الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة الجهل-3

أيمن عبد الخالق

2019 / 12 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


((أكبر مشكلة هي ألا تشعر بوجود المشكلة، وأعلى درجات العبودية هو أن تشعر بالحرية وأنت مقيد بالأغلال))
ذكرت في المقالة السابقة مظاهر الالهاء التي اعتمدتها الأنظمة السياسية والرأسمالية للهيمنة على الشعوب ونهب ثرواتها.... واليوم أريد أن أتكلم عن مظاهر التضليل التى تعتمدها هذه الآنظمة في تجهيلها للشعوب .
وقد اتخذت هذ المظاهر صور متعددة في التضليل الإعلامي وتسطيح التعليم والثقافة.
أما التضليل الإعلامي فيهدف في الحقيقة إلى تعطيل وتنويم العقل الواعي الذي هو بمثابة الحارس الأمين للوعي عند الإنسان الذي يحلل ويفلتر المعلومات الداخلة إلى ذهنه، وعندما يُغيّب هذا العقل يصبح وعي الإنسان مستباحا لزرع أي مفاهيم أو أفكار في عقله الباطن، لتتحكم بعد ذلك في مواقفه وسلوكياته وتصرفاته اليومية بالنحو الذي تريده الأنظمة السياسية والشركات الرأسمالية، وهو مانسميه بالإعلام الموجه الذي يسعى للتأثير على النخب الفكرية المثقفة والرأي العام للشعوب من أجل دفعها للسير في الاتجاه المطلوب لهذه الأنظمة والشركات الرأسمالية لتحقيق أطماعها غير المشروعة.
ومن أشكال التضليل الإعلامي المشهورة هي نشر الأكاذيب والأخبار المفبركة في صور موثقة وقوالب فنية مؤثرة ومحركة للخيال والعواطف، والسعي لإخفاء الحقائق أو تشويهها، معتمدين في ذلك على أحدث النظريات في علم النفس والاجتماع، والتي يهيؤها لهم الكثير من العلماء والأخصائيون الذين باعوا شرفهم المهني وضميرهم الإنساني.
ومن أبرز مظاهر التضليل وصناعة الجهل هو تسطيح مفهوم الثقافة واختزالها في بعض الفنون الهابطة، كالتي نشاهدها في أكثر المهرجانات والمسابقات الثقافية التي تقيمها عادة وزارة الثقافة أو المؤسسات المرتبطة بها، حيث لايجد المشاهد فيها إلا الغناء والرقص والتمثيل المبتذل، وكأن الثقافة الإنسانية منحصرة في هذه الفنون السخيفة، وعاجزة عن إنتاج اي فكر عقلاني هادف، أو قيم إنسانية سامية وبنّاءة، مع أنّ ثقافة كل مجتمع تمثل هويته وأصالته الإنسانية، التي ينتمي إليها ويفتخر بها، فبدلا من أن تسعى هذا الأنظمة السياسية البالية لتطوير ثقافة مجتمعها، والارتقاء بها نحو آفاق الإبداع والخلاقية، نجدها تنحدر بها إلى مستنقعات الابتذال والعبثية.
ولكن من الواضح أنّ الهدف ليس مجرد التسلية وإتلاف الوقت، وإنما تسفيه العقول وتغييب الضمير الإنساني، لصناعة عناصر بشرية تافهة ولاأبالية، لتصبح لقمة سائغة لمؤامرات قوى الشر العالمي.
وأما تسطيح النظام التعليمي الأكاديمي بإقصاء العلوم العقلية الفلسفية الحقيقة، وإعلان انتهاء الصلاحية العلمية للمنطق العقلي الإنساني، وموت الفلسفة الميتافيزيقية وتاريخانيتها، واعتماد المنهج الحسي كمحور وحيد في بناء النظام التعليمي في جميع مراحله الابتدائية والمتوسطة والثانوية والجامعية، فليس مآله إلا تجهيل طلاب العلم والمعرفة، وتضعيف عقولهم، وتغييب وعيهم الإنساني، وإعدادهم ليكونوا مجرد أدوات تنفيذية في أيدي الأنظمة السياسية الانتهازية، والماكينة الرأسمالية العملاقة والمتوغلة.
ونحن نشاهد بأعيننا كيف أضحت مراكز البحث العلمي والتقني أسيرة في أيدي الأنظمة السياسية الفاسدة والشركات الرأسمالية الجشعة التي لايهمها إلا تحقيق مصالحها الشخصية والفئوية اللامشروعة، وأصبح أغلب العلماء والنخب الفكرية مجرد أيقونة على سطح مكتب هذه المؤسسات الانتهازية التي تقوم باستغلالهم وتوجيههم على خلاف المصالح الإنسانية العليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا زادت الجزائر إنفاقها العسكري بأكثر من 76 في المئة؟


.. لماذا تراجع الإنفاق العسكري المغربي للعام الثاني على التوالي




.. تونس: هل استمرار احتجاز المتهمين بالتآمر على أمن الدولة قانو


.. ليبيا: بعد استقالة باتيلي.. من سيستفيد من الفراغ؟ • فرانس 24




.. بلينكن يبدأ زيارة للصين وملف الدعم العسكري الصيني لروسيا على