الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في تونس :الاتحاد العام للشغل وحقيقة الحملة ضدّه

الأسعد بنرحومة

2020 / 1 / 6
المجتمع المدني


بعد سقوط الرئيس السابق بن علي في2011،عرفت تونس أوّل انتخابات رئاسية وتشريعية وُصفت بكونها نزيهة وشفافة ، وكان الفوز الساحق حينها لحركة النهضة . لكن كشفت عن غياب الساحة السياسية من أي قوّة سياسية يمكن لها أن تُحدث التوازن مع الحركة فتمنعها من التفرّد بالحكم وخاصة أنّ من بين أهداف الربيع العربي هو اقامة حكم تشاركي وفق انتخابات لا تعطي الأغلبية المطلقة لطرف واحد.وبخلوّ الساحة السياسية من أحزاب قويّة لم يكن من الممكن ايجاد "التوافق" بين قوّتين سياسيتين يمكن من خلالها تمرير مختلف الأجندات الخارجية المفروضة على الشعب كاتفاقيات القروض واتفاقية الأليكا واتفاقيات الطاقة والسماوات المفتوحة وغيرها. أو كتلك الاتفاقيات التي لها علاقة برسم السياسة الأمنية والعسكرية للبلاد تحت مسمّى " الحرب على الارهاب".
لذلك تمّّ الاستنجاد بالقوّة الوحيدة على الساحة والتي يمكن لها أن توقف تغوّل حركة النهضة ، وتمهّد لظهور كيان سياسي مسخ وهجين وهو حزب نداء تونس لغيّر معادلة انتخابات 2011. وكانت هذه القوة هي الاتحاد العام التونسي للشغل الذي ومن خلال آلاف الاضرابات والاعتصامات وأعمال الفوضى والعنف بين سنتي 2012 و2013 أدّى الى اسقاط حكومة النهضة الأولى بقيادة الجبالي ثم الحكومة الثانية بقيادة العريض ثم ميلاد ما سمي ب "الحوار الوطني " وتكليف حكومة تكنوقراط والتحضير لانتخابات ثانية والتي حصلت في 2014 وأدّت لفوز كل من حزب نداء تونس وحركة النهضة بالمركز الأول والثاني ونالا معا أغلب مقاعد البرلمان. وأصبح من السهل تضليل الشعب وتمرير أخطر مشروع سياسي يبني للفشل وجمود الدولة وعجزها وهو ” التوافق“ .وكان الغرض من هذا التوافق خلق وضع سياسي هشّّ وضعيف يتيح للأطراف السياسية السلاسة المطلوبة لتنفيذ ما رُسم من سياسات خطيرة وأجندات مشبوهة لها علاقة بتثبيت الاستعمار.
ولكنّ الاتحاد العام التونسي للشغل والذي تمّ استعماله ما بين 2011و2014 للوصول للتوافق المنشود ومن بعدها المشاركة في تنفيذ مختلف هذه الأجندات استمرّ في حركات الفوضى والاضرابات والتشويش على السلطة بما ساهم في بطء تنفيذها أو تعطيلها وخاصة فيما يتعلق بالاتفاقيات مع المؤسسات المالية المانحة وفي مقدمتها طبعا صندوق النقد والبنك الدوليين ، أو تلك التي مع الاتحاد الاوروبي كاتفاقية الأليكا . هنا وجب ان نشير ان تبريرالمنظمة الشغيلة لتلك الاحتجاجات والادعاء بكونها من أجل حماية المؤسسات العمومية والثروة الوطنية ليس صحيحا ولا علاقة له بمصلحة البلاد والشعب وخاصة أنّ الاتحاد كان شريكا مع السلطة ومنذ انطلاق برامج الخصخصة في تونس سنة 1986 في التفريط في المرفق العمومي بل ومساهما في التضليل والتستر على السلطة خاصة خلال فترة التسعينات وحكم بن علي .
