الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الفلسفة كبديل لإسعاد الإنسان من وجهة نظر ألان باديو
احمد زكرد
2019 / 12 / 31الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تعد السعادة من أهم المفاهيم التي انشغل بها التفكير الفلسفي عموما و الأخلاقي على الخصوص ؛ فالسعي وراء السعادة هو الذي حرك الإنسان منذ المراحل الأولى من وجوده، و ما جعله يبتكر الأدوات و يكد في تطويرها وينتج المعارف ويجتهد في تدقيقها ، لكن مهما تتطور الانسان بغية اشباع رغباته وتحقيق السعادة فستبقى هذه الأخيرة صعبة المنال ، لانها لا تفتأ تغرينا بالقبض عليها حتى تنفلت لتغازلنا مرة أخرى من بعيد ، لتغرينا بمعاودة الجري خلفها ... وليس من شأن السعادة أن تهرب من مطارديها فحسب ، بل هي لا بد أيضا من أن تترك في نفسهم مشاعر القلق و التلهف و التعطش المستمر...
مفهوم السعادة اليوم في حاجة لإعادة التعريف، وإعادة تقديمه للناس؛ بعد أن أصبح بسيطا لحد التعقيد، فكلنا نود أن نكون سعداء؛ لكن حين يسألنا شخص سؤالا بسيطا "ما هي السعادة؟" لا نستطيع الإجابة؛ لأن المفاهيم اختلطت وتعقدت، ما بين السعادة والرضا والرفاهية، وتخفيف الألم، والنجاة من الموت، والبحث عن حياة كريمة، والسعي وراء المال و كماليات الحياة ...
يذهب الفيلسوف الفرنسي المعاصر ألان باديو إلى أنّ السعادة قائمة في جوهرها على عدم الرضا وعدم القناعة بنظام العالم كما هو. وهنا يعترض باديو على التصور الرواقيّ للسعادة والذي يفترض ضربا من "التعاطف الكوني" والتصالح مع أقدارنا والرضا بما نحن عليه. وكذا الفلسفة الحديثة لدى كانط ونيتشه....،هؤلاء الذين لا يؤمنون بأنّ الفلسفة يمكنها أن تمنحنا السعادة؛ و يعترض -أيضا- على التصوّر الليبيرالي للسعادة بما هي إشباع للجشع؛ لأن السعادة عند باديو كَونيّة في حين أنّ الإشباع فرديّ وأنانيّ. فالسعادة يمكنها أن تؤسس الرغبة من جديد سواء على صعيد الفلسفة أو في الحياة الحقيقية، في حين أنّ الإشباع لا يلبي غير حاجات فرديّة ضيّقة تحوّل الإنسان إلى وسيلة في آلة الاستهلاك الكبرى للعالم الرأسمالي المتوحّش. أما القيم الكونية التي تسود العالم الآن؛ فهي كونيّة المال والتجارة العالميّة وأجندات الحروب والنفط والمنافسة والتسابق والتباري في المظاهر والموضة. وحده المال هو القيمة العالمية الوحيدة.
لهذا يصرح باديو في كتابة "ميتافيزيقا السعادة الحقيقية " أن العالم الذي نعيش فيه اليوم، هو عالم للسلع وليس عالما للحريّة، فهو عالم للاستهلاك وليس عالما للفلسفة أو للسعادة. بمعنى أن الفلسفة هي المانحة للسعادة؛ لأنها تمرد على الواقع المعاش، ومحاولة لفهمه وتفكيكه من أجل تغييره، أما عالم اليوم فهو عالم غير جاهز؛ لا لفكرة الثورة ولا لفكرة السعادة. فكيف نكون سعداء أمام هذه التطورات التقنية و العولماتية ؟
يذهب ألان باديو إلى أنه لكي نكون سعداء؛ علينا أن نتمسّك بالرغبة في الفلسفة من أجل تمييز السعادة الحقيقيّة عن سعادة الإشباع:
حيث إنّ الفلسفة تمرّد عقلاني يطمح الى رهان كونيّ يتجلى في مواجهة هذا العالم المعاصر القائم على الشظايا والشذرات والاختصاصات. وهو يقصد بذلك أنّ الفلسفة مسكونة في عمقها برغبة جامحة في الثورة على ما هو سائد من بديهيات ومعتقدات ومسلمات وسياسات. وعليه فإنّ الرغبة في الفلسفة إنّما هي –منذ اليونان- رغبة في ثورة الفكر ضدّ التصورات السائدة حول السعادة الحقيقية وسعادة إشباع الرغبات.
غيرأن الفلسفة هنا ليست بمعنى "التفلسف الفارغ"؛ بل بمعناها الأعمق، وهي المعرفة وطرح تساؤلات حقيقية حول المعرفة، والأمر هنا لا يقتصر على المعرفة الأكاديمية؛ بل يرتبط بالمعرفة اليومية، وما يواجهه الإنسان في حياته ويستحق أن يطرح حوله الأسئلة التي تبين وضع الإنسان في هذا العالم، فالوصول إلى السعادة يبدأ حينما يكون الإنسان صادقا مع نفسه. وتصبح مهمة الفيلسوف هي استعادة السعادة الحقيقية من كلّ ضروب ابتذال مفهوم السعادة في عالم ارتدّ فيه البشر إلى أرقام استهلاكيّة في آلة الرأسماليّة المتوحّشة. في عالم البضائع المثيرة للغثيان، عالم المسوخ التي تعبر هذه السوق الكبيرة. ويحاول باديو تقديم بديل لهذا النزيف القيمي التي طالت الانسان المعاصر جراء كماشة الاستهلاك ، يقول باديو فـ"نحن نحتاج إلى نقطة توقّف اللا مشروطة من أجل كسر هذه السلسلة اللامتناهية لمجتمع تبادل السلع. لا شيء بوسعه إيقاف هذا البريق اللامتناهي لتدفّق السلع ودوّامة الرغبات الاستهلاكيّة غير مطلب جذريّ أو فكرة استراتيجية مناقضة تماما لمنطق العالم الاستهلاكيّ القائم على الإشباع والبضائع الأنانيّة والجاهلة معا".
اذن باديو يريد ان يخرج بالسعادة من حيزها الضيق و يربطها بتغيير العالم يقول :" أن تكون سعيدا هو أن ترغب في تغيير العالم، أن نغيّر العالم هو أن نطلب المستحيل بما هو الواقع عينه، الواقع الحقيقيّ كي نواجه الواقع الزائف." هكذا إذن يكون تعريف السعادة الحقيقيّة كما يتصوّرها باديو في طلبها لتغير الواقع و انتزاعه من براثين الشجع الاستهلاكي حيث فُقد الإنسان .
نخلص مع باديو لكي نكون سعداء يجب أن نعرف السبيل للتمتع بالعالم الذي نحيا فيه وأن نتمتع ببهجة الحياة حينما نحبّ، وحينما نبدع فنّا، وحينما نسعد بولادة حقيقة ما. نحن نسعد بكلّ تغيير بهيج لما يحدث لنا. حيث أنه لا ينبغي أن نتأمّل الوجود وأن ننعم بدفء أحضان مساحة الراحة ؛ إنّما علينا الذهاب دوما لملاقاة الحدث وتعلم الجديد. حدث ما؛ هو ذاك الذي يغيّر نظام العالم. في عالم يكاد ييأس من قدرته على السعادة، بما يحصل فيه من ضروب البؤس والتعاسة، تبقى السعادة كما كفاح وليست مكافأة، مكابدة وليست فرحا دائما، وهذا هو سر الحياة؛ نتألم لكي نسعد لأننا لا نملك القدرة على أن نكون تعساء لمدة طويلة .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. 2024 النشرة المغاربية الخميس 28 مارس • فرانس 24 / FRANCE 24
.. المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية تؤكد ضرورة بدء تجنيد
.. لليوم الـ11.. استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع
.. محكمة العدل الدولية تأمر إسرائيل بضمان إيصال المساعدات إلى غ
.. غزة.. ماذا بعد؟| نحو 20? من الأمريكيين يغيرون موقفهم من حرب