الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بانوراما سياسية

منذر خدام

2019 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


مع اقتراب العام 2019 من نهايته وددت، على غير العادة، ان اودعه بإطلالة بانورامية على وضعية أهم الأحداث الجارية في سورية والمنطقة عموما، في محاولة لاستشراف مآلاتها المحتملة في العام القادم 2020، وبذلك اختم المجلد السابع من كتاباتي حول الأزمة السورية. ومن الطبيعي أن تكون البداية من سورية.
في بداية عام 2019 كانت تتوزع المشهد السوري خطوط نفوذ دولية تتقاسمها كل من أمريكا وروسيا وتركيا وإيران وإسرائيل غير انها مع نهاية العام بدأت تشهد تغيرات ملموسة سوف تستمر في العام 2020 . لقد قررت امريكا الانسحاب من شرق الفرات، مما وضع حلفاءها الكرد في مأزق حقيقي، وهم من راهن عليها لتحقيق مطالبهم بإدارة ذاتية، تخولهم الاحتفاظ بقوات خاصة بهم( قسد). لقد تجاهل الكرد أن أية ادارة ذاتية تخصهم مع وجود قوات تحميها لن يكون مقبولا من قبل أغلب السوريين، ولا من قبل النظام، ولا من قبل دول الجوار الاقليمي، وبالأخص تركيا. لقد أخطأ الكرد في رهانهم على امريكا رغم تحذيرات قائدهم أوجلان، وكنا قد نبهنا مرارا إلى أن امريكا لا يمكن أن تضحي بعلاقاتها مع تركيا وهي القوة الثانية في حلف شمال الأطلسي من اجل كرد سورية. لقد شكل إصرار الكرد على الاحتفاظ بكانتوناتهم الثلاث استفزازا كبيرا لتركيا، التي ما كان لها ان تقبل بذلك فدفعت قواتها ومرتزقتها لاحتلال عفيرين لتقضي بذلك على احد الكانتوتات الثلاث. وإن اتهام روسيا بالتواطؤ مع تركيا في تسهيل احتلال عفرين لا يغير من الواقعة شيئاً، بل كان عليهم توقع ذلك. فمنذ التدخل الروسي الحاسم في الصراع الداخلي في سورية في خريف عام 2015، وهم يعملون على استثمار جميع العوامل الداخلية والخارجية لصالح هذا التدخل، ومنه العامل التركي وقد نجحو في ذلك. لقد ابتكر الروس مسار استانا وما نتج عنه من مناطق خفض التصعيد لكي يساعدوا الجيش السوري في بسط سيطرته على مساحات شاسعة من الجغرافيا السورية كانت تحت سيطرة المجموعات المسلحة المتطرفة والارهابية. وإذا كانت ادلب قد تأخرت بعض الشيء، فذلك بسبب الاستثمار التركي فيها من أجل الضغط على منطقة النفوذ الأمريكية شرق الفرات، وهذا ما تحقق لهم باحتلال الريف الشمالي لمحافظة الرقة وإنشاء منطقة عازلة تقضي على حلم الكرد بإنشاء حكم ذاتي لهم، وحصل كل ذلك هذه المرة بتوافق أمريكي-روسي. لقد ادت ادلب وظيفتها بالنسبة للأتراك كورقة ضغط ومساومة، لذلك لن تعارض في حال اجتاحها الجيش السوري، وحلفاؤه بدعم روسي وهذا ما سوف يحصل في مطلع العام القادم.
لقد اخطأ الكرد السوريين باستعجالهم بإنشاء إدارات خاصة بهم وعدوها خطوط حمراء في أية عملية تفاوضية، مع انها تكسرت في اكثر من موضع. لقد كان عليهم ان يركزوا على انجاز التغيير الديمقراطي في دمشق، وان يستثمرون انتصاراتهم على داعش في هذا المجال، وليس في السيطرة على مناطق شرق الفرات، وخصوصا تلك التي لا وجود كردي فيها، وهم يعلمون أن سكان تلك المناطق لا يودون الكرد. حصل كل ذلك استجابة لمطالب أمريكية وهم لأسف مستمرون في تلبية هذه المطالب مع انه لا مصلحة للسورين جميعا فيها ومنهم الكرد السوريين . لقد اخطأت القيادات الكردية الرئيسة( قيادة قنديل) في عدم ادانة اعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان السوري، ويخطؤون اليوم في مساعدة أمريكا على حراسة أبار النفط لمصلحة تهريبه إلى اسرائيل. خلاصة القول ان منطقة النفوذ الأمريكية شرقي الفرات في انزياح مستمر، وسوف يستمر معها انزياح النفوذ الكردي خلال العام 2020، لصالح تقدم النفوذ الروسي، ونفوذ النظام. ينبغي ودون تأخير أن تدرك القوى الكردية الفاعلة أن حلم الادارة الذاتية غير الواقعي قد مات من جراء تدخل تركيا في عفرين وفي شرق الفرات، وكذلك من خلال انتشار الجيش السوري في تلك المنطقة، وهي تحسن إذا ركزت مطالبها على الحقوق الثقافية للكرد، وعلى ضرورة التغيير الديمقراطي في دمشق.
لقد نجح الروس أيضا في ايجاد مسار سوتشي السياسي إلى جانب مسار استانا العسكري، وما تمخض عنه من إنشاء اللجنة الدستورية، وهم يعملون على نقلها من مسار جنيف إلى مسار دمشق وسوف ينجحون في ذلك. يدرك الروس قبل غيرهم ان اللجنة الدستورية بقوامها الحالي، وبنفوذ دول عديدة عليها، لن تؤدي إلى أي نتيجة، وهي في وضعيتها الحالية بالنسبة للنظام مجرد وسيلة لتقطيع الوقت حتى يمرر انتخابات2020 البرلمانية وكذلك انتخابات2021 الرئاسية وهو يحظى في ذلك بتأييد ايراني، و بعدم ممانعة روسية. ومع ان جملة من المتغيرات الاقليمية سوف تحصل في عام 2020 لصالح النظام، ومنها بصورة خاصة اعادة العلاقات الدبلوماسية بينه وبين الدول العربية، فهو يدرك أن لا خيار في نهاية المطاف بدون الحل السياسي الذي يشكل اعداد دستور جديد فاتحته. فإعادة سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها، وخروج القوات الأجنبية منها، وعودة اللاجئين والبدء بعملية الاعمار، ووقف تدهور مستوى معيشة السوريين، كلها تتطلب تغييرات حقيقية في بنية النظام الاستبدادي الحاكم لصالح قيام نظام ديمقراطي علماني لامركزي منفتح على جميع الدول.
لم تكن احداث عام 2019 مريحة لإيران وهي اللاعب المهم في الداخل السوري، إذ تسبب الحصار الأمريكي الخانق عليها إلى تراجع قوتها التأثيرية عبر الوسائل الاقتصادية التي كانت توظفها في دعم حلفائها في كل من سورية والعراق ولبنان واليمن وهذا بلا شك سوف ينعكس على وسائل تدخلها العسكرية، وتضع نفوذها في هذه الساحات موضع تساؤل. وبالفعل ما إن بدأت انتفاضة الشعب العراقي حتى صار احد توجهاتها معاداة النفوذ الإيراني، إلى جانب معاداة النفوذ الأمريكي. وإذا كان من المستبعد أن ينجح العراقيون الثائرون في فرض تغيرات جوهرية على قوام النظام السياسي الطائفي القائم، لكنهم بلا شك سوف ينجحون في الحد من فساد السلطات الحاكمة، وتحقيق بعض القضايا المطلبية. إن جوهر ازمة العراق هي من حيث الجوهر والأساس كامنة فيما يسمى بنظام بريمر، ولا بديل على المدى الاستراتيجي من تغيير هذا النظام إلى نظام ديمقراطي مدني علماني يحد كثيرا من تدخل الخارج في شؤون العراقيين. وينبغي أن لا يغيب عن هذا المسار احتمال عودت العسكر للتدخل في السياسة، واستلام السلطة بانقلاب عسكري خصوصا إذا تأزمت الأوضاع اكثر، واقتربت من مشارف نوع من الحرب الأهلية.
لقد فاجأ اللبنانيون انفسهم، والعالم كله بما فيه الجوار الاقليمي بالطابع اللاطائفي لانتفاضتهم في خريف عام 2019، التي وضعت الطبقة السياسية اللبنانية كلها موضع اتهام، بل أسقطتها معنويا واخلاقيا، وبعضها سوف يسقط سياسيا أيضاً. من المستبعد ان ينجح الحراك اللبناني في إلغاء النظام السياسي الطائفي المتأصل في النفوس وفي العلاقات الاجتماعية والسياسية كنتيجة مباشرة له، لكنه بلا شك نجح في وضعه موضع تساؤل جدي، مما سوف يطلق عملية لتجاوزه في المدى البعيد نسبيا. وسوف تكون فاتحة هذه العملية في عام 2020 اعداد قانون انتخاب جديد يقوم على اساس النسبية الكاملة، ولبنان دائرة واحدة.
فيما يخص تونس يمكن القول انها قد تجاوزت المرحلة الانتقالية لثورتها في نهاية عام 2019 وانتقلت من منطق الثورة إلى منطق الدولة القائم اساسا على الشرعية الدستورية. اما فيما يخص السودان فيمكن القول أنها دخلت في المرحلة الانتقالية بنجاح وبدأت عملية تفكيك النظام الاستبدادي الذي كان قائما، وتسوية مشاكل السودان السياسية الداخلية. سوف تستمر هذه العملية خلال عام 2020 بحذر شديد وتخوف من احتمال ارتداد العسكر عليها. ويبقى الرهان على القوى المجتمعية والسياسية التي ثارت ضد النظام السابق لضمان الانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي مستقر بنجاح.
وها هي الجزائر قد نجحت أخيرا في اجراء انتخابات رئاسية فيها، رغم استمرار القوى المنتفضة في الشارع، والتي سوف يضعف حراكها تدريجيا. مع ذلك سوف يستمر الحراك الشعبي الجزائري خلال عام 2020 وإن السبيل الوحيد لوقف منطق الثورة والانتقال إلى منطق الدولة هو في مدى نجاح الرئيس الجديد في اجراء التعديلات التي طالب بها الحراك على صعيد النظام السياسي، ومحاربة الفساد، وتحسين الواقع المعيشي للسكان.
إن ما يميز الموجة الثانية من " ثورات الربيع العربي" هو سلميتها، ويبدو لي هذا درس مستفاد من تجربة سورية على وجه الخصوص. ولذلك بدلا من أن تلجأ السلطات الحاكمة إلى قمعها دخلت معها في مساومات سياسية تجنبا لمخاطر الانزلاق إلى العنف، وما يسبب من كوارث على كل الصعد.
فيما يخص اليمن فإن عام 2020 سوف يجلب السلام لهذا البلد في الغالب الأعم، لأن جميع الأطراف ادركت ان لا خيار غير التسوية السياسية، وإن ظروف الدول المتدخلة في الأزمة اليمنية صارت ملائمة للقيام بذلك خصوصا في السعودية وايران. وبهذه المناسبة ينبغي ان نشير إلى أهمية التغييرات التي يجريها ولي العهد السعودي على صعيد الداخل السعودي، والتي سوف تستمر، وتتعزز، وتشمل مجالات أخرى من مجالات حياة السعوديين في الأعوام القادمة.
أما فيما يخص ليبيا فإن الصراع السياسي والعسكري بين قوى البرلمان وقوى الحكومة المؤقتة في طرابلس سوف يستمر في عام 2020، خصوصا وأن مواقف القوى الاقليمية المتدخلة في الشأن الليبي على درجة عالية من العداء بحيث يصعب التوليف بينها، لذلك فلا خيار جدي آخر لإنهاء الصراع المسلح والانتقال إلى الحل السياسي إلا بعد حسم معركة طرابلس وهذا ما سوف يتحقق لقوات حفتر على الأغلب الأعم في الأشهر الأولى من عام 2020.
إن الرابح الأكبر من كل مجريات الأحداث في المنطقة العربية وبصورة خاصة في سورية والعراق هو بلا شك اسرائيل. لقد أدى الصراع في سورية إلى اخراج الدولة السورية لعقود من السنين من دائرة الفعل والتأثير في الاقليم. كما إن العراق صار بعد عام 2003 منقسما على ذاته، منشغلا بقضايا هذا الانقسام من محاصصة طائفية ونهب لثرواته، وتجاذبات خارجية بين ايران والولايات المتحدة إلى جانب بروز دور رجال الدين و مرجعياتها في السياسة على حساب القوى العلمانيةش. من جهتها دول الخليج غيرت كثيرا من توجهاتها السياسية، فصارت اسرائيل دولة حليفة، في حين صارت ايران دولة عدو، وقد حصل كل ذلك بتخطيط مدروس من قبل اسرائيل وامريكا ترامب. ليس مستبعدا في عام 2020 أن تقيم دول الخليج العربي علاقات دبلوماسية مع اسرائيل بعد ان صارت كل الطرق السياسية والاقتصادية والدبلوماسية سالكة بهذا الاتجاه.
في نهاية هذا العرض السياسي البانورامي لأحداث سورية والمنطقة العربية والاقليمية، يمكن القول ان عام 2019 لم يكن مريحا لدول وشعوب المنطقة العربية، لكنه مع ذلك رسم معالم الخروج من الكوارث التي تسببت فيها الأنظمة الاستبدادية والفئوية الفاسدة القائمة، والتدخلات الخارجية فيها، إلى فضاءات الحرية والديمقراطية وحكم القانون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في الإمارات لليوم الثالث بسبب سوء الأحوال الجوية


.. -الرد على الرد-.. ماذا تجهز إسرائيل لطهران؟| #الظهيرة




.. بوتين..هل يراقب أم يساهم في صياغة مسارات التصعيد بين إسرائيل


.. سرايا القدس: رشقات صاروخية استهدفت المدن المحتلة ومستوطنات غ




.. أصوات من غزة| ظروف مأساوية يعيشها النازحون في العراء بقطاع غ