الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو الطريق الشاق الى الديموقراطية في الجزائر

فارس إيغو

2019 / 12 / 26
ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية


الجزائر بعد الوفاة المفاجئة لرئيس الأركان أحمد قايد صالح
اللافت أنه منذ الإعلان الرسمي لوفاة أحمد قايد صالح بأزمة قلبية ناتجة عن إرهاق كبير تعرض له في الأشهر الأخيرة، أن الاعلام الجزائري الرسمي وشبه الرسمي المسيطر عليه من قبل الدولة العميقة تفرغ 24/24 ساعة للتمجيد بالقائد الكبير الذي أوصل الجزائر خلال العشرة الأشهر الاخيرة الى بر الأمان. ويمكننا بناء على معاينة ما جرى ويجري في الإعلام الجزائري منذ إعلان خبر الوفاة في صباح الـ 24 من ديسمبر على التأكيد على أمرين:
1ـ الأمر الأول، مدى قوة وتغلغل الجيش الشعبي الجزائري في كل مفاصل السلطة ومؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية.
2ـ أما الأمر الثاني، فهو استغلال المؤسسة العسكرية الجزائرية بشكل كبير الجنازة لتحسين صورة الجيش الوطني الشعبي ومحاولة استرجاع الشعبية التي فُقدت نتيجة الفساد وسوء إدارة البلاد والمال العام خلال 60 عاماً من سيطرة الجيش على السلطة.
وفي نفس الوقت فإن غياب أحمد قايد صالح عن الصورة السياسية والعسكرية في الجزائر سيريح المؤسسة العسكرية والمؤسسة السياسية المدنية على حد سواء، وبالخصوص الرئيس الجديد، بعد الإنتقادات التي وجهت له من قبل الحراك في الشارع. هي فرصة للنخبة العسكرية لكي تبدأ بعمل نقدي عن المرحلة السابقة منذ الإستقلال تكون نتيجتها العودة الى الثكنات والتخلي عن أي طموح سياسي، وبالخصوص أن رئيس الأركان الجديد المعين بالنيابة من قبل الرئيس عبد المجيد تبون يبدو من خلال التسريبات العديدة أنه من المحبذين لهذ الإتجاه. أما الرئيس الجديد المطعون بشرعيته من قبل الحراك وفئات واسعة من الشعب الجزائري فسيكون لديه الفرصة لكي يقوم بالإصلاحات التي وعد تحت شعار " الجزائر الجديدة "، وبالتالي تكون رئاسته هي بمثابة الورشة للمرحلة الإنتقالية نحو التحول الحقيقي للديموقراطية في الجزائر.
الحراك في الشارع
إن الأصوات المسؤولة التي تتحدث من داخل الحراك كثيرة وهي تعطينا الثقة بصعوبة قيام بعض المتطرفين لحرف مسار الحراك عن سلميته بحجة بطء مسار الإنتقال أو لا جدية السلطة القائمة التي يدعمها الجيش بقوة.
يقول البعض من المراقبين السياسيين للوضع الجزائري بأنه يجب على الحراك الإنتقال من المطالب السلبية أو اللاءات الى الإقتراحات الإيجابية؛ لكن، ربما يكون هذا ليس في وارد المنتفضين في الشارع الذين يضعون نصب أعينهم تحقيق المطالب وليس ممارسة السياسة التي سوف يتركون إدارتها الى أحزاب المعارضة التي أثبتت مصداقيتها وصدقيتها تجاه الحراك الشعبي في الشارع، فهؤلاء هم الأقدر على معرفة دواليب المساومات السياسية وصيغ التوافقات السياسية بحسب كل مرحلة.
ويجب الإنتباه الى هذه النقطة المهمة التالية: إن الديموقراطية بحد ذاتها تكون نتيجة الإصلاح وليس نتيجة عمل ثوري. إن العمل الثوري يزيل النظام ولكن لا يُنشئ ديموقراطيات، فالبعض يتصوّر أن الثورات تأتي بالديموقراطية، وهذا خطأ تاريخي فادح، فقط في أمريكا حدثت الديموقراطية، ولكن إطلاق لقب الثورة على ما حدث في الولايات المتحدة الامريكية لا يعبر عن الحقيقة التاريخية الفعلية، وهي كون الديموقراطية الامريكية نشأت نتيجة وجود نخبة سياسية كانت مؤمنة بالديموقراطية، ولم تبنى نتيجة ضغط الشارع. أما الثورة الفرنسية فقد سقطت في عصر الإرهاب الأعمى منذ عام 1791، ولم تبدأ عملية بناء الليبرالية إلا في عهد الملك لويس فيليب في الثلث الثاني من القرن التاسع عشر.
الثورات تزيل أنظمة ولا تنشئ ديموقراطيات، من ينشئ هذه الأخيرة هو عمليات الإصلاح والنخبة السياسية ذات الثقافة الديموقراطية القوية كما توفرت في الولايات المتحدة في الثلث الثالث من القرن الثامن عشر.
وهناك ديموقراطيات نشأت بالإصلاح وحده، إصلاح من أعلى، كما حدث في بعض دول أوروبا الشرقية، لكن في بعض الحالات كان هناك حدث ثوري أعقبه إنتقال ديموقراطي بالإتفاق بين نخب ذات ثقافة ديموقراطية ولديها المرونة الكافية للقيام بمساومات وتوافقات، كما حدث الأمر في تونس، وفشل في مصر بسبب الإستقطاب الحاد لقطبي المعارضة المصرية للنظام، الإسلامي والعلماني، والدور السيئ الذي لعبه الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي في تخريب عملية الإنتقال الديموقراطي وتسهيل عمل الجيش المصري في إعادة عقارب الساعة الى الوراء.