واستمرار اتحاد الشغل في موجة الاحتجاجات كان فقط تخوفا منه من فقدان اكبر مجال يحفظ- وجوده ويعطيه القوة وهو مجال القطاع العمومي من صحة وتعليم ونقل وغيره ، وخاصة أن من بين املاءات صندوق النقد الدولي هو خصخصة هذا القطاع والتفريط فيه للخواص.وهو ما يقلق اتحاد الشغل ويثير مخاوفه.
انّ أعمال تقزيم الاتحاد ووقف تغوله من خلال ما نشاهده اليوم من ظهور ملفات متنوعة تكشف فساد المنظمة الشغيلة وما تسببت فيه من ضرر كبير للدولة وللمجتمع وللشعب سواء من خلال اهداره للمليارات التي ذهبت في جيوب القيادات، أو تورطه في صفقات الفساد وهدر المال العام ،أو تآمره مع السلطة ، أو وصف الاتحاد بكونه صار بؤرة للفساد والانتهازية والرشوة وملاذا آمنا للفاسدين“ وكلّ ذلك صحيح لا لبس فيه ” ، بالاضافة لعشرات التقارير التي تخرج سواء من دائرة المحاسبات او منظمات الرقابة ومنها منظ-مة يقظ أو غيرها ، كل ذلك جاء في لحظة أصبح فيها مطلوبا ” محليا ودوليا“ تقزيم تأثير اتحاد الشغل وتقليم أظافره وحصر مهامه في مربع العمل النقابي بالاضافة لدوره في حماية ” الديمقراطية الناشئة وعقيدتها فصل الدين عن الحياة ” ، وذلك حتى يتسنى للسلطة المشي قدما في تنفيذ ماهو مطلوب منها من الغرب و أميركا في
بنود مشروع الشرق الاوسط الكبيروفصوله المختلفة ” الحكم الاقتصاد الجباية الامن التعليم الثقافة الصحة ...“ والذي بات يُنفّذ علينا تحت يافطة ” الثورة ” وعنوان ” الربيع العربي ” .
لذلك ليس منتظرا أن تقف الحملة ضدّ الاتحاد على الأقل بالنسبة للمستقبل القريب ، وستستمرّ ، بل من المنتظر رفع قضايا على بعض القيادات والتي ستؤدي الى تقزيم تأثير دور اتحاد الشغل في الساحة السياسية واضعاف تأثيره في المجال النقابي ولكن
لن تصل هذه الحملة الى الحاق ضرر كبير بالمؤسسة الشغيلة قد تهدد وجودها ، فدور الاتحاد في حماية مشروع الشرق الاوسط الذي يديره الامريكان والغرب في بلادنا أساسي وضروري ولا يمكن الاستغناء عليه .
انّ المنظمة النقابية غارقة في الفساد ، بل هي متواطئة وخلال عقود كاملة مع السلطة البورقيبية او مع بن علي بعده،وهي أيضا كانت احد أسباب انهيار منظومات الانتاج وفشلها ، واليوم صار الاتحاد العام للشغل بؤرة حقيقية للفساد والرشوة والجوسسة ، بل هو يمثل خطرا على الدولة وعلى الأمن ،وفتح ملف الاتحاد وتعريته وكشف حجم الخطر فيه ، بل وضرورة حلّه وبحث سبل أخرى تحمي العمال والشغالين صار ضرورة قصوى وحاجة ملحة ، ولكن ليس أن تكون هذه الجهود فقط استجابة لما يريده غيرنا من خارج البلاد من أجل حماية مصالحه هو وتثبيت استعماره. فكان لزاما أن نقف على حقيقة الحملة المفاجئة على اتحاد الشغل، فهي حملة مقصودة من أجل تحجيم دوره كما تمّ قبله تحجيم تأثير حركة النهضة وتحجيم دور اليسار كما كان مطلوبا من مراكز الجوسسة الغربية والامريكية التي تعمل تحت اسم مراكز الدراسات مثل مركز كارنيجي للدراسات او غيره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب


.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا




.. الأمم المتحدة تدعو لتحقيق بشأن المقابر الجماعية في غزة وإسرا