الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحية إلى ديستويفسكي (2) : ديستويفسكي و لينين

محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)

2019 / 12 / 24
الادب والفن


لماذا لم يحب لينين ديستويفسكي, ذاك الذي قال عنه مكسيم غوركي: " هذا الذي لم يجارِه أحد موهبة فنية وقدرة على التعبير، إلا شكسبير وحده"؟ علماً أن لينين يوصف من قبل البعض بأنه من القلة القليلة الذين يمتلكون دماغاً صافياً و ذهناً خلاقاً؟
لماذا اعتبر أن قراءته مضيعة للوقت وهو الذي يهزك من الأعماق و يخلق في داخلك عاصفة لا تهدأ وأنت تلاحق تفاصيل القسوة و الظلم التي كانت تعيشها روسيا في منتصف القرن التاسع عشر,
لماذا اعتبر لينين أن أدب ديستويفسكي غير مجدٍ وهو الذي قال عنه تروتسكي سنة 1923 " إن ما سوف ينهله العامل من ... دوستويفسكي سوف يكون فكرة أكثر تركيباً عن الشخصية الإنسانية، عن عواطفها ومشاعرها، وفهماً أعمق لقواها النفسية ولدور الوعي الباطن... سوف يصبح العامل أكثر ثراءً".
ورغم موقف لينين هذا فهو لم يحاول أن يفرضه بعد الثورة, بمعنى لم يصبح سياسة عامة لتوجهات الدولة و الحزب, ففي الثاني من آب- أغسطس 1918 كان ديستويفسكي يحتل المرتبة الثانية من حيث نسبة القراءة بعد تولستوي وفقا لاستبيان نشرته صحيفة إزفستيا, كما تم الكشف عن النصب التذكاري لديستويفسكي في موسكو في تشرين الثاني- نوفمبر من ذلك العام من قبل ممثل مجلس سوفييت موسكو. و رغم كل هذا بقيت وجهات نظر ديستويفسكي الدينية والفلسفية والإيديولوجية تمثل معضلة مستعصية أثناء الحقبة السوفيتية لتعارضها مع تعاليم الماركسية ولعدم القدرة على تجاهل قيمته و مكانته الأدبية. ولعل موقفهم ينطلق من وصفه لهم" إن الشيوعيين حمقى و أغبياء و لن يطول بهم الأمر حتى ينتهوا نهاية كارثية"(1) . ولكن هذه المشكلة لم تكن جديدة، فمثل هذا الجدل الصاخب كان سائداً بين المثقفين اليساريين في زمنه، لاسيما مع أولئك الذين كانوا على تعارض مع أفكاره و الذين كانت تدور حولهم رواياته الأخيرة ( الشياطين وملاحظات من تحت الأرض).

في فترة ازدهار الجدانوفية(2) [ المقابل السوفييتي للمكارثية الأمريكية] يمكننا بسهولة أن نقرأ توجيهات وزارة الثقافة السوفييتية للعام 1953 فيما يخص المواضيع الواجب دراستها عن ديستويفسكي في الجامعات السوفيتية: ( أعمال دوستويفسكي كتعبير عن الإيديولوجية الفردية البرجوازية الرجعية. لينين عن ديستويفسكي. مسيرة ديستويفسكي الأدبية من الأربعينيات إلى الثمانينيات [ من القرن التاسع عشر] باعتبارها رحلة بعيدة عن الأفكار التقدمية والديموقراطية لـ " المدرسة الطبيعية" وتجاه الأفكار الرجعية الدينية و المحافظة.. انقسام ديستويفسكي مع بيلينسكي.. صراع ديستويفسكي مع الأفكار الديمقراطية الثورية لتشيرنيشيفسكي وشتشيدرين في ظل ظروف الوضع الثوري في الستينيات [ من القرن التاسع عشر] . النقد الرجعي للمادية، وعلم الاجتماع الطوباوي ، والتنوير الثوري في "ملاحظات من تحت الأرض".. الطبيعة اللاإنسانية لتمرد إيفان كارامازوف. البرنامج السياسي الرجعي لديستويفسكي في صور أليوشا و زوسيما.. الرأي السلبي لديستويفسكي في النقد الديمقراطي الروسي. صراع غوركي ضد ديستويفسكي، في الأدب الروسي والأجنبي. المعنى السياسي لعبادة ديستويفسكي في الأوساط الرجعية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية. الكشف عن الدراسات الأدبية السوفياتية للجوهر الفلسفي والسياسي الرجعي لآراء دوستويفسكي).
وهكذا, على مدى تاريخ الاتحاد السوفياتي كانت " المبارزة"(3) بين ماركس و ديستويفسكي حاضرة في كل نقاش يكون صاحب الجريمة و العقاب حاضراً فيها (القصد أعماله). علماً أنه ورغم غزارة إنتاج كارل ماركس لا توجد ولو إشارة واحدة عنده إلى الكاتب الروسي, فهل شخصيات ديستويفسكي لا تستحق أن تلفت انتباه شخص مثل ماركس؟ وهل عدم التفاته لديستويفسكي يعني بطريقة ما أن هذا الأخير نكرة ويمكن بسهولة تجاهل موقعه؟
ليس لأحد أن ينكر مكانة ديستويفسكي في الأدب العالمي عموماً و الروسي على وجه الخصوص, رغم اتصافه بالانغلاق الذاتي ودفاعه عن النظام القيصري ومعارضته للأفكار التقديمة وتبنيه للأفكار الرجعية مثل دعوته القبول بالواقع و القدر و التخلي عن الكفاح ضد الظلم الاجتماعي ورؤيته للمسيحية الأرثوذكسية كطريق خلاص لجميع مشاكل روسيا, وهذا الصفات التي لا يمكن لأحد أن يقبلها أو يدافع عنها رغم صفات التمرد و الرفض التي تمتعت بها شخصيات رواياته مثل إيفان كارامازوف و راسكولنيكوف و ستافروجين و الشخصية السيكوباتية كيريلوف ذاكَ الشاب الملحد الذي رجع من أمريكا، ليعتزلَ الناس لاحقاً، وليخططَ للانتحار بقصد التحوّل إلى إله, حيث تتعمق رؤيته باكتشافه أن سرَّ عبودية الإنسان إنما يكمن في مخاوفه التي لا مبرر لها في أغلب الأحيان، وإذ يتمكن من التخلص من هذا الخوف فسوف يكون قادراً على وضع حد لحياته بجرأة و بوعي دون خوف من الألم و بالتالي سيسهل عليه أن يصير إلهاً, أو على الأقل شخصية كاريزمية ستتحول إلى ما يشبه الأنبياء و التي يتوجب وجودها لاستقطاب الأعضاء والثوار للالتحاق بالثورة.
كما أن شخص " قاتل " مثل روديون راسكولنيكوف " المثقف الروسي ما قبل الماركسي" كما يسمّيه مورافيا, سوف يعبّر- رغم إعجابه بنابليون كنموذج لسوبرمان القرن التاسع عشر- عن احتجاجه على الظلم الاجتماعي و الفقر في روسيا من خلال جريمته التي تشير رمزياً إلى القضاء على مصدر الظلم, غير أن هذا لم يمنعه من تذكر أن نابليون بونابرت لم ينس الجيش في مصر وحسب، بل أنه بدد أرواح مئات الآلاف من الناس في الحملة على موسكو. لم تكن البطولة هدف راسكولنيكوف أو غاية يسعى إليها, فالبطولة ليست هدفاً بحد ذاتها, بل ما كان يهمه العدالة و ليس البطولة, لعل سؤال كل ثوري يكمن في تحديد أولوية العدالة أم البطولة و أيهما اكثر إلحاحاً كضرورة, و هذا ما دفع " راسكولنيكوف" لتقسيم الناس إلى: مخلوقات " عادية "، و " غير عادية ". فأما " العاديون" فعليهم تدبر أمرهم للعيش مطيعين، إذ لايحق لهم تجاوز القوانين وخرقها لأنهم- ببساطة- مخلوقات عادية. أما الآخرون " غير العاديين" فيحق لهم خرق القوانين - أي ارتكاب الجرائم - واعتبار كل ما عداهم مجرد " أشياء". ولهذا كانت كراهية راسكولنيكوف للعجوز بوصفها تجسيد" واعٍ" للبرجوازية الأوروبية و الفئات الاحتكارية لرأس المال تتماثل مع القانون الماركسي الأساسي بخصوص استغلال الإنسان لأخيه الإنسان, كما يقول مورافيا في دراسته المشار إليها. ورغم أن كراهيته هذه تعود إلى جذور مسيحية, فإن المسيحية لا تقبل بهذا الحل الراسكولنيكوفي, بل ترى أن الشر لا يتمثل في سلوك المرابية بل في الطريقة التي استخدمها راسكولنيكوف للتخلص منها -أي العنف-.
في واقع الأمر ينطلق راسكولنيكوف من موقف وجودي"وهذا ما لا يحبذه الماركسيون" يرى في الشر حقيقة فردية كامنة في كل إنسان وأصيلة و غير قابلة للاستئصال, و ينعكس هذا الشر في أساليب العنف التي تتبناها الثورة, في حين أن الشر من وجهة نظر الماركسيين هو الشر الاجتماعي " الموضوعي" الذي يمكن القضاء عليه بوسيلة واحدة لا غير أي الثورة, و بالتالي يستطيع هؤلاء الزعم دون قلق بأنه يمكن لأي قاطع طريق" إقرءها ديكتاتور أيضاً " مثلاً أن يساهم في الثورة حتى لو بدون انتباه و عن طريق الصدفة المحضة فيتحول إلى " ثوري" وعندها يستطيعون القول أن ثمة أسباب تاريخية و اجتماعية و اقتصادية و " نفسية" دفعته ليكون قاطع طريق في السابق, أما الآن و بحكم ممارسته للفعل الثوري فقد غسلت الثورة كل السواد الذي يغشى قلبه.
ولكن أليس "الجريمة و العقاب" تتبنى مثل هذا الطريق؟ أليست هي في نهاية المطاف محاولة لتبرير القتل من أجل المصلحة العامة؟
الاختلاف في رؤية الشر و معالجته بينهم و بين ديستويفسكي جعلته يتبنى موقفاً سلبياً من الثورات" ( كان العديد من النقاد والسياسيين البارزين في روسيا، بمن فيهم لينين نفسه، على دراية تامة بوجهة نظر دوستويفسكي القاتمة عن الإيديولوجيات الثورية), وما كتابه " ملاحظات من تحت الأرض" سوى رد مبطن ضد فلسفة نيكولاي تشيرنيشيفسكي المثقف البارز و الديمقراطي الثوري والاشتراكي الطوباوي, الذي طالما امتدحه لينين وتأثر بشدة بفلسفته وبخاصة روايته "ما العمل " إلى الحد الذي جعله يعنون أحد أهم أعماله بذات الاسم تكريماً له.
يقول ديستويفسكي على لسان بطل روايته الثوري : " نعم، سأفعل دائما ما أنوي فعله. لن أضحي بأي شيء قط، ولا حتى بأية نزوة، من أجل شيء لا أومن. فما أريده، من كل قلبي، هو أن أجعل الناس سعداء. فهنا تكمن سعادتي! هل يمكنك أن تسمع ذلك، أنت، يا من تعيش في حفرة تحت الأرض", وقد يكون هذا أحد الأسباب التي عارض فيها لينين مقولات ديستويفسكي و فلسفته, ما شكّل لاحقاً " إرثاً " شيوعياً ناقداً لديستويفسكي و بعض أعماله ( مثل " الشياطين" و " ملاحظات من تحت الأرض") باعتبارها مهاترات مكشوفة ضد الديمقراطيين الثوريين أمثال تشيرنيشيفسكي والشعبويين الذين كانوا يدعون لمحاربة الاستبداد القيصري.
نحن نعلم أن لينين كان محباً للغة اللاتينية وتوقع له مديره في المرحلة الثانوية أن يصبح أستاذاً كبيراً وعالماً فيها .كما نعلم أيضا أنه قرأ الكثير من الكلاسيكيات الأدبية بلغتها الأصلية مثل كتابات فيرجيل، و أوفيد، و هوراس و جوفينال، والتهم بشغف مؤلفات غوته خلال سنوات منفاه التي قاربت العقدين، وأعاد لعدة مرات قراءة فاوست ( ذاك الذي باع روحه للشيطان), حتى أنه كثيراً ما كان يستشهد بمقولة مفيستوفيليس بطل الرواية: " النظرية، رمادية اللون، يا صديقي، ولكن شجرة الحياة دائماً وأبداً خضراء". وقيل لنا أيضاً بأن لينين كان يستهجن " عبادة المعاناة " لدى ديستويفسكي, فشخصياته تعيش دائماً أقصى حالات اليأس", لكنه استطاع أن يقدّم أيضاً فهماً عميقاً للنفس البشرية، وتحليلاً للحالة السياسية والاقتصادية في روسيا في تلك الفترة" على حد قوله. ولعل موقف لينين هذا يستند إلى نقد مكسيم غوركي " الإيديولوجي"(4) سنة 1913 أثناء محاولة البعض في مسرح الدولة في موسكو تحويل رواية " الشياطين" إلى مسرحية, الأمر الذي لم يرق له و اعتبر أن من قاموا بهذا العمل إنما " يمسحون جوخ للقيصر", و تسبب نقد غوركي هذا في خلق بعض الجدل في ذلك الوقت, إذ لم تكن " الإنتلجيتسيا" الروسية تقف على مسافة واحد من ديستويفسكي. ويقال أن موقف غوركي كان له كبير الأثر في" ضبط " آراء لينين حول ديستويفسكي و تكشف مراسلات لينين المنشورة آنذاك أنه تابع الجدل الدائر حول مسرحية الشياطين, فظهر رأي لينين الشائع عن هذا العمل بقوله " [إنها] عمل رديء و ورجعي تماماً ... وليس لدي أي ميل إلى إضاعة الوقت في قراءتها".

بعد نقده لمسرحية الشياطين بعشرين عاماً سوف يجلس مكسيم غوركي على المنصة من جديد وبجانبه أندريه جدانوف هذه المرة ليلقي خطابه الشهير في المؤتمر التأسيسي لاتحاد الكتاب السوفييت سنة 1934 الذي بدأ فيه عصر الواقعية الاشتراكية رسمياً, وسوف يوجه ملاحظات نقدية شديدة حول خطر " إيديولوجية ديستويفسكي: " لقد أوليت الكثير من الاهتمام لديستويفسكي لأنه بدون تأثير أفكاره يكاد يكون من المستحيل فهم الانعطافة المفاجئة للأدب الروسي وجزء كبير من المثقفين بعد العام 1906 من التوجهات الراديكالية والديمقراطية إلى الحفاظ على النظام البرجوازي والدفاع عنه ".... " من الصعب أن نفهم بالضبط عمّ كان يبحث ديستويفسكي". كيف يمكن لرجل مثل ديستويفسكي أن يطالب باستعادة القسطنطينية من الأتراك و أن يزعم أن القنانة تؤدي إلى" علاقات أخلاقية مثالية بين ملاك الأراضي و الفلاحين" ؟(5), وبهذا دشّن غوركي ما سوف يكون خط الخطاب الرسمي الحزبي عن ديستويفسكي في معظم فترة حكم جوزيف ستالين فتم التركيز على " إيديولوجية " ديستويفسكي ومقارنتها بطريقة فجة بالواقعية الاشتراكية ( سوف تتجسد لاحقاً في توجيهات وزارة الثقافة كما هو مذكور في الفقرة الافتتاحية أعلاه), ولكن هذا لم يمنع ظهور بعض الأصوات التي ركزت على مديح غوركي السابق لديستويفسكي و المطالبة بإعادته للحظيرة الروسية(6).
خاتمة
عندما قال الكاتب البرازيلي جورجي أمادو ذات مرة إن " الإمبريالية بَنَتْ بيتي". إنما كان يعي تماماً مسألة الاختيار الفردي، وهو الأمر الذي شدد عليه منذ روايته الأولى" أرض الكرنفال" وصولا إلى أعماله الأخيرة مثل "حرب القديسين"، فهو يرى الأشياء بشكلها الوجودي الأكثر عمقاً فيما يتعلق بحياة الفرد، ففي عمله " كانكان العوام الذي مات مرتين" يطرح أمادو تصوره للموت كموقف وجودي للإنسان مبتعداً أو ربما مستغنياً عن أي سجال ذو بعد طبقي أو جدل يردد صدىً له طابع إيديولوجي. لقد جعل كانكان يموت مرتين (وهو ما يخالف كل قوانين الجدل بما يغضب لينين و كل الإخوان الشيوعيين) وجعل هذا الموت صافياً. وفي المقابل, تمثلت انعطافة لينين " التي قد يراها البعض سطحية نوعاً ما " في احتفائه بموقف بتولستوي من الحكم الروسي المطلق - رغم أنه لم يكن ثورياً قط- , متغاضياً عن دعوته إلى العودة للتصوف المسيحي و مناهضة الحرب, و أقصى ما قام به هو البحث عن تعزية لوضع روسيا في تظهير الصورة المثالية للماضي المسيحي بأبسط صوره, الأمر الذي دفع لينين للتساؤل كيف يمكن لكاتب موهوب مثله أن يكون ثورياً و رجعياً بآن معاً. ويبدو أن الرفاق اللينينيون مازالوا يبحثون عن الإجابة عن هذه الأحجية التولوستية.

قد نختلف مع أمادو و صعاليكه في" كانكان العوام"، أو حتى نرفض ما يراه في" الهوية" بوصفهاً شأناً متغيراً غير ثابت ساخراً بذلك من المقولات ذات الطابع الجدلي السجالي.. ولكن سنتفق على أن أمادو ليس مثالياً، بل يصر على أنه مادي و لكن" ماديتي لا تقيدني" على حد قوله…..وبعيداً عن " الماركسية " الستالينية التي جعلت من أمادو في مناسبات عدة سخصاً أخرقاً مثلما جعلت من ديستويفسكي " رجعياً "، لم يشك أمادو حتى مماته في تقويمه لنفسه على أنه " كاتب الشعب" مثلما لم يشك ديستويفسكي للحظة بأن أبطاله هم أنبياء هذا الزمان, حتى لو كانوا أنبياءً مزيفين.
.....................
1- في مقابلة مع تشيسلاف ميلوش سنة 1983 يصف كارل بروفّر الأمر : " الآن يقوم[السوفيات] بإصدار الأعمال الكاملة لديستويفسكي، وقد بدأوا فعلا منذ العام 1972 ومازالت لم تنتهي بعد, كان لتوقف بعض الإصدارات يعود لمشاكل سياسية و تحريرية ... يقول [ ديستويفسكي] ذلك بوضوح تام." إن الشيوعيين هم حمقى وأغبياء وسوف يؤول أمرهم في نهاية المطاف إلى كارثة "، من الصعب للغاية توضيح أنه كان يعني شيئًا آخر ", للمزيد أنظر: Haven, C.L. 2006 Czeslaw Milosz: Conversations. Jackson, MS: University Press of Mississippi.
2-مصطلح مشتق من اسم أندريه جدانوف ( 1896-1948) المستشار الثقافي للزعيم السوفييتي جوزيف ستالين. عرف جدانوف بنظرته المتصلبة في المجال الثقافي و الإبداعي و الفني, انطلاقاً من رؤية إيديولوجية سياسية طبقية متزمتة تعامل فيها مع الأدب, وطرح شعار الفن في خدمة المجتمع بما يدعم من سلطة ستالين من خلال التدخل في الإنتاج الأدبي و الثقافي المتنوع لفرض شخصية " البطل الإيجابي" وفقا للنموذج الستاليني, وكان من نتاج ذلك أن منعت العديد من الأعمال الأدبية و الفنية و الموسيقية. ساهم جدانوف بدور فعال في أعمال المؤتمر التأسيسي لاتحاد الكتاب السوفييت سنة 1934 ,وهو المؤتمر الذي حدد مفهوم الواقعية الاشتراكية باعتبارها منطلق للإنتاج الأدبي في عموم الاتحاد السوفييتي علماً أن مصطلح الجدانوفية لم يظهر في الاتحاد السوفييتي بل ظهر في الغرب كنتاج للحرب الباردة التي كانت سائدة آنذاك.
في العام 1989 اعتبره الحزب الشيوعي السوفييتي " واحد من منظمي القمع الجماهيري في الثلاثينيات و الأربعينيات وأنه يتحمل المسؤولية مع الآخرين على ما جرى في تلك الفترة من أعمال إجرامية". وكان الحزب قرر أيضاً رفع اسمه من المؤسسات و الأماكن كافة التي تم إطلاق اسمه عليها في الاتحاد السوفييتي.
