الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثبات المبدأي لثوار العراق

اسماعيل شاكر الرفاعي

2019 / 12 / 26
ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية


دالثبات المبدأي لثوار العراق

بدأ الكثير من الكتاب والصحافيين والمحللين السياسيين والاعلاميين : يميلون الى الاعتقاد بان الصراع الدائر بين الثوار وبين السلطة السياسية : يميل لصالح السلطات ، مع ان الثوار لم يتخلوا عن متاريسهم ولم يغادروا ساحات اعتصاماتهم ، ولم يتنازلوا عن مطالبهم السياسية : فسقف شعاراتهم لا يختلف عن سقف شعار ثوار لبنان : كلن يعني كلن ، او باللهجة العراقية : “ شلع قلع “ ، فالمعركة لم تنته بعد …

وليس من الغرابة في شيء ان يتطوع جميع مرتزقة النظام من النواب والمستشارين ، ومن يدعي التضلع بالقانون الدستوري للتلويح بعبارة : المهلة الدستورية لتخويف الناس من : الفراغ الدستوري ، اذا لم يتم تنصيب رئيس وزراء للعراق قبل انتهاء المهلة وامدها ١٥ يوماً ، مستنكفين من الاشارة الصريحة الواضحة الى وجود ثورة ، وان ثوار هذه الثورة لم يعودوا يأبهون لمصطلحات ومفاهيم لم تعد تعني شيئاً لهم ولثورتهم …

لا تريد السلطة السياسية الحاكمة الاعتراف بوجود ثورة . اقرارها بهذا الوجود يعني الاعتراف بفشل المنهج السياسي الذي استرشدت به طوال هذه السنوات . ولهذا استنجدت في هجومها المضاد بكل ما تجاوزته الثورة : الدستور والمهلة الدستورية والفراغ الدستوري ، وكل ما لم يعد له معنى بالنسبة للثورة . ان السلطة السياسية حين دعمت وروجت لمثل هذا النقاش البيزنطي فانما لتعزيز صورتها عن نفسها كبيت للفضيلة والاخلاق والنظام ، وقد استمر اعلامها على رسم هذه الصورة المزوقة حتى ورئيس الوزراء يستسلم لارادة الثوار ويستقيل . لقد كان عبد المهدي آكبر من داس على الدستور باقدام حمار وحشي وفرط به : اذ لم يكن منتمياً للكتلة الاكبر أو للكتلة الاصغر ولا حتى لاي كتلة ، فقد جاء الى السلطة عن طريق التوافقات والصفقات السياسية بين الكتل البرلمانية وما اشترطته عليه .

لا يشبه دستور العراق ٢٠٠٥ دساتير البلدان العريقة ديمقراطياً ، التي نجحت الى حد بعيد في تأسيس ما تمت تسميته في التاريخ الحديث : بالدولة الامة . ففي مثل هذه الدول تم التأسيس لمفهوم سيادة الدولة منذ معاهدة وستفاليا ١٦٤٨ ، وهو المفهوم الذي لم يتعزز وطنياً الا بعد العمل بمفهوم المواطنة الذي لا يفرق بين مواطنيه على اساس النسب او الدم او الجنس او الديانة . وحتى الديمقراطية بصيغتها البرلمانية النيابية لم تنجح الا بعد ان اصبح عدم التفريق بين مواطني : الدولة ـ الامة حقيقة من حقائق النشاط السياسي والحقوقي والاجتماعي والثقافي .

لكي لا نتباكى لاحقاً على دولة فاضلة في عالم فاضل كنا قد اوجدناه ، ثم اطاح به ( التآمر العالمي الدائم علينا ) ، يجب بالضرورة الاعتراف بان ثقافة الذين حكمونا ، احزاباً وافراداً ، كانت وما زالت : ثقافة طائفية ، وعرقية شوفينية ، ومناطقية عائلية ، ولم تكن يوماً ثقافة دستورية : واهم معالم الثقافة الدستورية انها ثقافة ردع : تردع المسؤول من ارتكاب حماقة التعدي على القانون وانتهاك حرمته ، واللذين حكمونا ( من علاوي الى عادل عبد المهدي مروراً بالثلاثي الذي انتجه حزب الدعوة : ابراهيم الجعفري ونوري المالكي و حيدر العبادي ) لم يكونوا مؤهلين ثقافياً لاشاعة ثقافة سيادة قانون الدولة وسيادةالدستور . لقد كانوا محاربين طائفيين يقابلهم على المستوى الكردي : محاربين قوميين ٫ وعاشوا فترات حكمهم : محاربين لا بناة ، بهذا المعنى أقول بأن استحضار بعض فقرات الدستور في الهجوم المضاد على الثورة من قبل السلطة السياسية : لا معنى له ، لانه لم يكن ثمة شيء دستوري في ما قامت به السلطة من افعال على مدى عقد ونصف من السنوات . ولم يكن ثمة شيء دستوري في الدستور نفسه وهو يحصر حق ملكية الدولة بالمسلمين فقط ، وينفي هذا الحق عن سكنة الدولة من الديانات الاخرى . هذا تعامل غير دستوري وهو بالتالي تعامل غير وطني . تشعر به ماثلاً بقوة على سطح التعاملات اليومية في المجتمع العراقي ، وفي عمق هذه التعاملات نقرأ دستوراً آخر : تقول فقراته الاولى بان الشيعي المنتمي الى حزب الدعوة او سواه من الاحزاب والحركات الشيعية مسلحة وغير مسلحة ، أفضل حالاً من الشيعي المستقل في الحصول على الوظيفة او المراكز العليا في الدولة ، والشيء نفسه يوجد في الوسط السني والوسط الكردي : اذ الاولوية في كل شيء في هذين الوسطين من حصة الحزبيين . وليس من غير سبب رفع الثوار شعارهم الدقيق المطالب برفع يد الاحزاب والميليشيات والبرلمان عن ادارة الشأن العام ، انطلاقاً من حالة الانسداد السياسي والحضاري التي قادت اليها مفاهيم : المكونات والمحاصصة والاحزاب والكتل السياسية .

الخطوة الاولى نحو تطبيق الدستور تبدأ بتطبيق مفهوم المواطنة ، واعتراف كل مجموعة بشرية وكل فرد عراقي بوجود اختلاف ديني وقومي وطائفي وعشائري ، وان الوطن بمعناه العراقي يضم كل هذا الاختلاف الاجتماعي والثقافي ، الذي لا يمكن اختزاله بمنظور قومي ضيق لحزب البعث كما في الماضي ، أو بمنظور طائفي ضيق لحزب الدعوة او عصائب اهل الحق كما في الحاضر المعيوش . من غير الممارسة الفعلية لمفهوم المواطنة من قبل المجتمع وهو يتبادل الاعتراف ببعضه البعض لا يوجد دستور ولا ديمقراطية ولا سيادة .

في الاوان الذي نعيش : تتجسد فكرة السيادة على شكل وجود ثابت لمؤسسات تستمر في عملها القانوني : سواء اعيد انتخاب السلطة السياسية ام لا . وفي آليات اشتغال هذه المؤسسات يتم احتكار تطبيق القانون من قبل قضاء الدولة الذي لا شريك له في التطبيق مما هو موروث من عادات وتقاليد ، كما يتم احتكار امتلاك السلاح ومطاردة الجريمة ولا شريك لسيادة الدولة في احتكار ذلك : لا من عصائب اهل الحق ولا من اية ميليشيات . لكن هذا النوع من السيادة لم يوجد الا في المجتمعات التي بلغت سن النضج : وعلامة بلوغها سن النضج يتمثل بأن مؤسساتها تعمل وفق منطقها الخاص المستقل عن طريقة اشتغال منطق السلطة السياسية ، ووفق قوانين وآليات عمل مشتقة من تلك القوانين التي لا تتأثر بسقوط سلطة سياسية وصعود اخرى محلها : اذ تظل مؤسسات الدولة تمارس عملها الحيادي الخالي من التفرقة بين الايزدي والبهائي والمسيحي والمسلم واليهودي . ومثله بين العربي والكردي والبدون والتركماني أو بين قبيلة وعشيرة العاهل وبين افراد القبائل الاخرى . مؤسسات موجودة قبل السلطة السياسية وستظل بعدها حين تخسر السلطة وجودها بانتصار المعارضة في الانتخابات . لم يمتلك العراق ، في اي عهد من عهوده ، هذا النوع المستقل من المؤسسات التي تقص يد الرئيس حين يحاول سرقة المال العام .

تملك الثورة رؤية خاصة عن كيفية ادارة الشأن العام ، مناقضة على طول الخط لرؤية السلطة السياسية الحاكمة . والثورة تجسد رؤيتها هذه عبر اعادة شحن المفردات اللغوية والمفاهيم السياسية السائدة بهذه الرؤية الجديدة ، فتصبح للمفردات دلالات سياسية واجتماعية وثقافية أخرى . فما هو دستوري بالنسبة للنظام الحاكم لم يعد كذلك بالنسبة للثورة والثوار . وما هو جوهري واساسي في نظرة السلطة للدستور يصبح هامشياً وثانوياً بالنسبة للثورة . والثورة لا تهدف الى الاطاحة بالحكومة فقط ، اذ لو كان هدفها هو الاطاحة بالحكومة لاطلقت على نفسها اسم : انتفاضة ، اكتفت بان فرضت تشريع قانون لصالح المنتفضين . لقد اطلق المنتفضون منذ البدء على ما اقدموا على ممارسته من افعال ثورية : اسم ثورة ، والثورة شيء آخر لا تتوقف حركته عند اعتاب تغيير الحكومة بل تغيير النظام السياسي برمته .

اقترنت ثورة الاول من تشرين الاول في العراق بالصعود المتعاظم للوعي الوطني ، الذي يعني صعوده هبوطاً في الولاءات الاخرى التي شجعتها السلطة السياسية كالمناطقية والعشائرية والطائفية . وقد اثبتت الاحداث قوة الوعي الوطني الصاعد ، وتراجع ارادة الكتل السياسية ( وجميعها طائفية ) امام قوة تقدمه : فكل ما رشحت هذه الفصائل اسماً ليحل محل عبد المهدي المستقيل في رئاسة الوزراء جابهه الوعي الوطني للثوار بالرفض : اذ ان القبول بما تتوافق عليه الكتل القديمة يعني العودة الى النظام القديم : الطائفي والمحاصصاتي ، وتقديم واردات العراق هدية لنظام الملالي وتأبيد وجوده كحديقة خلفية لنظام ولاية الفقيه .

لويزيانا في ٢٥ ـ ١٢








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة


.. قوات الاحتلال تعتقل شابا خلال اقتحامها مخيم شعفاط في القدس ا




.. تصاعد الاحتجاجات الطلابية بالجامعات الأمريكية ضد حرب إسرائيل


.. واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل وتحذر من عملية




.. قوات الاحتلال تقتحم بلدة شرقي نابلس وتحاصر أحياء في مدينة را