الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التونسيون ومدرسة التاريخ.

فريد العليبي

2019 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


يسود اعتقاد لدى أكثر التونسيين أن بلدهم الآن في أسوء أيامه ، لما عليه وضعهم السياسي من بؤس ، وحالتهم الاقتصادية الاجتماعية من اضطراب ، ويتفاقم لديهم الخوف من المستقبل ، ولكنهم رغم ذلك يتعلمون دروس التاريخ ويرسمون طريقهم الى الحرية ، فقد اتسع نطاق تجاربهم السياسية خلال السنوات الأخيرة واصبح ايقاعها أسرع فأسرع ، ففي زمن الانتفاضات تُطوى السنوات طيا وتمر الأيام مُرور السحاب ، وكلما تراكمت تجارب السنين كلما أصبح التفكير أشد عمقا واقتربت شمس الحرية من موعد بزوغها ، فمعاينة ومعايشة الأحزاب السياسية بمواقفها وأعمالها ، يُمكن من تصنيفها وترتيبها والحكم لها أو عليها والتعرف شيئا فشيئا على أصدقاء الشعب وأعدائه ، والويل لمن لا يحضر الدروس ، فقبل سنوات كان قسم من التونسيين ينظر الى حركة النهضة كملاك قبل اكتشاف مكرها ، متهمين إياها باتخاذ الدين تجارة تدر عليها الأرباح .
ومن هنا أهمية افساح المجال أمام التونسيين عامة كي يتعلموا من تجاربهم دروس الحرية ، التي اذا ما ترسخت في الأذهان والأعمال أضحى من الصعب اقتلاعها فالحرية تنبع من داخل الفرد أو الطبقة أو الشعب ولا تأتي من الخارج ، وهي لا تُفرض فرضا فالناس لا يُقادون الى الجنة بالسلاسل، إنها نتاج عملهم وفكرهم وثمرة من ثمار تجاربهم، وعندما لا يتعبون ويشقون لأجل الحصول عليها يُفرطون فيها بابخس ثمن.
ومن الطرائف التي تُروى على هذا الصعيد أنه عندما قام جمال عبد الناصر في مصر خلال الخمسينات من القرن الماضي بإصلاح زراعي مُحددا سقف الملكية مُوزعا الأرض على فقراء الفلاحين ،تناهى الى سمعه أن بعض هؤلاء كانوا يجنُون المحصُول نهارا وينقلونه الى الاقطاعي ليلا لاعتقادهم أن ما منحهم إياه مال حرام يجب رده الى صاحبه . ولا أعرف ما إن كان صحيحا ما جرى تداوله من أن موريتانيا عندما منعت العبُودية ، خرج العبيد مُتظاهرين للإبقاء عليها ، لاعتقادهم أن في زوالها زوال مورد رزقهم الوحيد. وفي الحالتين نزلت الحرية من السماء فأنكرها مُعذبو الأرض ولم يتعرفوا عليها.
و في المُقابل تتطلب الأمر في العراق الحالية سنوات قليلة من حكم أمراء الطوائف قبل أن يُصبح شيوخ دين من بين الكافرين بالطائفية والداعين الى الكف عن خلط الدين بالسياسة ، كما انتبه أوسع الشعب الى أن الدين لله والوطن للجميع، وهو الدرس نفسه الخارج من أرض اللبنانيين وحناجرهم هذه الأيام .
وهذا ما أدركه يوما الفلسطيني جورج حبش ،الذي قال عن الاخوان المسلمين أتركوا الشعب يتعرف عليهم ولن يلبث أن يتحرر من قيدهم ، فقد حنكت ذلك القائد تجارب العمل الفدائي في أزهى أيامه ، قبل أن يأتي البترودولار ليشتري الذمم ويزرع الجهاديين بديلا عن الفدائيين ، فعرف الى أين تسير الرياح ، مُفضلا طريق خلاص الشعب بالشعب نفسه ، على طريق خلاصه بالمُنقذين والمُسعفين . وهو نفس ما نصح به التنويري السوداني محمود محمد طه بقوله : "
“ومن الأفضل للشعب السوداني أن يمر بتجربة حكم جماعة الهوس الديني. وسوف تكون تجربة مفيدة للغاية. إذ أنها بلا شك ستبين لأبناء هذا الشعب مدى زيف شعارات هذه الجماعة. وسوف تسيطر هذه الجماعة على السودان سياسياً واقتصادياً حتى ولو بالوسائل العسكرية. وسوف يذيقون الشعب الأمرين. وسوف يدخلون البلاد في فتنة تحيل نهارها إلى ليل. وسوف تنتهي فيما بينهم. وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعاً.”
لقد غدت الثورة حقا من حقوق التونسيين غير القابل للانتزاع تحت أية ذريعة ، حتى أن الكل يلهج بها اليوم ، وستظل مُتجددة وحية في وجدانهم ، كما أنهم لن يتوقفوا على النظر الى الدساتير والحكومات والبرلمانات على أنها زائلة ، بينما الشعب وحده باق ، يهز بقبضته ما يبدو راسخا منها ، فعندما تُصبح قيدا على تطوره فإنه يُسارع الى تحطيمها ، فقد غدت الحرية والثورة توأمان لا يفترقان.
وليس أمامهم الآن غير استبدال الخوف بالشجاعة واليأس بالأمل ، فالتاريخ نهر دائم السيلان ، والبشر هم من يحفر مجراه بتصميمهم على الانتصار وعدم الاستسلام أمام المحن، و الهزائم كثيرا ما تكون أسبابها نائمة في المهزومين أنفسهم ، كما الانتصارات أيضا ، التي تتطلب أولا وأخيرا ثقة الشعب بقدرته على اقتحام السماء وهز الجبال لصون الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بمشاركة بلينكن..محادثات عربية -غربية حول غزة في الرياض


.. لبنان - إسرائيل: تصعيد بلا حدود؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. أوروبا: لماذا ينزل ماكرون إلى الحلبة من جديد؟ • فرانس 24 / F


.. شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف




.. البحر الأحمر يشتعل مجدداً.. فهل يضرب الحوثيون قاعدة أميركا ف