الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بناتي واللغة العربية ..

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2019 / 12 / 11
الادب والفن


وفق المعايير الكلاسيكية لقياس مدى تمكن الشخص من اللغة العربية ، كما تعلمنا في مدارس قمع التفكير، فإن على الطالب أن يحفظ غيباً ، أشعاراَ من الادب القديم ، ويستعيدُ مع شعراء "الزمن الجميل" ، أي شعراء العصر الجاهلي ومن تلاهم ، أمجاداً وفخرا ، مديحاً وهجاء، غزلا وبكاءً على الأطلال ..
وبقدر ما تُسعفني ذاكرتي "التنكية" (ألتي اعتراها الصدأُ)، فقد أُجبرنا على حفظ الإعراب غيبا ، وتم امتحاننا بحفظ أشعار لا تعني لنا شيئاً... واليوم وبعد مرور سنين طوال ، بالكاد أذكر مبادئ أساسية في النحو ، وقليلا من الشعر ..
وبناءً على معيار الحفظ غيبا ، فقد كنتُ من المجيدين ، لكنني لو أردتُ تطبيق هذا المعيار على بناتي ، لحصلن بالكاد على درجة نجاح في هذا الامتحان ... ومع ذلك..
ثلاثٌ من بناتي الأربع ، يقمن بتدريس اللغة العربية ، لكن بأساليب مبتكرة وجديدة، لغير العرب ...
فابنتي الفنانة يارا ، تُشاركُ ولمدة سنة في تعليم اللغة العربية في كلية ميرسي – نيو يورك ، من خلال برنامج تبادل علمي ، وهو برنامج فولبرايت .. والذي يُعتبرُ القبول له ، أمراً في غاية الصعوبة ، وذلك لأنه يتم اختبار القدرات العلمية لدى المتقدم ، وخاصة في اللغة الإنجليزية ، ومن ثم تتم إجراء مقابلات مع لجنة القبول للبرنامج والتي تفحص المهارات في التواصل والقدرات الخاصة والمميزة لكل متقدم .
وخلال الفصل الدراسي الثاني في كلية ميرسي – نيو يورك ، ستقوم يارا بتدريس اللغة العربية للطلاب الامريكان ، بواسطة الفن والألعاب ، وهو أمر جديد في أساليب التدريس ... وقد نشرت الكلية ملصقا في جنباتها تدعو الطلاب للالتحاق بالدروس التي ستقدمها يارا في تعليم اللغة والثقافة العربيتين ، والمشاركة هي من ضمن متطلبات الدراسة ، أي إلزامية .
وكانت الجامعة قد نوهت في الملصق بأن هذه الدروس، ستقدمها "البروفسور" يارا محاجنة ... وكم فرحنا وضحكنا وتندرنا على يارا التي حصلت على لقب بروفسور وهي التي انهت السنة الأولى فقط من دراستها للقب الثاني في الفنون التشكيلية .
أما أفنان القاسم (سامع يا أستاذ افنان)، وهي الثالثة في ترتيب البنات ، فتعمل في تدريس اللغة العربية العامية ، للراغبين من الشباب والصبايا اليهود في مدينة تل – ابيب ، في إطار مدرسة هناك ، تُطلق على اسمها "مدرسة فنجان " ، وتستعين أفنان في تدريسها للعامية الفلسطينية بالفكاهة ، كوسيلة تعليم ، حتى أنّ من يُشاهد الدرس ، يشعر وكأنه في عرض لفنان "ستاند- اب كوميدي" ، ودروسها تحظى بمشاركة كبيرة.
بحيث أن المدرسة قد وضعت على صفحتها في وسائل التواصل الاجتماعي ، مقطعا مصورا طويلا، من صف أفنان ، وذلك كدعاية للمدرسة، وكتبت على الصفحة بأن أفنان تمتاز بالإضافة الى الروح المرحة ، بمهارات تواصل ومهارات تعليمية ، بحيث يُضطر الطلاب الى التكلم بالعربية أثناء الدرس ، وهم في العادة يهربون الى لغتهم الأم إذا أرادوا الإستفسار عن شيء لم يفهموه .
أما صغيرتي " وجد القاسم" ، والتي تدرس في المدرسة الثانوية الدولية في كامبوس "غبعات حبيبة" ، فهي تدرس اللغة العربية للطلاب الأجانب واليهود في المدرسة ، والذين أختاروا تعلم اللغة العربية ، كلغة ثانية.
أما كُبرى بناتي ، مهندسة الماء والحاصلة على الماجستير في إدارة الموارد المائية ، والتي تعمل في معهد أبحاث كبير ومشهور عالميا ، في هولندا، فإنها وإضافة الى عملها كباحثة ومستشارة في المعهد، فإن كل عمل في المعهد يحتاج الى اللغة العربية ،فإن أصالة قاسم هي العنوان ..
إذن ، تعليم العربية للأجانب ، يحتاج في المكان الأول ،إلى مهارات ، ليست بالضرورة " قواعد النحو والصرف" ، ولا إلى "الجمل الفخمة" والأشعار الموزونة ، المطلوب أولا وقبل كل شيء ، مهارات يُمكن بواسطتها تحبيب اللغة العربية الى الطلاب وجعلها في متناول الفهم "واليد". وتسهيل الوصول الى اللغة بآليات مبتكرة ، يساهم في كسر التفكير النمطي ، ويُقرب بين الثقافات الإنسانية، بعيدا عن التزمت "اللغوي".
ولمن يتساءل ، نعم لدي إبن ذكر وهو ابني البكر ، ويعمل كمهندس برمجة حاسوب ، يعمل في شركة برمجة ، وقد يبدأ هو الآخر في تعليم زملائه المهندسين اليهود ، اللغة العربية العامية ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ما أروع أفنان وأخواتها أصالة ويارا ووجد!
أفنان القاسم ( 2019 / 12 / 11 - 22:26 )
أنا شعرت بهن كبناتي لأنهن كلهن قاسم ولأنهن كلهن زميلاتي في تعليم اللغة العربية... سلم لي كتير على الجميع أخوهن لا أنساه...


2 - صباحك فل وياسمين
قاسم حسن محاجنة ( 2019 / 12 / 12 - 07:51 )
كيفك وكيف الحال..
شكرا على التحية والسلام -لسميتك اللي اسمها على اسمك-هههه ولأخواتها..
وسيوصل السلام قريبا..
لك كل الحب


3 - يعطيك العافية
ابو احمد الشمري ( 2019 / 12 / 12 - 23:54 )
لقد افرحتني استاذ قاسم و اجبرت الابتسامة على زيارتي رغم الجو الفاقع من القتل و القمع و الاختطاف الذي نعيشه في بلدي العراق. و كان مرور و تعليق الاستاذ قاسم افنان ذو نكهة مميزة و خاصة. فشكرا لكما و دمتم اصحاء سعداء

اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا