الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تونسوخطر الحرب الأهلية .

فريد العليبي

2019 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


احتدمت معركة البرلمان كما كان مُتوقعا ، مع احتلال مكتب رئيسه ، و اعتصام في قاعاته ، ورفع الشعارات في أروقته ، و استقدام المناصرين من خارجه ورفع الصور في بهوه ، و وصف النهضة بالإخوان ،ونعت الدستوريين بأنصار النظام القديم .
وفي الماضي القريب كان الإسلاميون هم من يصنع مشاهد المظلومية ، والآن جاء دور الدُستوريين للعزف على الوتر نفسه ،وتبادل المواقع مع الاخوان ، فقد وصفهم أعداؤهم بالمصيبة ، وقطاع الطرق ، وخدم النظام القديم ، فكان رد الفعل. وفي المقابل ، وعندما لم تجد حركة النهضة سلاح المظلومية الدينية في متناولها حركت المظلومية العنصرية ، فنائبتها سوداء البشرة ، ومعارضوها البيض وصفوها بالغوريلا ، وزاد مناصروها من منسوب سكب الزيت على النار، بعد الفشل في تمرير صندوق الزكاة ، واصفين الرافضين بالكفرة، الذين أسقطوا ركنا من أركان الإسلام الخمسة.
كان الإسلاميون قد استولوا على ثمار نصر الشعب على بن على، وتحدث الدستوريين النفس الآن باستثمار نصره على الغنوشي، بينما يظل هو يدور ككبش العيد قبل أن تهوي السكين على رقبته .
وهكذا يعود الطرفان بالشعب الى الصراعات القديمة ،التي لا علاقة لها بمطالبه الاقتصادية الاجتماعية ،و الغاية هي حشد الأنصار، فالمعركة طويلة والانتخابات الأخيرة هى نقطة فقط في الطريق الطويل ، ويقول لسان حال الجميع الآن : أنا اليوم أحكم وانت تعارض، وغدا أنت تحكم وأنا أعارض ، جولة بجولة ،ومباراة بمباراة في ما بدا أنه معركة الاخوة الأعداء .
ولكن الدستورييين لا يمكنهم تقديم أفضل مما قدموه ،فتاريخ تونس القريب ملئ بالحجج التي تبين عجزهم ، ويكفي النظر الى ذلك حتى لا يعيد التاريخ نفسه في شكل مأساة أولا ومسخرة ثانيا ، أما الإسلام السياسي فقد تطلب الأمر وقتا أقل لكشف حقيقته.
غير أنه لا يجب الاستهانة بما يحدث بينهم ، فالأمر قد يتحول الى مواجهة مفتوحة يُزج بالشعب خلالها في حرب أهلية ، ينبغي منذ الآن الانتباه الى خطرها ، ومنع حدوثها ، فالشعب هو من سيكون لحم مدافعها ، فما يدور في البرلمان هو فقط رأس جبل الثلج ، وما خفي أعظم من ذلك بكثير ، إذ هناك قوى نافذة تنام بين ظهرانيهم وتتصارع على السلطة بدعم خارجي ،وما يحدث في ليبيا والعراق وسوريا واليمن قد يتكرر في تونس، والعوامل المحيطة مساعدة ،فما يجري غرب تونس وشرقها سيُعجل بإشعال حريق كبير ، كما أن النزوع الى الحرب الأهلية يلف المنطقة بأسرها ، وغير خاف أن الإسلام السياسي يضع ضمن استراتيجياته الحرب الأهلية وخطتها تنام في رفوفه ، انتظارا للحظة الحاسمة، والدستوريون لن يتوانوا أيضا عن كيل الصـــــاع صاعين ، فقد استيقظوا الآن ، بعد أن أخذوا سابقا على حين غرة .
ولا يريد الطرفان الآن الصدام، ولكنهما يعدان العدة له ، فالإسلام السياسي يريد السيطرة أو الحرب الأهلية ، وقد هدد بها مرارا ، وقال بعض رموزه أن له الآلاف من الاستشهاديين المُستعدين للموت ، وأنه سيقطع الأرجل بخلاف ويسحل معارضيه في الشوارع ، ووفرت له الحروب الأهلية في أقطار عربية التدريب على ذلك ، ولولا العامل الخارجي الكابح لخاضها منذ سنوات ، وعندما يقطع الصلة بذلك العامل سيعلنها صراحة ، والدستوريون لا يقلون استعدادا عنه .
أما قوى الشعب فهى لا تزال ضعيفة ، إنها تحبو في مقاومتها ، فقد خاضت كفاحها بعواطفها وحدها ، قبل أن يباغتها الإسلام السياسي، مستوليا على نصرها ،وقد تعلمت الدروس الصغيرة ،وبقيت أمامها الدروس الكبيرة .
وبالنسبة الى الوطن فإن العامل الحاسم في الانتصار أو الهزيمة هو الشعب ، فمتى استيقظ وغادر مدارج المتفرجين ليلعب في الميدان لعبته سينتصر ،أما إذا ظل خارج الحلبة مكتوف اليدين فإنه سينهزم .
وغني عن البيان أن المعركة في البرلمان ثانوية ، ولكنها مهمة، وستتطور الى اشتباكات بالأيدي ، وبعد تبادل الكلمات سيأتي تبادل اللكمات ، وسيتابع الشعب ذلك ببعض الاهتمام في البداية ، وبالتجاهل في النهاية ، قبل عودة النواب الى كراسيهم سالمين ، عندما تفقد تلك المعركة بريقها ، و سيخفت الضجيج شيئا فشيئا ، ثم يتلاشى ، وليس واردا الآن على الأقل نقل الصراع الى الشوارع ،ولكنه اذا ما استمر فسيكون مآله هناك ، قبل أن يتحول الى حرب أهلية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة