الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مرجعية النجف العليا تدعو لبناء سور الشيعة العظيم

مسار عبد المحسن راضي
(Massar Abdelmohsen Rady)

2020 / 1 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



إلى محسن الرملي، احمد سعداوي، وكُلِّ مثقفٍ عراقي يرى بعين الحقيقة بدونِ كُحلٍ مُقدّس:
-لنصنع دولةً تخشى مِنَ المواطِن ومواطِناً يخشى أن يكون بِلا دولة-

إنَّ البيانات السياسية التي تُدَوْزِنُ بيانو خُطَبِ الجُمْعَة، لِما تُعرفُ بـ "مرجعية النجف العُليا" في العراق، تقليدٌ؛ انتَشر كالنارِ في أذيالِ المكوِّنات الاجتماعية في البلاد، بعد 2003. ذلك التقليد، أعطى جِنَاحيْ فراشة للبعض، ووضع صخرة بلال الحبشي، على أداء البعض الآخر مِنَ الفاعلين السياسيين.
المراقبُ؛ الجَاحِظةُ عيونهُ من مراقبة الشأن العراقي، بعد أحداث ثورة تشرين العراقية 2019، والتي انطلقت في أوّلِ يومٍ من كُرّاسِ تقويمهِ. قد يستطيعُ، استخدام ما ورَدَ مِنْ كلماتٍ، خرَجت مِنْ فَمِ البيان السياسي، لمرجعية النجف العُليا (سُنسمّيها اختِصاراً في قادم السطور بـ العُليا)، كقَطَرَاتٍ لإراحةِ عيّنيه، مِنْ ضبابية المشهد التشريني. هذا البيان، والذي تُلي بواسطةِ مايك اليوم العشرين مِنْ ديسمبر، كشف نمطاً، لا يضبط إيقاع "العُليا" فقط؛ بل ويفتِنُ: إنَّ هذهِ المؤسسة الدينية "الشيعية"، ليست سوى جماعةٍ لا نظامية. نقل روبرت د. كابلان؛ في كتابهِ (انتقام الجغرافيا)، عن جاكوب غريجل: إنَّ الدولة تمثِّلُ عبئاً وبالتالي فإن هذه الجماعات اللا نظامية تسعى إلى السُلطة من دون تولي مسؤولية الحكم.
"العُليا"؛ في بيانِها الدْيسَمّبريْ، أعلنت بشكلٍ واضح ومراوغٍ جدّاً، إنَّ هذهِ الثورة، لا تخصّ العراقيين بأجمعِهم، وإنّما فئات مُختلفة من المواطنين. أيضاً ورغم عراقتِها، ليس ماضيّها فحسب؛ بل المستقبليُّ أيضاً، على اعتِبارِ إنّها بُنيت، بـ لُبنةِ انتظار تحقُق العدالة الإلهية على الأرض. تحديداً؛ عودة الإمام المهدي من غيبتهِ الكُبرى (طبعاً يحتلُ هذا التصوّر، الركنُ الأهم في المذهب الشيعي)، قامت بوضعِ رِجْليّ مواقِفها في بركة التاريخ "الأحداثي". كابلان اختار تعريف برودل، لهذا النوع من التاريخ: يطلق بروديل على الدورة قصيرة الأجل اسم التاريخ الأحداثي-أي التقلبات اليومية للمناورات السياسية والدبلوماسية التي تمثِّلُ العنصر الرئيسي في التغطية الإعلامية.
المصيبةُ الأكبر، إنّها وفي غرفةِ اعترافِها الدْيسَمّبريْ، أعلنت إن هنالك حرباً أهلية، تجري في الأرض العراقية: تَمرُّد البعض على القوانين والضوابط المنظمة للحياة العامّة في البلد بلا رادع أو مانع. يبدو إنّها تبنَّت تعريف ضابطٍ فرنسي؛ جالولا ديفيد. ساوى بين التَمرُّدِ وبين الحرب الأهلية. هذا الاعتراف ورَد في مِحراب اعترافهِ الاستعماري.. (كِتابهُ حرب العصابات المُضادة/ النظرية والتطبيق) : التَمرُّدُ هو حربٌ أهلية. حتى الآن هنالك اختلافٌ في الشكل الذي تأخذهُ الحرب عند كل قضية.
يحِقُّ لنا أن نتساءل بعدها: عن سَّرِ تنازلِ، هذهِ المؤسسة عن عراقتِها المُستقبليّة، و ما الذي يدفعُها إلى ممارسة ولاية الفقيه الإيرانية بشكلٍ مموه؟
"العُليا" تُكافح التَمرُّد العراقي
الإجابةُ على هذا السؤال، تستدعي منا، استحضار جالولا ديفيد للمرّة الثانية، والذي تدينُ لهُ بالفضل، الأدبيات السياسيّة الأمريكية، في جعلِ الإرهاب، علكة رخيصة الثمن، مصنوعة من الثورة. رائعةُ ديفيد الفكرية، نجحت في توليدِ مصطلحٍ فرانكشتاينيّ، من جُثَّةِ الفرد الذي يقوم بفعلِ الثورة: مات الثَوْريْ عاش المُتمرِّد.
ديفيد؛ قدّم هذهِ النصيحة العبقرية، للعم سام: يجب أن لا نتنازل لماوتسي- تونغ. إنَّ الخصم الثوري هو مضاد الثوري. هذهِ الكلمة أصبحت مُرادِفاً للرجعية، والتي هي ليست دائماً هكذا، ولن تكون هكذا دائماً، تلك القضية. ولهذا فأن هنالك جانباً سنُطلِقُ عليه اسم المُسلّح، وفِعلهُ هو "التَمرُّد".
إذاً؛ "العُليا" قررت، عدم التنازل للفرد العراقي. أيضاً تبخيرُ ثورةِ تشرين، بمْبخَرَةِ "تَمرُّدِ البعض"، هو لتخديرِ يقظةِ الحواس الثَّوريَة، للفرد العراقي، مِنْ أعدائهِ المُستيقظين، والنائمين في بياناتٍ. الرِسالةُ الحقيقيةُ، موجَّهةٌ للاتباع المُنتفعين من تلك المؤسسة: إمّا نحنُ وإمّا هم.
هناك، حقيقةٌ أُخرى؛ عجماء النوع (وصفٌ للحقائقِ التي لا تحتاجُ برهاناً؛ كضرورة الشمس للحياة البشرية)- على الأقلّ بالنسبة للعراقيين- تتعلقُ بـ "العُليا"؛ إنّها احترفت، افتِراس مفهوم الدولة؛ بإشاعاتِها -الديستوبيّة- عكس اليوتوبيا. كمِثالٍ يصلحُ حتّى للقياس: السَّرِقةُ من الدولة الظالمة حلال. طبعاً حاولت في السنينِ الأخيرة (قبل ثلاثِ سنين على الأكثر) أن تُبطِلهُ، ولكن كيف.. وما لِـ روما وقيصر هو لـِ روما!؟
"العُليا"؛ ولأنها لا نظامية، تَصرَّفت بالضِدِّ، مما قام بهِ رِجالُ الثورة الخُمينيّة. هنا؛ ولدفعِ الموضوع إلى تضاريسِ مزيدٍ من الوضوح، سنستعينُ بعربةٍ مِنْ اقتباساتِ كابلان؛ حيثُ نبدأ: إنَّ الثورة الإسلامية لم تُفكِك الدولة الإيرانية، ولكنها، بدلاً من ذلك، ربطت نفسها بها. "العُليا"، ولأن رِجالاتِها مِنْ ذوي المقام العالي، أفرادٌ متعددي الجنسيات (إيران، باكستان، أفغانستان)، أرادت أن تُمارِسَ، إجراءً إدارياً؛ لا مركزية فيه، شبيهاً بالإمبراطورية البارثية. سبب استِعارة "العُليا" لهذهِ اللا مركزية، نتركهُ لكلِماتِ؛ صاحب عربة اقتباساتِنا: منطقة للنفوذ القوي بدلاً من الحكم المباشر.
إذاً؛ هي تحاولُ، إعادة هيكلة المجتمع العراقي، وفق أُسسٍ "شيعية"، كي تنمو "العُليا"، إلى شكلٍ من ولايةِ الفقيه، يناسِبُ الفرد العراقي. الموقِفُ الدْيسَمّبريْ لِـ "العُليا"، مِنْ ثورةِ تشرين العراقية، هو البيان رقمُ واحد، وإعلانٌ عن مُناقصةٍ، لبناءِ نُسخةٍ جديدة، مِنْ سّور الصين العظيم، يفصِلُ: بيننا نحنُ و هُم. يقتبِسُ كابلان عن أوين لاتيمور: مِنَ الواضحِ أنهُ كان هناك خطٌ فاصل عند نقطة ما، بين البلدان والشعوب التي يمكن ضمُّها على نحو مفيد إلى الإمبراطورية الصينية، وتلك التي لا يمكن ضمّها. وكان هذا هو الخط الذي كان المقصود من سّور الصين العظيم تحديده.
"العُليا"، التي تورطت بـ "التاريخ الأحداثي" العراقي، بعد 2003، والتي لجأت إلى استعارةِ ما يُناسِبُها، مِنْ قاموس ولاية الفقيه الإيرانية- الفارسيّة القوميّة؛ بعد تشرين 2019. تريدُ الاستفادة من نصيحة ابن شكسبير الأدبي؛ بروتوس: يوجدُ مدٌّ في الأمور الإنسانية الذي إذا أُستُغِل وقت الطوفان يؤدي الى النجاح، وإذا لم يُستغلّ، فإن كلّ رحلة حياتهم مصيرها الضحالة والتعاسة.
"العُليا" للمثقف العراقي: أذهب أنتَ وربُّك فقاتِلا
في ستينيات القرن الماضي، أصدر معهد الصحافة الدولي؛ في زيورخ، تقريرهُ النابش؛ في عالم التغطية الصِحافية العالمية، للشرق الأوسط. مُستعرِضاً عدّة دولٍ عربية، وغير عربية في المنطقة. التقريرُ النابشُ، شخَّص أشكالاً عديدة، مِنَ العوائق الكونكريتية التي تُغرِقُ القارب الورقي- التغطية الصِحافية- للمراسل الأجنبي، وتسببُ تفضيل الرُبّان- قلم الصِحافي- للأمان المعلوماتي، البعيد عن رادار لعنات الدولة المُستضيفة له. يذهبُ التقرير إلى أن: الرأي العام هو رأي أقلّية مُستنيرة من سُكّان المُدن. غالباً أيضاً، ما يعثرُ الرُبّان الأجنبي وسفينتهُ الورقية، على شواطئ مأهولة. ليس هناك من عالمٍ جديد، يُعرّيه الرُبّان الأجنبي من المجهول، والسبب بحسبِ التقرير السويسري: السياسة هناك مقصورة على الشخصيات الكبيرة.
تلك العوائق الكونكريتية، المُسجّلة في زيورخ؛ منذُ ستين عامّاً، تصبحُ خُرَسانة ملاجئ نووية في العراق. الصِحافيون النابِهون في العراق- أغلبُهم- "عنترة" فكري وأدبي، يتخِذُ من الصِحافة؛ شيبوباً، للترويجِ عن عبلاه. القوسُ الفكري؛ للمثقفِ العراقي، ذاتيةٌ مُفرِطة، وسهمهُ أفكارٌ تجريدية. يُنتِجُ أدباً، يُعاني مِنْ تُخمة التجريد. الميزةُ الأساس لِهذا الأدبُ التَنْبَليْ (نسبةً إلى مُفردة تَنْبَل)، إنّهُ مُنافِقٌ عريق للبِلاط الواقعي!
زهير الهيتي؛ مثقفٌ عراقي، نقل ما سجَّلتهُ كاميرا النثر العربي، مِنّ صِوَرٍ عن ابناءِ البلد. اتصوَّرُ إن ما نقلهُ عن هاديا سعيد؛ في كِتابهِ (صورة العراقي في الرواية العربية، يصلحُ أن يكون عربة إسعافٍ، لنقل المثقف العراقي إلى مصحات نقاهة فكرية: لم أرَ شعباً أكثر قراءة وتعلُّقاً بالأدب والفكر كالعراقيين، إنَّ مرجعيّتَهُم هي الورق والكتُب وليست الحياة، وأبطالُهم شخصيات روائية وقصائد شِعر وشجن غناء شعبي. أكثرُ منهم أشخاصاً من لحمٍ ودم أو تجارب مُغمّسة بالواقع. أمّا عن قسوة الأحكام التي يتعرضُ لها، المثقفُ الزنديق، على السائد الديني والإيديولوجي، بحسبِ سعيد ووساطةِ الهيتي: تُطلِقُ أحكاماً قد تصِلُ إلى الحكمُ بالإعدامِ.
هذهِ الخلطة من زيورخ، زهير الهيتي، وهاديا سعيد، ضروريةٌ؛ لِفَهِمِ البيان الدْيسَمّبريْ لـِ "العُليا"، والذي كان: آخِر جُرعةٍ سياسية، تحقِنُ بها الشارع الثائر؛ إذ أعلنت بعدها وبدونِ سابق إنذار، إن مذخرها من النصائح السياسية، أصبح متوقِفاً عن العمل، ولا أقول عاطِلاً. السبب وبحسبِ الخلطة: إنّها تنتظِرُ، مُضاربين جُدُد في بورصةِ خُطبتِها. هذهِ المرّة، تودُّ أن تستفاد من النُخبةِ المنسية؛ المثقفين. خاطبتهم في معزوفتِها الدْيسَمّبريْة: يأتي الدور للنخب الفكرية والكفاءات الوطنية الراغبة في العمل السياسي لتنظم صفوفها وتعد برامجها للنهوض بالبلد وحل مشاكله المتفاقمة في إطار خطط عملية ومدروسة. كالعادة؛ لم تقم أيضاً برفعِ سقف التوقعات المستقبلية، كما تفعل مع قانون الإمام المنتظر، بل عبّرت عن أملِها في: أن يقوم مجلس النواب القادم والحكومة المنبثقة منه بالدور المطلوب منهما في إجراء الإصلاحات الضرورية للخلاص من تبعات الفساد والمحاصصة وغياب العدالة الاجتماعية في المدة السابقة.
هكذا تستمرُ بيانات "العُليا" بلعِبِ دور > في الشأن السياسي. تُعطي نصائحاً مُكعّبة، ليس لأنها عميقة التفكير، وإنّما ليجد فيها الجميع ما يريد. الدولة العراقية التي لم يكتمل مشروعُ بنائِها، تمّ تحويلُها إلى سيركٍ طائفي. هذا السيرك لا توجدُ فيه سوى غُرفةِ مرايا. الجميع يتخيّلون أنهم بحجم الفيل. الفيل الحقيقي يتنكرُ كخيمةِ السيرك. المشكلة أن لونهُ أبيض، ولِهذا لا أحد يُصدِّق أنهُ موجود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن