الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَتَى يحسِم السُّودان التعدِّيات الإثيوبيَّة ؟!

فيصل عوض حسن

2020 / 1 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


وفقاً لصحيفة الانتباهة في 30 ديسمبر 2019، قَتَلَ الإثيوبيُّون امرأةً سُودانِيَّةً (داخل السُّودان)، وطَالَبَ الأهالي والي القضارف بحمايتهم من تعديات الإثيوبيين (المُستمرَّة)، الذين تَزَوَّدوا بالأسلحة الثقيلة وتَوَطَّنوا في الأراضي السُّودانِيَّة، ومنعوا مياه الشُرْبِ والرعي عن المُواطنين (السُّودانيين). وفي ذات السياق، ذَكَرَت صحيفة الراكوبة في 3 يناير 2020، أنَّ الإثيوبيّين نَهَبوا 200 رأس ماشية، وقتلوا 3 مُواطنين سُّودانيين وأصابوا 4 آخرين، في ما لم يصدر عن حاكمي السُّودان، أو كياناتنا المُتكاثرة (المدنِيَّة/المُسلَّحة) مُجرَّد بيان أو تصريح، وكأنَّ (المغدورين) من كوكبٍ آخر ولا ينتمون لهذا البلد (المكلوم)!
تُؤكِّد الثوابت التاريخيَّة (المُوثَّقة)، أنَّ التهديدات/الأطماع الإثيوبيَّة (قديمة) ومُتواصلة، ساعدهم في ذلك عدم وجود أي اتِّفاقيَّة (مُوثَّقة) للحدود مع السُّودان، بسبب تهرُّب إثيوبيا طَمَعاً في أراضينا. ويُثبتُ التاريخ أنَّ منيليك الثاني (1889-1913)، استَغَلَّ هزيمة المَهْدِيَّة أمام الإنجليز، واحتلَّ بني شنْقُول والقَلَّابات بحِجَّة تأمين الطرق التجاريَّة، وادَّعى أنَّ حدودهم تشمل القضارف وكركوج بالنيل الأزرق، حتَّى مُلتقى النيل الأبيض بنهر السوباط. حيث سَمَحَت بريطانيا لمنيليك بـ(حُكْمِ) إقليم بَنِي شنْقُول، على أن يقوم بـ(دَفْع) مقدار من الذهب المُسْتَخْرَج من الإقليم، لمُمثِّل بريطانيا التي كانت تَحْكُم السُّودان آنذاك، وبذلك أصبح الإقليم في حكم (المُؤجَّرْ)، تدفع الحبشة (ذَهَباً) مُقابل بقائها فيه. وهذا السردُ التاريخي المُختصر، ضروريٌ لتوضيح (تَجَذُّرْ) أطماع الإثيوبيين في السُّودان من جهة، واغتصابهم السَّافر لإقليم بَنِي شنْقُول، بإنسانه المُتكوِّن من جميع قَوميَّاتنا السُّودانيَّة الأصيلة، وبخيراته وموارده الطبيعيَّة الوافرة من جهةٍ ثانية، وهذه كارثة تتحمَّلها جميع الأنظمة التي حَكَمَت السُّودان، والنُخَب المُتَحَزِّبة/المُستقلَّة منذ ما يُسمَّى استقلال وحتَّى الآن، ولمزيدٍ من التفاصيل يُمكن مُراجعة مقالتي (مَتَىْ يَسْتَعِيْدْ اَلْسُّوْدَاْنْ بَنِيْ شُنْقُوُلْ) بتاريخ 16 ديسمبر 2017.
ظَلَّ الإثيوبيُّون مُتأهبين للانقضاض علينا، ووجدوا (ضآلتهم) في المُتأسلمين، خاصَّةً عقب (تَوَرُّطِهم) في مُحاولة اغتيال حُسني مُبارك عام 1995، فاحتلُّوا الفشقة التي تُعدُّ أخصب أراضي القرن الأفريقي، وقتلوا مُواطنيها (السُّودانيين) ونهبوا مُمتلكاتهم وشرَّدوهم، على مرأى ومَسْمَع من البشير وعصابته وجميع كياناتنا، والإثيوبيُّون يَتَوَغَّلون داخل السُّودان حتَّى بلغوا منطقة الدِنْدِرْ، وأقاموا فيها (قُرىً) كاملة، حسب صحيفة اليوم التالي في 2 يناير 2018! وازداد الأمرُ تعقيداً بتوقيع اتفاقيَّة سد النهضة ببنودها (الكارثيَّة)، التي غلُبَتْ عليها الضبابيَّة/العموميَّة، وغابت عنها النصوص الواضحة و(المُلْزِمَة)، بشأن تأمين سلامة السد أو التعويض في حالة الخطر، أو حجم الكهرباء وأسعارها والمسئول عن إنشاءاتها وتكاليف نقلها، حَتَّى عمليَّة التشغيل والملء تسيطر عليها إثيوبيا، بخلاف الأضرار البيئيَّة التي ما تزال مجهولة! ومن جهةٍ ثانية، لم يُطالِب البشير وعصابته باسترجاع بني شنقُول (موقع السد)، رغم تأكيدات إثيوبيا المُتكرِّرة بعدم اعترافها بالاتفاقيات السَّابقة، بما فيها اتفاقيَّة 1902، التي بمُوجبها (يحكم) الإثيوبيُّون هذا الإقليم، وهناك مقالاتٌ وأوراقٌ عديدةٌ تناولتُ فيها هذا الموضوع، كمقالة (حصَّة السودان في مياه النيل قُرباناً لقيام سد النهضة) بتاريخ 17 مارس 2015، و(ولهم من سَجَمْ البشير نصيب) بتاريخ 25 مارس 2015، و(ملامح الاتفاقية الإطارية لسد النهضة ومآلاتها) بتاريخ 29 مارس 2015، و(سد النهضة وفبركات المُتأسلمين) بتاريخ 2 أبريل 2015، إضافةً لورقة (أوضاع السودان الراهنة التحديات وملامح التأهيل وإعادة البناء) في أغسطس 2015، وورقة (صِنَاْعَةُ اَلَمُتَأَسْلِمِيْنَ لِلْأَزَمَاْتِ فِيْ اَلْسُّوْدَاْنْ: اَلْنَتَاْئِجْ وَاَلْمُعَاْلَجَاْتْ) في نوفمبر 2016 وغيرها.
إنَّ تَغَافُل السُّودانيين عن التجاوُزات الإثيوبيَّة (السَّافرة)، يُعدُّ أمراً مَعيباً ومُخزياً ويُهدِّد سيادة واستقلال البلاد، ويفتَح شهيَّة (إثيوبيا) وغيرها لابتلاع المزيد من مُقدَّراتنا، ولعلَّ هذا ما يحدث الآن تماماً. إذ تَناولت الصُحُف السُّودانِيَّة زيارة وزيرة النقل والطرق، وحاكم إقليم أمهرة وبعض قادة مُؤسَّسات الشحن والنقل الإثيوبيَّة، بهدف استخدام ميناء بورتسودان، وتسهيل انسياب الواردات والصادرات عبر الطرق البَرِّيَّة بين البلدين، وفقاً لمُخرجات المُنتدى التجاري الذي عُقِدَ أواخر سبتمبر الماضي (حسب زعمهم)! ولعلَّ استباحة مُقدَّرات البلد وتفريط الحكومات المُتعاقبة (بما فيها الحكومة الحاليَّة) في سيادته، يدعونا للتساؤُل عن مدئ إدراكهم لمضامين الاستقلال والسيادة الوطنيَّة؟ ولو ادَّعوا إدراكها، فكيف يتعاونون مع دولة تحتل بلادنا وتقتل مُواطنينا؟ ومن يحمي أهلنا (المغدورين) ويُنصفهم ويُعيد حقوقهم؟ وعلى أي أساس يُتيحون مُقدَّراتنا السِيادِيَّة والوطنيَّة للغير لا سيما (المُحتلِّين)؟! وبما أنَّ إثيوبيا ومصر كانوا يبتزُّون المُتأسلمين لتَوَرُّطهم في محاولة اغتيال حسني مبارك، فما مبررات (انبطاح) حكومتنا الحالِيَّة لهاتين الدولتين؟ ولماذا لا تتعامل حكومتنا الحاليَّة مع المُحتلِّين من منطلق قُوَّة، كونها غير مُتورِّطة في أي مشاكل مع دول الجوار؟! ولماذا تهتم حكومتنا الحاليَّة بالتجارة مع إثيوبيا، وتغفل (انتهاكها) لسيادتنا الوطنيَّة و(استباحتها) لسلامة وكرامة أهلنا؟! وهل يستلزم إنعاش اقتصادنا (حسب زعمهم) مَنْح المزيد من مُقدَّراتنا (للمُحْتَلْ)؟! وما أثر إيجار/إتاحة ميناء بورتسودان (السابق/الآني) لإثيوبيا على اقتصادنا الوطني بالأرقام المُوثَّقة؟ وهل تمَّ تقييم هذه التجربة ومعرفة جدواها من عدمه؟! وما هي مؤشِّرات ومعايير التقييم وهل من ضمنها سيادتنا الوطنيَّة وسلامة وكرامة مُواطنينا؟ ومتى تمَّ ذلك التقييم، ومن قام به ونتائجه، ولماذا أخفوها عن العامَّة؟!
سبق وذَكَرْتَ بأنَّ السُّودان هو (الضحيَّة) الأوَّل/الأكبر للصُلح (المُفاجئ) بين إريتريا وإثيوبيا قبل عام، والذي (أُشيع) أنَّ من أسبابه، حاجة إثيوبيا المَاسَّة لميناء (عصب)، وقلتُ وقتها أنَّ هذا الأمر غير مُجدٍ (اقتصادياً) لإثيوبيا، لأنَّها تستخدم فعلياً موانئ جيبوتي و(بورتسودان)، بخلاف التكاليف المُترتبة على تهيئة وإسناد الطريق (مِنْ وإلى) ميناء عصب، وهو أمرٌ يُرهِق إثيوبيا ويفوق مُعدَّلات نموها بإقرار الإثيوبيين أنفسهم! كما ذكرتَ بأنَّ إثيوبيا تَعَنَّتت/رفضت اتِّفاقيَّة الجزائر (الأُمَميَّة) منذ 2000، وأعادت (فجأة) "بادمي" لإريتريا ووافقت على ترسيم حدودها معها، لأنَّها تسعى لالتهام المزيد من أراضي السُّودان المُسطَّحة، لمُواجهة الأعداد المُتزايدة للسُكَّان، وتوسعة أراضيها الزراعيَّة والرَعَوِيَّة التي سترويها بمياه سد النهضة، فسَارَعَت لـ(استرضاء) الإريتريين ببادمي وبعض الأراضي السُّودانِيَّة التي تطمع فيها (كسلا، طوكر)، ليضمنوا عدم اعتراضهم على تَوسُّعات إثيوبيا الاستعماريَّة ببلادنا، واستدلَّيتُ بالحديث (المُفاجئ) وغير المُبرَّر عن (سَدَّ القاش)، وثمَّة تفاصيل أكثر في مقالتيَّ (اَلْاِلْتِقَاْءُ اَلْإِثْيُوْبْيُّ اَلْإِرِيْتْرِيْ قِرَاْءَةٌ مُغَاْيِرَة) بتاريخ 23 يوليو 2018، و(اَلْسُّوْدَاْنُ مَسْرَحُ اَلْدُّمِي) بتاريخ 5 أغسطس 2018.
مُؤسفٌ جداً التَغَافُل الرسمي الماثل تجاه التحديات الخطيرة التي يُواجهها السُّودان، ومن ضمنها الاحتلالين الإثيوبي والمصري، واللَّذان نَبَّهنا إليهما كثيراً باعتبارهما تحديات تهدد بقاء السُّودان بمن فيه، ومن المَعيبِ استمرار تعاوُن حاكمي السُّودان مع إثيوبيا، التي تحتل أجزاءً من السُّودان وتطمع في المزيد، خاصَّةً إذا ارتبط التعاوُن بمرفقٍ استراتيجيٍ/سيادي كميناءنا الرئيسي. وتزدادُ خطورة ذلك التعاوُن أكثر، في ظل الأحداث السَّاخنة التي يشهدها الشرق السُّوداني، والتَقَارُبات والتفاهُمات (المُريبة) بين كلٍ من إثيوبيا والإمارات تحديداً، لأنَّ الأخيرة لم تُخْفِ رغبتها المحمومة في ابتلاع ميناء بورتسودان وما تزال تسعى لذلك، وهناك السعوديُّون الذين نَالوا أجزاءً واسعة من أراضينا بعضها لمُدَّة 99 عاماً، باتفاقيَّاتٍ (سِرِّيَّةٍ) ومشبوهة، بجانب (البُدُون) والرَّوهينقا وغيرهم من الأجانب (المُجنَّسين)، الذين انخرطوا في مليشيات الجنجويد الإجرامِيَّة، وفق ما أوضحت في مقالتي (الغَفْلَةُ السُّودانيَّة) بتاريخ 26 مايو 2019 وغيرها. والمُصيبة الأكبر، أنَّ قبول حكومتنا الحاليَّة بهذا الاحتلال، سيجعله أمر واقع يستحيل تغييره مُستقبلاً، وكان حرياً بحكومتنا التعامل بندِّيَّة وحسم مع تجاوُزات هاتين الدولتين، لعدم وجود مُبرِّرات لذلك، خاصَّةً ما يتعلَّق بالاقتصاد، حيث تُحتِّم الضائقة الاقتصاديَّة التي نحياها عدم التفريط في مزايانا، والتعامل معها بحساباتٍ دقيقةٍ جداً تدعم مصلحة البلد وليس العكس!
يبدو أنَّ السُّودان موعودٌ بمزيدٍ من نَكَبَات ومخازي من يدَّعون أنَّهم أبناؤه، ويُتاجرون بقضايا أهله المغلوبين على أمرهم، ففي الوقت الذي يتعرَّض فيه أهلنا بالجنينة للإبادة والقتل على أيدي الجيش وبقيَّة المليشيات (إسْلَامَوِيَّة/جنجويديَّة)، يتم استقطاب/تسليح الأجانب لإشعال الشرق، وإطلاق عصابات النيقرز في الخرطوم، لتُكمِل حكومة حمدوك ومن معه المَخازي باستمرار التعاوُن مع الدول المُحتلَّة، وتمنحهم المزيد من مُقدَّراتنا المنهوبة، وآن لنا (إعمالُ) العقول والانتباه للمسارات المُرعبة التي نمضي فيها، وتجاوُز المُتخاذلين والعُملاء. ومن السذاجة بمكان، وصف إثيوبيا ومن يُشارِكْهَا التجاوُز على السُّودان وأهله بالدول الشقيقة، لأنَّ الشقيق لا يؤذي شقيقه ويغدرُ به ويبني سعادته على أنقاضه، ولأنَّ العلاقة بين الأشقَّاء تستندُ على التقدير والاحترام المُتبادل، وإرسائها وتطويرها تبعاً للأهداف والمصالح المُشتركة، وهذه مُتطلَّبات لم تَرَاعِهَا إثيوبيا ومن معها في تعاملهم مع السُّودان!
أُجَدِّد دعوتي السابقة للقانونيين السُّودانيين (الشُرفاء)، لإعداد مُذكِّرات قانونيَّة (رصينة) للأُمَم المُتَّحدة وغيرها من المُنظَّمات، وإدانة الاحتلالين الإثيوبي والمصري وتثبيت حقوق السُّودان، أُسوةً بالتنظيمات/الكيانات المصريَّة والإثيوبيَّة، الذين رفعوا مُذكِّراتهم رغم أنَّ بلادهم (مُعْتَدِيَة) وبلادنا (ضحيَّة). وأثق تماماً بصلابة وعزيمة الشعب السُّوداني، وقُدرته على النجاة والنجاح، وبلوغ غايات التغيير المنشود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله اللبناني يوسع عملياته داخل إسرائيل ويستهدف قواعد عس


.. حزب الله يعلن استهداف -مقر قيادة لواء غولاني- الإسرائيلي شما




.. تونس.. شبان ضحايا لوعود وهمية للعمل في السوق الأوروبية


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية.. وطلاب معهد




.. #الأوروبيون يستفزون #بوتين.. فكيف سيرد وأين قد يدور النزال ا