اليوم الحراك في الجزائر على مفترق الطرق، وأمامه خيارين، بناء على الجواب على السؤال التالي: هل الحراك خسر كل شيئ؟ أم لقد نجح نسبياً؟ وكيف سنتعامل مع المستقبل بعد انتخاب رئيس الأمر الواقع؟
1ـ الخيار الأول، يقوم على القول إن الحراك لم يستطع بعد 10 أشهر أن يغير شيئاً في الوضع الجزائري، وأنه خسر كل شيئ، فإنه ينبني على هذه النتيجة أمرين:
. إما الرجوع الى البيوت، وترك البلد للرئيس والسلطة المحيطة به.
. أو الذهاب الى الرفض المطلق للتحاور واعتبار هذا الرئيس غير شرعي، والذهاب الى العصيان المدني وإدخال الجزائر في المجهول.
2ـ الخيار الثاني، وهو أفضل مسلك وينبني على القول بأن الحراك استطاع خلال العشرة شهور التي مضت على إنطلاقته أن ينجح نسبياً في أن يحقق أمور كثيرة، ومنها انهاء النظام البوتفليقي القائم، وهو عليه مهمة ثانية هي تحويل أجهزة ومؤسسات الدولة الجزائرية لتعمل لصالح المواطن الجزائري وللحفاظ على الحريات السياسية والمدنية.
على كل فئلت المعارضة الجزائرية الحقيقية أن نحول هذه الطاقة والوعي الكبيرين اللذين تجليا في الحراك منذ 10 أشهر، الى قوة سياسية تعمل يداً بيد مع أحزاب المعارضة الحقيقية والشخصيات المعارضة المستقلة، والقوة السياسية هذه لازم تعمل لكي تسترجع الدولة الجزائرية. على الجماهير التي نزلت الى الشارع مطالبة بالكرامة والحرية ألا ترى في الدولة ومؤسساتها عدواً أمامها لإسقاطها، بل عليها أن ترى فيها آليات وأدوات سياسية لتسيير المجتمع ويجب من خلال ديموقراطية حقيقية استرجاع هذه المؤسسات لكي تعمل لصالح خيارات تلبي مطالب وطموحات جميع الجزائريين الى الحرية والكرامة وبالخصوص المطالب المحقة للشرائح المتوسطة والضعيفة من الشعب الجزائري في الشغل والعدالة الاجتماعية.
هناك الآن نافذة مفتوحة، النظام السياسي إنهار، والدليل أن عدد كبير جداً من رموزه في السجون، والأحزاب السياسية التي كانت تستعمل من قبل النظام منذ بداية التسعينيات كأدوات لدوام حكمه أي جبهة التحرير الجزائرية وحزب الرئيس السابق اليمين زروال (الذي تولى الرئاسة بين 1994 ـ 1999) أي التجمع الوطني الديموقراطي هم في حالة يرثى لها، وليس لديهم أي قيمة في الشارع.
إذن، هناك مساحة سياسية كبيرة ستفتح أمام الأحزاب السياسية المعارضة الحقيقية، ولكن يجب أن تتنظم، أن تتقوى شعبياً، أن تتحالف، وأخيراً أن يكون هدفها في المراحل الإنتقالية هو تثبيت العملية الديموقراطية والمؤسسات التي تحميها لا المصالح الحزبية الضيقة.
ويجب التفريق بين النظام القائم و الدولة العميقة القائمة منذ الاستقلال، أي منذ عام 1962.
النظام القائم إنتهى، ولكن الدولة العميقة ما زالت موجودة ويجب علينا تغييرها تدريجياً، هنا عمل المرحلة الإنتقالية في كل التحولات الديموقراطية في العالم، وخصوصاً في البلدان ـ مثل بلداننا ـ التي تنتقل من الاستبداد الى الديموقراطية دون أن تمر بمرحلة ليبرالية كما كان عليه الحال في الدول الغربية. وأساس هذا العمل أن تضع كل التشكيلات وتيارات المعارضة نصب أعينها المهمة الوحيدة التي تتجلى في ترسيخ التحول الديموقراطي وعدم إعطاء أي فرطة لعناصر الدولة العميقة لكي يستغلوا تفكك وتشتت عناصر المعارضة في معارك جانبية وينقضوا عليها كما جرى الأمر في مصر حيث أجهضت الثورة التي كانت سيشكل نجاحها تحولاً عظيماً في المشهد السياسي في العالم العربي.
اليوم على الرئيس الجديد في السلطة ومؤسسة الجيش أن تبادر الى التهدئة وإعادة الثقة مع الشارع الجزائري المنتفض، وذلك بتلبية سلسلة من المطالب وأولها إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والدعوة الى حوار وطني مفتوح لإصلاح النظام الجزائري والدفع التدريجي نحو تحييد المؤسسة العسكرية سياسياً، أما الطريق الآخر فهو طريق الدفع بالجزائر نحو المجهول والإنزلاق من جديد نحو دورة عنف جديدة لا نعرف كيف يمكن الخروج منها وهو ما لا ترغب فيه كل أطراف الصراع في الجزائر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توترات متصاعدة في جامعات أمريكية مرموقة | الأخبار


.. !الرئيس الألماني يزور تركيا حاملا 60 كيلوغرام من الشاورما




.. مئات الإسرائيليين ينتقدون سياسة نتنياهو ويطالبون بتحرير الره


.. ماذا تتضمن حزمة دعم أوكرانيا التي يصوت عليها مجلس الشيوخ الأ




.. اتهام أميركي لحماس بالسعي لحرب إقليمية ونتنياهو يعلن تكثيف ا