الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدعياء العلمانية !

قصي غريب

2019 / 12 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


من خلال الطروحات القاصرة عن فهم العلمانية المعروضة من قبل بعض السوريين على وسائل الاعلام بأنواعها تجد بأنه يكاد لا يوجد في سورية علمانية ولا علمانيين حقيقيين، وإن وجدوا فهم أقلية نادرة والعبرة بالغالب الشائع لا بالقليل النادر، فالموجود أدعياء لها أغلبهم من أبناء الأقليات، ويبدو أنهم يطالبون بفرضها ليس عن قناعة بها لأنها قد أصبحت ضرورة حياتية نتيجة الصراع والتخندق المجتمعي في سورية، إنما من منطلق ردود أفعال مختلفة، منها العداء العقدي التقليدي لإسلام الاكثرية، فالدعوة إلى العلمانية وفصل الدين عن الدولة والمجتمع تبدو غطاء من أجل تكبيل ارادة الأكثرية وتهميشهم، أو ردة فعل على العقلية السياسية السلبية والتصرفات العدوانية غير المسؤولة للجماعات التي تزعم الوصل بالإسلام، أو من ابتذال رجال الدين وتحولهم إلى خدم يباركون استبداد ووحشية النظام.
ومن الجدير بالذكر أن سورية منذ انقلاب 8 آذار 1963 لا تحكم من قبل الأكثرية المسلمة السنية، ولم تحكمها الأحزاب والجماعات الاسلامية السنية، إنما تحكم من قبل الأقلية العلوية باسم ما يسمى حزب البعث العربي الاشتراكي العلماني الاتجاه، فضلاً عن أن الدين الاسلامي لا يهيمن على الدولة والمجتمع في سورية كما حصل في الغرب نتيجة هيمنة وتوجيه السياسة من قبل رجال الدين النصراني - المسيحي وتغولهم على السياسة واسباغ القداسة عليها، ما أدى إلى قيام الثورة العلمانية بقيادة حركة التنوير، التي ألغت هيمنته وقطعت العلاقة معه واستندت على ارادة البشر.
وفي سورية على الرغم من طرح العلمانية كنهج حياة من قبل الذي يزعمون أنهم يساريون، وحداثويون، ولادينيون، ومتماهون مع القيم الانسانية، ويدعون الايمان بالوطنية والديمقراطية، ويرفضون الحديث عن أقليات وأكثرية، إلا أنه من المفارقة على أرض الواقع في الوقت الذي يطالبون فيه بفصل الدين عن الدولة والمجتمع على غرار ما حصل في الغرب، إلا أن أغلبهم ما يزال ولائه الأساس للطائفة أو المكون، وموقفه يخضع لتوجيهات رجال الكهنوت، وقيادة الحزب، وقد ظهر ذلك من خلال السلوك في الساحة السياسية، فضلاً عن أنهم لا يطالبون بتطبيق العلمانية والديمقراطية والانتخاب على الطريقة الأميركية أو الفرنسية أو الألمانية من منطلق معرفتهم أن تطبيقها يفقد الأقليات التي ينتمون لها الامتيازات وليس الحقوق التي حصلوا عليها من دون حق من النظام الطائفي، ولذلك هم ضد تطبيق العلمانية والديمقراطية الحقيقية، لأنهم يريدون ديمقراطية على مقاس الطائفة والمكون، ولا مشكلة لديهم إذا كانت على حساب تهميش ارادة أغلبية الشعب السوري، حيث أنهم يسعون وينشطون على قيام نظام سياسي يستند على ما يسمى الديمقراطية التوافقية القائمة على المحاصصة الطائفية والقومية القائمة على فكرة تمثيل المكونات والطوائف وليس تمثيل المواطنين، على غرار تجربتي لبنان والعراق، التي لم تجلب لشعبيهما إلا التخندق الطائفي والقومي، والحقد والكراهية المتبادلة، والفقر والعوز والبؤس، وعدم الاستقرار.
وفي الوقت الذي يثور العراقيون واللبنانيون على نظام المحاصصات الفئوية الذي مزقهم وسحقهم ، يسعى الذين يزعمون أنهم علمانيون في سورية إلى إقامته تحت ذريعة تطبيق التعددية والمواطنة وممارسة الحداثة والتنوير والإنسانية، لكنهم غفلوا إن تطبيق مبدأ المواطنة والعدالة والمساواة والانتخابات وتداول السلطة في النظام السياسي لا علاقة له بالعلمانية التي ولدت في الغرب من السياق الديني ولم تولد من صراع بين الكنيسة والدولة، ومن ثم فإنها بالأساس ظاهرة دينية لا يستقيم اسقاطها على الاسلام الذي لم يقم بما قامت به الكنيسة، كما أنه يفتقد إلى رجال الكهنوت، ومع ذلك يريدون تنميط الشعب السوري بها لتهميش الأكثرية وإبعاد الإسلام عن المجتمع والدولة، في حين أن العلمانية التي تنتهجها الأنظمة الديمقراطية في أوربا الغربية التي قامت فيها حركة النهضة والتنوير والإصلاح لا تقوم أبداً على إلغاء أو العداء للدين النصراني - المسيحي أو فصله عن الدولة والمجتمع، إنما قامت بتقيده وتنظيم دوره في المجتمع والسياسة، ويظهر ذلك في الولايات المتحدة والدول الأوربية فهذه الدول على الرغم من أنها دول علمانية ديمقراطية تفصل تماماً بين الدين والدولة، ولكنها لم تكن في يوم من الأيام بمنأى عن التأثير الديني والاتجاه النصراني - المسيحي لساسة الدولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة جديدة من برنامج السودان الآن


.. أطباق شعبية جزائرية ترتبط بقصص الثورة ومقاومة الاستعمار الفر




.. الخارجية الإيرانية: أي هجوم إسرائيلي جديد سيواجه برد إيراني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي حانين وطير حرفا جنوبي لبنان




.. إسرائيل وإيران لم تنتهيا بعد. فماذا تحمل الجولة التالية؟