الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حِصَارُ السُّودان: تَضليلٌ مُستمر وخِيانةٌ مُتجدِّدة ..!

فيصل عوض حسن

2019 / 12 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


نَشَرَت صحيفة الراكوبة في 7 ديسمبر 2019 خبراً مُفزعاً، عن (التزام) الدكتور/حمدوك، في محاضرةٍ لمركز أبحاث المجلس الأطلسي، بدفع تعويضات لذوي ضحايا التفجيرات الإرهابيَّة المُقَرَّة ببعض المحاكم الأمريكيَّة، وأنَّه تَفاوَضَ (إنابةً عَنَّا/السُّودانيُّون) مع واشنطن بشأن صيغة الدفع، دون تفويضٍ شعبي، مُتحَجِّجاً بأنَّ ملف التعويضات يعوق مساعي إزالة السُّودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب!
لاشك مُطلقاً في الآثار/الانعكاسات (المُدمِّرة) للحِصار على السُّودان عموماً واقتصادنا خصوصاً، لكن هذا لا يعني أبداً (تَهَوُّر) حمدوك والتزامه، دون تفويضٍ شعبي، بدفع التعويضات المالِيَّة (الضخمة) التي قَرَّرتها بعض المحاكم الأمريكيَّة، لأُسَر ضحايا بعض الهجمات الإرهابِيَّة في بعض مناطق العالم، لأنَّ هذا (إقرارٌ) واضح بأنَّ بلادنا مُتورِّطة في تلك الهجمات، وأنَّنا نستحق العقوبات وتبعاتها التي لا قِبَلَ لنا بها الآن أو مُستقبلاً، وهي عقوبات/تَبَعَات لم ولن تنتهي بـ(دفع) التعويضات المالِيَّة، وستبقى (خِنجراً مسموماً) في خاصرتنا، وحجر عَثَرَة أمام أي تَقَدُّم/إصلاحٍ، سواء بَقِيَ حمدوك أو رحل، ولنتأمَّل ما جرى لليبيا في قضيَّة لوكربي، مع الفارق بين أوضاع/قدرات ليبيا الاقتصادِيَّة والمالِيَّة والسُّودان! ثُمَّ لماذا يتحمَّل السُّودانيُّون جرائم ومُغامرات المُتأسلمين، الذين (أقَرُّوا) مِراراً وتكراراً (صَراحةً)، بأنَّ العقوبات الأمريكيَّة مقصودٌ بها السُّودان (الأرض/الكيان والشعب)، وآخرها تلك إقرارات غندور في نوفمبر الماضي، والتي دَحَضَها الدكتور/زهير السراج في عموده الرَّاتب (مناظير) يوم 3 نوفمبر 2019، غير أنَّ غندور، وكعادة المُتأسلمين، قال بعض الحقيقة (المنكورة)، ولم يذكر (المُتسبِّب) في هذه العقوبات ومدى (تأثُّره) بها، وعلينا كشعب و(ضحايا) الإجابة على السؤال المحوري: "لماذا يُحَاصَرْ/يُعَاقَب السُّودان"؟!
تقول (الوقائع) التاريخيَّة (المُعَاشَة/المُوثَّقة)، أنَّ العداء الأمريكي للسُّودان، بدأ نتيجة الخطاب العدائي للمُتأسلمين عقب (سَرِقتهم) للسُلطة عام 1989، واستهدافهم (الظَّاهري) لأمريكا وروسيا والغرب عموماً، وتَصَاعَدَ عقب غزو العراق للكُويت وتأييد (المُتأسلمين) لذلك الغزو. وازداد العداءُ باحتضان الخرطوم للجماعات الإسْلَامَوِيَّة المنبوذة عالمياً وإقليمياً، فتمَّ إدراج السُّودان في قائمة الدول الرَّاعية للإرهاب عام 1993، وفي عام 1997 شَدَّدت أمريكا حصارها الاقتصادي على السُّودان، رغم مُغادرة أسامة بن لادن للبلاد عام 1996، تلا ذلك قصف مصنع الشفاء عام 1998 وتخفيض التمثيل الديبلوماسي، ثمَّ تصنيف السُّودان ضمن الدول التي يُمكن مُحاصرتها اقتصادياً عقب أحداث 11 سبتمبر 2001. وتأسيساً على ذلك، فإنَّ (المُتأسلمين) هم سبب الحصار/العقوبات على السُّودان، وبعبارةٍ أدَقَّ (صنعوه) من العَدَم بتصريحاتهم/مُمارساتهم (المُوثَّقة)، ولم يتأثروا به، سواء على صعيد الجماعة أو الأفراد، وإنَّما العكس تماماً.
فالحقيقة الوحيدة التي (يتناساها) الكِبَار و(تجهلها) أجيالنا الناشئة، أنَّ المُتأسلمين صنعوا هذه العقوبات، وعَزَّزوا تعاوُنهم مع الأمريكان في جميع المجالات، بما فيها الجوانب الأمنيَّة، طِبقاً لإقرارات الطرفين، خاصةً (غندور) حينما كان مُسْتَوْزِراً لخارجِيَّةِ المُتأسلمين، فضلاً عن تصريحات سفيرهم لصحيفة واشنطن تايمز في مايو 2016، والإقرار المُوثَّق لمدير أمنهم (قوش) في يناير 2014، وتأكيداته بأنَّ تعاوُنهم مع أمريكا (وثيقٌ جداً) وبإشراف البشير شخصياً. هذا بخلاف احتضان الخرطوم لأكبر سفارة أمريكيَّة بأفريقيا والشرق الأوسط، واستحواذ رؤوس الفجور الإسْلَامَوِي وأُسرهم على جوازاتٍ أمريكيَّة، وأسفارهم المُتلاحقة واستقرار العديدين منهم هناك وغيرها من مظاهر التعاوُن والتنسيق و(الانسجام)! ويُمكن القول، بأنَّ العُقوبات الأمريكيَّة واحدة من أكبر (خِيانات) المُتأسلمين للسُّودان، جَسَّدوا فيها (عُصَارة) جوهر ومضامين أُسلوب الإدارة بالأزمات Management by Crisis، واستراتيجيات تشومسكي (الشيطانِيَّة) بدءاً بالإلهاء وخلق المُشكلة وإيجاد الحل، والتَدَرُّج والتأجيل، مروراً بمُخاطبة العَامَّة كالأطفال، واستخدام العاطفة دون التأمُّل، وإضعاف جودة التعليم والتعايُش مع الجهل، وانتهاءً بتوسعة الفجوة المعرفيَّة بين العامَّة والحاكمين وتعميق الشعور الذاتي بالذنب. وبعبارةٍ أُخرى، خَانَ المُتأسلمون السُّودان لصالح الأمريكان، واتَّخذوا الحصار حُجَّةً لتبرير تلك الخيانة، تحقيقاً لأهدافٍ (خَفِيَّة)، يُمكن إدراكها بالتأمُّل والتفكير في جُملة المُمارسات والتصريحات الإسْلَامَوِيَّة/الأمريكيَّة، ومُحصِّلتها النِهائيَّة.
تبعاً لنتائج/لانعكاسات الحِصار الكارثِيَّةِ، فإنَّ هدفه (الخِفِيِّ) الأوَّل نهب/تدمير مُقدَّراتنا ومواردنا الوطنِيَّة، كالخطوط الجَوِيَّة والبحريَّة والسكك الحديديَّة والنقل النهري، ومشروع الجزيرة وقطاع الخدمات (السياحة/الاتصالات)، ولقد بِيْعَتْ جميع هذه المُقدَّرات بأبخسِ الأثمان، لدولٍ وجماعاتٍ وأفراد يُدينون بالولاء لأمريكا وحُلفائها. وتَرَاجَعَت الزراعة لغياب مُدخلات الإنتاج وتقاناته، التي استبدلها المُتأسلمون بأُخرى مُدمِّرة (حالة القطن المُحوَّر)، ورُهِنَت وبِيْعَتْ أنجح المشاريع والأراضي الزراعيَّة لأزلام أمريكا وأذرعها بحِجَّة (الحصار)! وبسببه أيضاً، تَعَثَّرَتْ البعثات والمِنَحْ الدراسيَّة التي كانت مُتاحة لعامَّة أهل السُّودان، واستفاد منها عددٌ من رؤوس الفجور الإسْلَامَوي، وتَعَطَّلَت عمليات استيراد أدوات المعامل والمُختبرات، ومُتطلَّبات العمليَّة التعليميَّة بصفةٍ عامَّة، واختلَّ العمل المصرفي والتنموي، تبعاً لسيطرة أمريكا على مُؤسَّسات المال والتنمية العالميَّة، كصندوق النقد والبنك الدوليين والإيفاد والفاو، وغيرها من مُؤسَّسات التمويل والتنمية.
الهدفُ الخَفِيُّ الثاني للحِصار هو تمزيق وتفكيك السُّودان البلاد، ومن ذلك انفصال الجنوب وفقاً لإقرار كلٍ من المُتأسلمين والأمريكان، ومن شاركوهم في تلك الخيانة التاريخيَّة/الإنسانِيَّة، حيث أتت اتفاقيَّة نيفاشا برعاية وضغط الأمريكان، الذين استخدموا (جَزَرَة/عَصا) الحِصَار للتوقيع عليها، وهذا ما يجري تكراره الآن في ما تَبقَّى من السُّودان! وبالنظر لتجربتنا السابقة والمريرة مع الوعود الأمريكيَّة، فإنَّ الحديث المُتزايد (حالياً) عن إزالة اسم بلادنا من قائمة ما يُسمَّى إرهاب، وربطه بتحقيق السلام والتنمية (المزعومة)، ما هو الا تهيئة/تمهيد لفَصلِ المزيد من المناطق. ولو تأمَّلنا الصراع المُتصاعد وغير المُبرَّر، بكلٍ من دارفور والمنطقتين، وصناعة (الجنجويد) للفِتَن والصراعات في شرق السُّودان، بتجنيد/استقطاب بعض الإثنيات دون غيرها، نجدها جميعاً مُمارساتٌ (استفزازيَّة)، تهدف لاستثارة أهلنا بتلك الأقاليم/المناطق، ودَفْعِهم بإصرار نحو الانفصال، وتأييد (مُطالبات) تُجَّار الحرب، المُتدثِّرة بالنضال (ظاهرياً)، والرَّامِية (في جوهرها) لتمزيق ما تَبَقَّى من بلادنا، على غرار ما حدث بالجنوب سابقاً، حيث مَارَسَ المُتأسلمون ضغوطاً كبيرة على الأخوة الجنوبيين عقب نيفاشا، ووجد المُتاجرون الفُرصة لـ(تزيين) الانفصال ووقع المحظور، وها هم نفس (الخَوَنَة) يُكرِّرون ذات الخيانة!
هذه أمور (مُوثَّقة) يصعُب إنكارها، ويُدركها الشخص العادي، مما يُثير التساؤُل عن مُبررات مُمارسات/تصريحات الدكتور حمدوك، والتزامه (دون تفويضٍ شعبي) بدفع تعويضات لا قِبَلَ لنا بها، وفي جرائمٍ لم نرتكبها من أساسه! وبدلاً من تصريحاته (الكارِثِيَّة) هذه، وسفرياته (المُكلِّفة) وغير المُنسَّقة كرحلته الأخيرة لأمريكا، دون معرفته المُسبقة بوجود كبار مسئوليها وقت الزيارة من عدمه، ليت الدكتور حمدوك يُلبِّي بعض المُتطلَّبات/الشروط الأمريكيَّة (المُعلَنة) لرفع عقوباتها المفروضة على السُّودان، كالبدء الفعلي/الجاد بتنفيذ العدالة عبر تسليم البشير ومُعاونيه للجنائِيَّة الدَوْلِيَّة، ومُحاسبة ومُحاكمة مُرتكبي جرائم الإبادة الجماعِيَّة والجرائم ضد عموم أهل السُّودان، واقتلاع جذور الإرهاب المُنطلقة أساساً من الكُتَل الإسْلَامَوِيَّة بمُسمَّياتها المُختلفة، وحَسْم جميع مظاهر التطرُّف ومنابر الكراهِيَّة المُوجَّهة للسُّودان وأهله أو للعالم الخارجي، وهذه هي بعض المُتطلَّبات المُفترض على حمدوك القيام بها، وليس التصريحات المُضلِّلة التي تُعمِّق أزماتنا وتزيدها تعقيداً.
أقول لأهلي السُّودانيين، أنَّ الأمريكان لن يرفعوا عقوباتهم مالم يُكْمِلوا مُخطَّطاتهم، وقبل الفرح بترفيع السفراء وغيرها من الإلهاءات، علينا (التذكير الدائم) بصانِعي الحصار، وكيفيَّة مُحاسبتهم ومُحاكمتهم على انعكاساته الكارثيَّة، ومعرفة وقياس مدى استفادتنا كـ(دولةٍ/شعب) من رفع ذلك الحصار، بصورةٍ علميَّةٍ (واقعيَّة) بعيداً عن العواطف والضجيج، والتكاليف الباهظة التي دفعناها سابقاً، وما قد ندفعه بشكلٍ مُضاعف مُستقبلاً.. وللحديث بِقِيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالفيديو - لحظة إنقاذ قطة تشبثت بباب سيارة خلال فيضانات الإم


.. استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، أي تداعيات لها؟| المسائية




.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات جديدة على إيران


.. لماذا أجلت إسرائيل ردها على الهجوم الإيراني؟ • فرانس 24




.. مواطن يهاجم رئيسة المفوضية الأوروبية: دماء أطفال غزة على يدك