3-إشارة إلى المقالة التي كتبها ألبرتو مورافيا سنة 1956 إثر زيارته للاتحاد السوفييتي , للمزيد انظر:Alberto Moravia: The Marx-Dostoevsky Duel and Other Russian Notes Encounter, November 1956, pp. 3-12, من المدهش أن يصف مورافيا كيف وقف بخشوع أمام المنزل الذي سكن فيه دوستويفسكي في لينينغراد "سانت بطرسبرغ " و كتب روايته الجريمة و العقاب, وكيف انتزع جزءً صغيراً من باب الشقة ليحتفظ به كتذكار
4- أنظر Seduro,Vladimir.1975.Dostoeviski’s image in Russia Today .Belmomt.MA.Nordland
5- للمزيد انظر : SEDURO, Vladimir. Dostoyevsky in Russian Literature Criticism 1846-1956 [Columbia Slavic Studies]. Published by Columbia University Press (1957)
6- كان للشكلانيين الروس موقف مختلف من أعمال ديستويفسكي في فترة حكم لينين و السنوات الأولى من عهد ستالين لعل أهمها دراسات ميخائل باختين الذي كان يرى فيه أحد أعظم المجددين في الشكل الفني للرواية ويجادل باختين في كتابه " شعرية ديستويفسكي" الذي صدر سنة 1929 بأن الحوار وتعدد الأصوات أمران محوريان في روايات دوستويفسكي، والتي تمثل كل شخصية مجموعة متنوعة من الأفكار بدلاً من شخصية واحدة, فالرواية عند ديستويفسكي هي رواية مركبة زمانياً و مكانياً, وهو ما يدعوه باختين بالبنية متعددة الأصوات Polyphony المميزة لكثير من الأنماط السردية الثانوية, بمعنى أن أعماله " ذات بنى متوزعة و مستقلة عن بعضها البعض و متعارضة فيما بينها بطريقة جدلية, و في سياق هذا النزاع بين الشخصيات, نكاد لا نلمح شخصية الكاتب, فوجهة نظره أبعد من أن تبرز من بينها جميعاً لتحجب خلفها كلَّ ما سواها و تتعين عناصر البنية الروائية عند ديستويفسكي من خلال عالم متعدد الأصوات وشكل يختلف جوهرياً عن أشكال الرواية الأوروبية ذات البنية المتجانسة من الناحية المورفولوجية. ( للمزيد, أنظر: ميخايل باختين: شعرية دوستويفسكي, ترجمة الدكتور جميل نصيف التكريتي, مراجعة الدكتور حياة شرارة , دار توبقال, 1986) . لم تحظ ملاحظات باختين هذه بقبول الأوساط الأدبية و الفكرية الماركسية السوفييتية حين وجدوا أن هذا النمط من الدراسات سوف يقود إلى " طريق مثالي مضلل و معادي للطبقة" كما اعتبروا أن باختين تجاهل المضامين الإيديولوجية الواضحة لأعمال ديستويفسكي, ولم ينجُ باختين نفسه من هذا النقد, إذ نفي بعد وقت قصير من نشر كتابه إلى سيبيريا لمدة ست سنوات على إثر اتهامه بارتباطه ببعض الحركات السرية.
سوف يختلف الأمر في فترة الحرب العالمية الثانية حيث سيحدث تحول في الموقف من ديستويفسكي كمحاولة لإثارة الحس القومي, فصار ينظر إليه كبطل قومي و تم وضعه في مرتبة عالية بجانب بوشكين وغوغول وتورغنيف تشيرنيشيفسكي وتولستوي وتشيخوف وغوركي كأحد الكتاب الوطنيين الكبار في روسيا, غير أن هذا لم يدم طويلاً فمع بداية الجدانوفية, تعرض ديستويفسكي لهجوم شرس من قبل النقاد السوفييت وتم بضغط من الحزب إجبار العديد من الذين كتبوا بإيجابية عنه في فترة الحرب إلى التراجع عن آرائهم و" الاعتراف بأخطائهم" فظهرت دراسات تذكر بـ" المثالية الرجعية لديستويفسكي". غير أن الموقف من دوستويفسكي لا يعود للحقبة السوفييتية فقط, ففي كانون الثاني-يناير 1875 بدأت مجلة الشعبوين الروس" مفكرة الوطن" [ Отечественные записки ] بنشر رواية " المراهق" على شكل حلقات, وبدافع الحاجة إلى شرح سبب وجود مؤلف [ الرواية الرجعية الشياطين] على صفحات المجلة، كتب نيكولاي ميخائيلوفسكي المقدمة التالية: ديستويفسكي هو أحد أكثر كتابنا موهبة و يتم الدفع شهرياً لنشر الأعمال الروائية على أساس موهبة مؤلفيها؛ ويكشف ديستويفسكي في رواية المراهق -بعكس رواية الشياطين-، عن هاجسه الغريب والكئيب لاستخدام القضايا السياسية الحالية كموضوعات لرواياته" (, أنظر: Slonim, M. 1951. Dostoevsky under the Soviets. Russian Review 10.). وبعد ذلك بأقل من سبع سنوات- وكان قد مضى عام تقريباً على وفاة ديستويفسكي- يعود ميخائيلوفسكي ليكتب مقالة يدينه فيها على أسس إيديولوجية ونفسية باعتباره موهبة فجة ( أنظر : Seduro, Vladimir. 1977. Dostoevsky in Russian and World Theatre. North Quincy, MA: The Christopher Publishing House.) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غيرته الفكرية عرضته لعقوبات صارمة


.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية




.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر


.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة




.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي