الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسؤولية أمريكا تجاه العراق وتظاهراته

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2019 / 12 / 20
السياسة والعلاقات الدولية


بعيداً عن التصريحات الإعلامية، وبعيداً عن الإنسحاب الشكلي الذي أعلنته الولايات المتحدة من العراق، عام ٢٠١١، فإن واقع الأرض وطريقة التعامل، تثبت للعراقيين وللعالم، أن الولايات المتحدة مازالت قوة إحتلال للعراق، وإن كل ما أعلنته وتعلنه هو محاولة للتنصل من مسؤوليتها تجاه البلد الذي دمرته بغزوها وإحتلالها غير المدروسين لا أكثر.
الولايات المتحدة إرتكبت أخطاءها الفادحة في العراق، لسبب أنها لم تفكر مسبقاً بما ستفعله بهذا البلد بعد إحتلاله، وهذا يعني ان قرار غزو العراق كان قراراً إنفعالياً، للرئيس بوش الإبن، وهذا ما يثبته تسليمه العراق لحاكم أمريكي، تعوزه الخبرة السياسية والتنظيمية، بول بريمر، الذي لم يحسن فعل شيء أكثر من تدمير هيكلية الدولة العراقية وتسليم أنقاضها لأحزاب الإسلام السياسي الموالية لإيران، لا لشيء سوى أن هذه الأحزاب لم تطالبه بشيء بخصوص المسؤولية الأدبية والسياسية تجاه تدمير البلد، لأن كل ما كان يهمها هو الحصول على السلطة وعائدات النفط العراقي.
وبعد تقاطع مصالح امريكا مع مصالح إيران في العراق مؤخراً، بدأت الإدارة الأمريكية التنبه لحجم ما إقترفت من أخطاء في هذا البلد، ولكن دون إتخاذ أي إجراء رادع تجاه حكومة بغداد، المسؤول الأول عن تسليم العراق لإيران والخنوع لتسلط وعنجهية الولي الفقيه، الذي أخذت رموز هيمنته في العراق، التدخل في كل صغيرة وكبيرة في البلاد، وليس تحطيم إقتصاده والهيمنة على أسواقه وحسب.
أضع هذه المقدمة الطويلة لتوصلني إلى قراءة دقيقة لتصريح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الأخير، والذي يعكس الصحوة المتأخرة للإدارة الأمريكية تجاه أخطائها في العراق، وهو يحدد فيه مطالب المنتفضين من شباب ساحة التحرير بقوله (إن الشعب العراقي يريد إستعادة بلده.. إنه يطالب بإصلاحات صادقة وبالمحاسبة، وبقادة جديرين بالثقة ويولون مصلحة العراق الأولوية)، طبعاً مثل هذا التصريح وبهذه الدقة التشخيصية، يدين الولايات المتحدة إدانة تامة بأخطائها، وفي كونها تتحمل مسؤولية ضياع بلد العراقيين أولاً، وبسبب منحها السلطة فيه لقادة غير جديرين بها ثانياً، وبعجزها أو إمتناعها عن فرض إجراء الإصلاحات الصادقة، بعد إستبدال القادة الفاسدين بالجديرين ثالثاً.
صحوة الولايات المتحدة التي جاءت متأخرة جداً، تشخص مسؤوليتها بدقة، وتشخص ما يحتاجه العراق،(وهو ما ينادي به المتظاهرون منذ اليوم الأول لتظاهرهم)، بدقة أكبر، وبأقل الكلام، بإستبدال الطبقة السياسية ونظامها كاملاً، بطبقة حكم وطنية ولائها للعراق فقط وتعمل على إعادته لأهله وبنائه وتحصينه من التدخلات الخارجية.
العراقيون، وبكافة شرائحهم، وليس فقط الشباب المنتفض، يحملون الولايات المتحدة مسؤولية ضياع بلدهم، وهم مقتنعون تمام الإقتناع، أنها كانت قادرة ومازالت، على تغيير الوضع في العراق وإعادته إلى أهله خلال سويعات، لأنها هي من أتت بالطبقة السياسية التي تحكم العراق، وعليه فهي القادرة على تنحيتها عن السلطة وتقديم عناصرها للقضاء لمحاسبتهم، فلماذا صمت أذنيها عنهم طوال هذه السنوات، هل هو إختلاف مصالح مع إيران إستجد الآن، لأن إيران هي المستفيد الأول من بقاء هذه الطبقة؟، أم هو مجرد تخبط وعمى سياسي، دام لمدة ستة عشر عاماً كاملة، وهذا ما لا يمكن لأحد تصديقه، أمام ما تذيعه أمريكا عن نفسها، بأنها لا تخفى عنها خافية في جميع انحاء العالم!
والسؤال المهم الآن هو: هل يعني تصريح بومبيو التشخيصي هذا، أن الولايات المتحدة قررت التدخل فعلاً لإعادة الأمور إلى نصابها، ليس لصالح المتظاهرين وبلدهم طبعاً، بل من أجل مصالحها هي في العراق، كدولة إحتلال، تقاسمت غنيمة إحتلالها مع إيران، بسبب خطأ ما أو بسبب قصور رؤية بوش الإبن وأوباما، بالتتابع، حتى لو كانت إيران قد قدمت لها مساعدة ما أثناء فترة غزو العراق؟
الجدير بالذكر هنا هو أن أثر الهيمنة الإيرانية على العراق، لا يلمس عمق أثرها غير المواطن العراقي، لأنها هيمنة ايدلوجية بالدرجة الأولى، تسيطر عبرها على الشارع الشيعي، بإعتبارها راعية للمذهب، وهيمنة إقتصادية بالدرجة الثانية، تستحوذ من خلالها وبأوامر منها، على السوق العراقية لتصريف بضائعها، إضافة إلى صفقات تهريب النفط والعملة الصعبة والهبات المالية التي قدمتها حكومات الستة عشر عاماً الماضية لها، تعويضاً عن أضرار الحصار والعقوبات الإقتصادية التي فرضت عليها.
ورغم أن ثورة الشباب العراقي قد جاءت بعد يأس هذه الشريحة من الطبقة السياسية الفاسدة ومن صمت الولايات المتحدة وسكوتها على فساد هذه الطبقة، التي جاءت بها بيدها من الأرصفة، إلا أن هذه الإنتفاضة تحتاج فعلاً للمساعدة ومد يد العون الشريف لها، لأن الطبقة السياسية، وبإستفادتها من عامل الزمن وميزانية الدولة، قد حصنت نفسها بمليشيات مدربة ومسلحة تسليحاً جيداً، إضافة إلى أجهزة الجيش والشرطة الرسمية، والتي يقودها ضباط تابعون لأحزاب الطبقة السياسية وولاءهم لأحزابهم بالدرجة الأولى، والتي أثبتت، خلال الشهرين الماضيين، أنها تقف مع أحزابها ضد المتظاهرين العزل.. وعليه وأمام حجم المجازر التي إرتكبتها القوات الامنية والمليشيات بحق المتظاهرين، صار لزاماً على الولايات المتحدة التدخل فعلاً من أجل تصحيح أخطائها أولاً، بإجبار الطبقة الحاكمة على ترك السلطة، ومن ثم إعادة ترتيب الوضع، وفق الرؤية التي أعلنها وزير خارجيتها، وتمكين العراقيين من بلدهم، من أجل طرد إيران منه إلى الأبد.. فهل تريد الولايات المتحدة طرد إيران من العراق، بطرد الطبقة السياسية التي تهيمن من خلالها على العراق؟
سؤال ستظل إجابته مرهونة بتحركات السفارة الأمريكية داخل المنطقة الخضراء، مقر الحكومة العراقية، والتي تحتل هذه السفارة نصف مساحتها، وهذا ما يجعلنا نشك في نوايا الولايات المتحدة تجاه الطبقة السياسية، لأنها قادرة بالفعل على عزلهم وإعادتهم إلى الأرصفة التي إلتقطتهم منها... اللهم إلا إذا كانت تخاف عليهم من برد شتاء هذا العام القارس! فهل هم مدللوها لتخاف عليهم من برد الشتاء فعلا؟ إن كان الأمر كذلك فهذا معناه إنها مازالت تخاف على إيران من نفس البرد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي