبضة إيران، الأيديولوجية والسياسية والإقتصادية على العراق، وتحويله إلى ضيعة فارسية، لا يعلو فيها صوت على صوت الولي الفقيه الإيراني، الذي حرصت هذه الأحزاب ومليشياتها على رفع صوره، كقائد أعلى لها، في أغلب شوارع مدن العراق، وفي بغداد وكربلاء والنجف على وجه الخصوص، على إعتبار أن هذه المحافظات تمثل قيادة العراق الطائفي، أيديولوجيا وسياسيا، في عراق ما بعد الغزو الأمريكي.
إن ما أوضحته ثورة تشرين العراقية، وعبر الشعارات التي رفعتها في ساحات تظاهرها، هو الوعي الناضج لدى الشباب العراقي، في أن ما حصل ويحصل في العراق، خلال فترة حكم الأحزاب الطائفية، إنما هو نموذج ثان للشرخ والهيمنة الطائفية التي أسسها حزب الله في لبنان، تحت قيادة حسن نصرالله، وبدعم مباشر من إيران طبعا، وإنه ليس أكثر، في حقيقته، من كونه مشروعا لتأسيس دولة داخل الدولة وفرض سلطة هذه الدولة المصغرة على دولة الوطن الأم، بقوة سلاح وبطش مليشيا الحزب.. وفي النموذج العراقي، وكما كشفته الأحداث، خلال السنوات الأخيرة، فإن كل رئيس كل حزب وكتلة سياسية شيعية، قد صار دولة مصغرة ولها قوتها العسكرية التي تفرض قرارها على الحكومة والشارع العراقي، على حد سواء، وطبعا لها ميزانيتها التي تستوفى من خزينة الدولة العراقية، وإنها لا تخدم سوى مصالحها الفئوية ومصالح الجهة التي شكلتها وتوجهها في إيران.
شعارات الشباب الثائر في ساحة التحرير في بغداد، وإلى جانب تصرفات وسلوك هؤلاء الشباب (أغلبهم لم يتعد العشرين من عمره)، والمدعومة بنشاطاتهم الخدمية والفنية، في المساحة التي يشغلونها، أكدت على وروح ووعي وطني جديد ومغاير لكل طروحات أحزاب السلطة الطائفية، والذي يقوم على نبذ الروح الطائفية وإعلاء الولاء الوطني، متمثلا بوحدة الشعب، على أساس الولاء للعراق وحده، وأن ليس لأي ولاء عرقي أو طائفي أو مذهبي أن يعلو عليه.
وهذا يعني، في أول ما يعنيه، أن شباب الثورة العراقية، وإضافة إلى إسقاطهم لغطاء الطائفية عن عورة الأحزاب السياسية، فإن ثورتهم إنما تأتي لحماية العراق ومستقبله السياسي من تكريس مثال حزب الله اللبناني في العراق، وإعادة العراق إلى شكل ونموذج وطنية الدولة ومركزيتها، وأيضا حمايتها من أشكال التشرذم والإنقسامات وتعدد مراكز صنع القرار فيها، كما هو حاصل الآن في العراق، وطبعا كما هو حاصل في لبنان ويفرضه حزب الله الطائفي على الدولة اللبنانية، بقوة مليشياه، ومليشيا حزب أمل الطائفية المماثلة له في الأهداف والنوايا والسلوك.
وبناء على ما تقدم، فإننا نستطيع أن نقول أن ثورة نزع غطاء القشرة الطائفية في العراق وتعرية أحزابها، إنما هي ثورة وعي بالدرجة الأولى، وثورة ثقافية بالدرجة الثانية، لأنها أفرزت ثقافة وعي جديد، يقوم على المدنية والفصل الحقيقي بين الدين والدولة، بمطالبة شباب الثورة بإلغاء جميع الأحزاب، وخاصة الطائفية (المتأسسة على الأيدولوجيات الدينية)، ومطالبة رجال الدين الشيعة بالعودة إلى حوزتهم ومدارسهم وعدم التدخل في السياسة مرة أخرى، هذا إضافة إلى ترديد هؤلاء الشباب، وعبر تصريحات نشطاء تنسيقيات الثورة، بإصرارهم على تشريع قوانين تحرم الأحزاب بصورة عامة، والأحزاب الدينية بصورة خاصة، من أجل ضمان مدنية الدولة وحمايتها من الإنزلاق مرة أخرى إلى مستنقع الطائفية الذي ذاقوا صنوف ويلاته وعنت تخلفه وهمجيته.
ولعله من نافلة القول أن نذكر هنا، بأن ثورة الشعب اللبناني، التي تزامنت مع ثورة الشباب العراقي، هي بذات التوجه وتسعى لتحقيق نفس الأهداف، فهي وإضافة لأنها ثورة ضد ظلم الدولة الإقتصادي، فإنها ثورة ضد القانون الطائفي الذي يحكم لبنان ويضمنه دستورها بشكل مشرعن، وأن طوائف لبنان الثائرة، قد ذاقت صنوفا مضافة من التسلط الإيراني، على قرار الدولة اللبنانية ورسم سياساتها الداخلية والخارجية، عن طريق ذراعها أو دولتها الطائفية المصغرة (حزب الله) التي تشطر لبنان إلى دولتين، دولة الهيكل الوطني الخارجية، ودولة القرار الداخلية، (صوت حسن نصرالله الطائفي)، والذي طالما لوح بذراع مليشياه المسلحة لإرهاب الحكومة وفرض عليها رؤيته، وخاصة فيما يخص التدخلات الإيرانية في الدولة اللبنانية وسياساتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر