الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القراءة الماركسية لثورة أكتوبر الإشتراكية (5)

فؤاد النمري

2019 / 12 / 12
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


القراءة الماركسية لثورة أكتوبر الإشتراكية (5)

بوصول مجرم الحرب هاري ترومان إلى سدة الرئاسة إثر رحيل الرئيس الأميركي الأعظم فرانكلين روزفلت في 13 ابريل 45 انقلبت السياسة العامة للولايات المتحدة من سياسة صداقة وتعاون مع الإتحاد السوفياتي إلى سياسة عدائية وكراهية بالرغم من أن الولايات المتحدة ما كانت لتنتصر على اليابان وحتى باستخدام السلاح النووي ضد المدنيين في هيروشيما وناغازاكي بغير المساعدة السوفياتية حيث قام الجيش الأحمر بإبادة كامل القوى البرية لليابان في منشوريا وعدادها مليون جنديا فيما بين 10 – 30 اغسطس 45 . في العام 47 أعلن مشروع مارشال وزير خارجية ترومان لمقاومة الشيوعية في أوروبا الغربية حيث أخذت الشعوب تميل لصالح النظام السوفياتي وما أبداه من قوى خارقة بالقياس مع الدول الغربية التي لم تجرؤ على مواجهة النازية فكان أن أنفق ترومان 12.5 مليار دولارا في دول اوروبا الغربية لمقاومة الشيوعية وهو ما يعادل اليوم 300 مليار دولار بدل أن كان روزفلت قد وعد ستالين في مؤتمر يالطا، يناير 45، بقرض يصل لعشرة مليارات دولار . وفي نفس العام 47 أقام ترومان مؤسسة الإستخبارات الأميركية (CIA) ووظيفتها الأولى مقاومة الشيوعية وكان أول تقرير تكتبه هذه المنظمة يقول .. كان بإمكان الجيش الأحمر ألا يتوقف في برلين بل يستمر في التقدم إلى الغرب حتى الوصول إلى واشنطن . قد يقال أن التقرير كتب ليحاكي سياسة إدارة ترومان في الحرب على الشيوعية إلا أن وقائع الحرب لا تنفي مثل هذا الإحتمال بغير استبعاد الخلق الرفيع لتحالف الشيوعيين وبالأخص يوسف ستالين . كان ستالين القائد الأعلى للجيوش السوفياتية قد أمر بفتح أكبر معركة في تاريخ الحروب في 12 يناير 45 من أجل إنقاذ جيوش النورماندي من الحصار الذي تهددها بالإبادة التامة في عقدة جبال "الجاردن" في شمال شرق فرنسا . بل وكتب بعض المراقبين الأمريكان أن عدو الشيوعية رقم واحد هاري ترومان كان قد تذلل في مؤتمر بوتسدام، يوليو 45 ليوسف ستالين من أجل مساعدته في الحرب على اليابان - كيف يمكن إذاك أن يتخيل أحدهم غزو الجيوش السوفياتية للولايات المتحدة !؟
بعيداً عن معايير العمل السياسي للشيوعيين كانت القوى السوفياتية في نهاية الحرب العالمية الثانية تستطيع احتلال كل أقاصي الأرض لكن مبادئ الشيوعية هي دائما ضد العسكرة وضد الحرب وقد لحق بالإتحاد السوفياتي خسائر هائلة جرّاء ذلك . وأخيراً عندما شكلت إدارة ترومان مع حكومة حزب العمال البريطانية حلف شمال الأطلسي في العام 49 كان رد ستالين الساخر .."لن نحاربكم لكننا سنتغلب عليكم بالمنافسة السلمية" .
فيما بعد إعادة الإعمار الهائلة بمختلف المقاييس كانت السياسة العامة للإتحاد السوفياتي تتركز في الحفاظ على السلم الدولي، ولم يرَ ستالين أية مخاطر خارجية على الثورة الإشتراكية وتطور الإتحاد السوفياتي ؛ لكن بالمقابل برزت هناك أخطار حقيقية داخل الإتحاد السوفياتي تتهدد مصائر المشروع اللينيني في الثورة الإشتراكية العالمية . كان بفعل الحرب ومواجهة العدوان الغادر قد تحول الإقتصاد الإشتراكي المدني إلى اقتصاد حرب، وكان الحزب الشيوعي الممسك بزمام السلطة في دولة دكتاتورية البروليتاريا قد انقطع عن العمل الشيوعي منذ العام 38 وحتى العام 52، وكان من الطبيعي أن تلحق خسائر هائلة بطبقة البروليتاريا وهي الطبقة المسؤولة عن حماية النظام مما انعكس خلخلة في هيكلة المجتمع السوفياتي لصالح طبقة اليورجوازية الوضيعة المتمثلة بطليعتها الجيش .

في العام 51 وجد ستالين نفسه الشيوعي الوحيد في العالم وأن من أولى واجباته، وهو من هو، بلا حزب شيوعي بمثل ما كان الحزب قبل الحرب وبلا طبقة بروليتاريا بمثل ما كانت البروليتاريا قبل الحرب وبجيش عرمرم والعسكر بطبيعتهم ضد الإشتراكية، من أولى واجباته حراسة الثورة الإشتراكية بل وتطويرها حتى انتصارها على صعيد العالم كما كان قد توعّد في العام 49 . في البحث عن سبل ذلك دعا لأول مرة في تاريخ الحزب لعقد ندوة يشارك فيها قادة الحزب والدولة ومختلف الأخصائيين في الإقتصاد للبحث في "المسائل الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي" . وكان ذلك إشارة هامة على صعوبة الأزمة التي تواجه التطور الإشتراكي . جرى نقاش طويل عريض في تلك الندوة لكن ستالين لم يجد فيها ما يمكن أن يساعد على اجتياز تلك الأزمة، أزمة استئناف عبور الإشتراكية .
ما شهد على عبقرية ستالين الشيوعية هو ما أتى به من جديد في المؤتمر العام التاسع عشر للحزب الشيوعي في موسكو في أكتوبر 52 . جاء ستالين بالخطة الخمسية الخامسة العملاقة التي كانت ستنقل الإقتصاد الحربي "الثقيل" إلى الإقتصاد المدني "الخفيف"، وتدل كافة الأرقام الواردة فيها إلى أن الإتحاد السوفياتي سيكون في العام 55 على عتبة الشيوعية ليكون أغنى دولة في العالم وأكثرها رفاهاً . وجاء ستالين بمشروع آخر وهو إعفاء كامل قيادة الحزب القديمة واستبدالها بقادة جدد من الشباب شديدي العزم والحماس لتحقيق الشيوعية .
وافق المؤتمر على الخطة الخمسية لكنه لم يوافق على تغيير القيادة وأعاد انتخاب جميعهم مما أحبط ستالين فعاد يؤكد الأخطار المحيقة بالبلاد بذات القيادة، فكان أن قرر المندوبون مضاعفة عدد أعضاء المكتب السياسي وانتخاب اثني عشر عضواُ جديداً . ذلك بالضبط هو ما أدى إلى انهيار الإتحاد السوفياتي وهو ما كان قد حذر منه ستالين في المؤتمر .
ثلاثة من القيادة القديمة هم بيريا ومالنكوف وخروشتشوف قاموا باغتيال ستالين بالسم أثناء العشاء في 28 فبراير 53 وهو من كان سيعفيهم من القيادة، وقبل أن يدفن ستالين في 6 مارس اجتمع المتآمرون وقرروا إبطال انتخاب الأعضاء الجدد في المكتب السياسي، وبعد بضعة شهور قرروا إلغاء الخطة الخمسية والإبقاء على صناعة الأسلحة . وهكذا ألغيت كل التدابير التي وفرها ستالين لعبور أزمة استئناف عبور الإشتراكية . لا يمكن الإفتراض أن أولئك المتآمرين كانوا قادرين على اتخاذ مثل تلك القرارات المنافية للقوانين والأعراف السائدة بغير تعليمات من قيادة الجيش وقد غدا بعد غياب ستالين مركز القوى الرئيس وليس الحزب الشيوعي بقادة كانت قد لزمت إحالتهم على التقاعد .

لا يجوز لأي مؤرخ أو باحث استراتيجي كانت ما كانت توجهاته الفكرية ألا يتوقف بملاءة تامة عند بداية النصف الثاني من لقرن العشرين حيث كانت مختلف القوى التي انتهت بها الحرب العالمية تبحث في مستقراتها وسبل تطورها .
كان الإتحاد السوفيتي أكبر تلك القوى يبحث في استئناف عبور الإشتراكية . وكانت الولايات المتحدة تبحث في استعداداتها لمقاومة الشيوعية . وللمفارقة كان حزب المحافظين بقيادة تشيرتشل يبحث في إقامة تحالف ثقافي من الدول الناطقة بالإنجليزية بينما كان حزب العمال المخترق من قبل المخابرات الأميركية يلاقي إدارة ترومان بتشكيل حلف شمال الأطلسي لمعاداة الشيوعية والحفاظ على فلول النظام الرأسمالي . وكانت شعوب المستعمرات بقيادة البورجوازية الوطنية تتحرك للحصول على الإستقلال .
ما من فكر سياسي يمكن الإعتماد عليه دون أن يتوقف بملاءة تامة عند مستقرات هذه القوى المتضاربة التي انتهت بها الحرب العالمية الثانية واستجلاء ما انتهت إليه، إذا ما انتهت جميعها إلى صناعة الأزمة المستفحلة التي تمسك بخناق العالم اليوم أو فيما يرى بعضهم بصناعة النظام العالمي اليوم المزدهر واسع الرخاء .

(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سؤال
رائد محمد نوري ( 2019 / 12 / 12 - 21:12 )
لماذا سعى حزب العمال البريطاني الذي كان من المفترض أن يكون الأقرب إلى السوفيت من المحافظين لمعاداة السوفيت في حين كان تشيرشل الرأسمالي يدافع عن الرفيق ستالين؟
تحياتي


2 - استغلال الجيش السوفيتي
منير كريم ( 2019 / 12 / 13 - 05:30 )
تحية للاستاذ فؤاد
عن اذنك اود ان اجيب على سؤال السيد رائد
شرشل لايحب الروس ولا يحب ستالين بل كان الامر تكتيكا لاستخدام الجيش السوفيتي في المعارك البرية لاقصى ما يمكن ضد المانيا الهتلرية عدو الغرب اللدود انذاك لتقليل الخسائر الغربية وقد حققت امريكا وبريطانيا هذا الهدف وهذا ما غفل عنه ستالين
ومصداقا لذلك فان شرشل نفسه هو من اعلن بعيد الحرب الثانية بداية الحرب الباردة على الاتحاد السوفيتي
شكرا لكم
شكرا للحوار المتمدن


3 - الرفيق العزيز رائد محمد نوري
فؤاد النمري ( 2019 / 12 / 13 - 05:34 )
لدى انعقاد الجلسة الأولى لمؤتمر يالطا في 4 شباط 45 حمل تشيرتشل بشرى لستالين يقول أن الشعب البريطاني تحول إلى اليسار ولن يعيد انتخاب تشيرتشل ولما لم يستقبل ستالين بشرى تشيرتشل تساءل روزفلت .. لماذا لا تعجبك بشرى تشيرتشل يا رفيق ستالين ؟
ستالين لم يجب
قراءتي من بعيد تقول هي أن الرفيق ستالين كان يعلم تماماً أن الرجل الثاني في حزب العمال وهو ايرنست بيفان كان عميلاً مأجوراً لمكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي وكان بواسطة الأموال التي يقبضها ذا نفوذ في الحزب أقوى من الرئيس كلمنت أتلي
وزير الخارجية بيفان هو من اسس حلف شمال الأطلسي ومن أسس فرع المخابرات المعادي للشيوعية (ام آي سكس) ولهذا الفرع قدم التروتسكي جورج أورويل مذكرت التي تحوي على اسماء جميع الشيوعيين الذين عرفهم

تحياتي البولشفية


4 - الصديق العزيز منير كريم
فؤاد النمري ( 2019 / 12 / 13 - 13:29 )
قبل بضع ساعات بعثت تعليقا@ على تعليقك أعلاه ولم ينشر للأسف
قلت في تعليقي أنني كنت أقول ما تقول عن تشيرتشل أما اليوم بعد ثلاثين عاما من البحث والدراسة أقول العس تماماً

كان تشيرتشل يؤكد لستالين أن أي جبهة غربية تقوم بفتحا بريطانيا وأميركا بكل قواهماالمتاحة لن تكون أكثر من لقمة سائغة للغول النتزي ولن تخفف العبئ على الجبهة السوفياتية وهو مالا ثبت عملياً حيث إنزال النورماندي احتاج مساعدة من السوفيات كيلا يبيد تماماً

ما اكتشفته أخيراً أن أحداً في العالم لم يحب ستالين كما أحبه تشيرتشل
أنا على ثقة تامة بأن تشيرتشل كان حالما ينهض من النوم خلال الحرب يصلي للرب بأن يحفظ ستالين ولا غرابة في ذلك فالحقيقة الثابتة أنه لولا ستالين شخصياً لتمكن هتلر من احتلال بريطانيا وجعلها مستعمرة جرمانية
ذلك ما كتبه الملك جورج وونستون تشيرتشل في مذكرة لستالين يقولان فيها أن شعوب بريطانيا لن تنسى أفضال السوفيات في الحفاظ على حريتها
وقدم مع المذكرة سيف الملك جورج المرصع بالجواهر وقد نقش عليه-إلى الذين قدت قلوبهم من الفولاذ
السيف معروضىفي المتحف الحربي فير موسكو


5 - شكرا جزيلا
منير كريم ( 2019 / 12 / 13 - 15:14 )
تحية للاستاذ فؤاد المحترم
شكرا على ردك واعتقد اننا لم نختلف في هذه النقطة كثيرا
نعمت مساء


6 - تشيرشل
رائد محمد نوري ( 2019 / 12 / 14 - 21:14 )
إلى الأستاذ كريم:
لكن تشيرشل لم يكن محتاجاً للدفاع عن ستالين في الذكرى المئوية لميلاده حين دافع عنه في خطابه أمام مجلس العموم فوقتها كان ستالين قد ذهب ضحية شره البرجوازية الوضيعة إذ قتل بالسم على يد رفاقه!
فبم تفسر ذلك الدفاع عنه بعد الحرب العالمية بأكثر من عشر سنين؟
جوابك أستاذ منير كريم لم يقنعني


7 - معلومة أخرى في هذا السياق
فؤاد النمري ( 2019 / 12 / 15 - 04:00 )
بعد أن رفضت الدول الرأسمالية الكبرى الثلاث عقد تحالف مع الإتحاد السوفياتي ضد النازية إضطر الإتحاد السوفياتي أن يعقد مع هتلر اتفاقية عدم اعتداء (مولوتوف - رابنتروب) أغسطس 39
أثناء المحادثات التقى مولوتوف بهتلر فكان أن عرض هتلر تحالفاً عسكريا يستهدف احتلال بريطانيا ومستعمراتها وتقسيمها بالتناصف بين الطرفين وطلب هتلر أن يأتيه الجواب من ستالين
بالطبع لم يلتفت ستالين لمثل ذلك العرض العدواني السخيف لكنني أقدر أن مولوتوف خلال اجتماعاته الشخصية مع تشيرتشل أن أعلمه بعرض هتلر حول احتلال بريطانيا وهو ما يثير التقدير الكبير من تشيرتشل لستالين حتى أنه لم يجد مثيلاً له من أبناء البشرية كما جاء في خطابه في 23 ديسمبر 59

تحياتي

اخر الافلام

.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو


.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا




.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024