الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا جديد تحت الشمس

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2020 / 1 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


د. جاسم الصفار
07/01/2020
منذ صبيحة يوم الجريمة، اي يوم الجمعة الماضية 03/01/2020، ولمدة يومين رقص البعض فرحا بتصفية احد قادة الحشد الشعبي البارزين (أبو مهدي المهندس) مع الجنرال الايراني المعروف (قاسم سليماني)، واطلقوا على ذلك اليوم الذي سفكت فيه الدماء واستبيحت سيادة العراق بأنه "جمعة مباركة"، وقد وصلت رسالتهم، سواء بتخطيط او دون تخطيط، الى اسيادهم ومشغليهم، ليعلنها بفرح وغرور وزير الخارجية الامريكي بومبيو " العراقيون فرحون بتصفيتنا للارهابيين" ومن قصدهم بومبيو بالارهابيين هم قادة معركة التحرير ضد داعش.
بعدها، في 05/01/2020 عقد البرلمان العراقي جلسته الاستثنائية بغياب النواب السنة والاكراد ليتخذ قراره المعروف بسحب القوات الاجنبية من العراق بتوصية من رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي. ومع ان القرار المذكور الذي اتخذ بأغلبية شيعية، لم يكن شديد اللهجة ولا حتى حاسما في موقفه السياسي الخارجي، كما كان يتمنى زعيم التيار الصدري (حسب رسالته الموجهة للبرلمان في جلسته تلك)، الا ان الحملة الاعلامية المعادية للقرار، في القنوات التلفزيونية، ذات الولاءات المعروفة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت مباشرة بعد اتخاذه.
فمن جهة، سعى البعض الى الطعن بقانونية القرار الذي صوت عليه البرلمان العراقي بخروج القوات الاجنبية من العراق وشككوا بصلاحيات حكومة مستقيلة اوكل اليها امر تنفيذه، ومن جهة اخرى جرى الباس القرار لباسا طائفيا لجعل الشيعة وحدهم رأس حربة في التصدي للعدوان الامريكي، لتذكير الامريكان بمن هم اصدقاء امريكا في العراق وما الذي يستحقونه مقابل ذلك.
عدا ذلك كانت هنالك ملاحظات تشير الى انه كان من الافضل لو ان الاحزاب الشيعية في البرلمان قد بذلت جهدا اكبر من اجل اشراك السنة والاكراد (ولا اقصد هنا الطوائف والقوميات عموما، بل الاحزاب المهيمنة على قرارها) لكي لا يخرج القرار شيعيا بامتياز. ومع ان هذا الرأي حكيم في ظاهره الا انه عصي على التنفيذ في واقع يضع فيه كل مكون مصالحه فوق مصالح وكرامة الدولة العراقية، ثم ان الوقت لم يكن يسمح بالمماطلة والتأجيل.
الرئيس الامريكي دونالد ترامب، لم ينتظر طويلا ليرد بصفاقته المعروفة، مهددا بالعقوبات على العراق والمطالبة بدفع تعويضات عن المعسكرات التي انشأها الامريكان في العراق. وكان من الممكن ان توضع ردة فعل الرئيس الامريكي في مكانها الطبيعي كتعبير انفعالي سريع عن غضبه واستياءه من قرار دولة لم يكن يوما مهتما بسيادتها واستقلالية قرارها السياسي.
كل هذا عادي ومفهوم لولا تلقف البعض للتهديد الامريكي كاشارة لتصعيد حملة اعلامية لتخويف العراقيين من مستقبل اسود ينتظرهم يفوق حتى حالة الحصار التي مروا بها بعد احتلال الكويت. وقد نجحت هذه الحملة في خلق حالة رعب حتى في الصف الوطني وعند العقلاء من الناس. ساعدتهم في نجاحها ذاكرة ما زالت تحتفظ بتفاصيل الحياة البائسة التي مروا بها في تلك الفترة. هددوهم باعادة العراق الى الفصل السابع وذكَروهم بحياة العوز التي عانوا منها في ذلك الوقت بكل تفاصيلها متبلة باراجيف صنعها خيالهم المريض.
وبالفعل تمكنت تلك الحملة الاعلامية من خلق حالة اضعفت الموقف الوطني، فتراجع زعيم التيار الصدري عن فحوى رسالته الى البرلمان وكتب المقرب منه محمد صالح العراقي رسالة يؤكد فيها على ان الاولوية للجهد الدبلماسي، وبدأ الاعلام الرسمي ينشر توضيحات يخفف فيها من اثر قرار البرلمان، وكأن قرار سحب القوات الاجنبية من الاراضي العراقية لا علاقة له بخرق امريكا لسيادة العراق أو، والعياذ بالله، ان تكون ردا على اغتيال عراقيين وايرانيين على الاراضي العراقية.
فالموضوع بمجمله، حسب الاعلام الرسمي الذي ساد بعد التهديد الامريكي، ليس سوى تحصيل حاصل، ونتاج للوقائع على الارض بعد تحرير العراق من داعش والتي كان احتلالها للعراق هو الذي دعا وقتها الحكومة العراقية لطلب مساعدة قوات التحالف. وبما ان السبب قد زال بتحرير الاراضي العراقية، فلا جدوى بالتالي لوجود قوات التحالف على الاراضي العراقية. ولزيادة التطمين اكد الطرف العراقي على ان "اتفاقية الاطار الستراتيجي" مع امريكا تبقى فاعلة كما هي تجنبا لفراغ امني قد يحصل في العراق، على حد تعبير عضو البرلمان رياض محمد علي، في حديث لموقع VOA الاميركي.
وصلت الرسالة الاخيرة الى صناع القرار في امريكا، فطمأنت وزارة الخارجية الأميركية العراقيين، يوم الثلاثاء 07/01/2020، بنفيها للانباء المتداولة بوجود مناقشات لفرض عقوبات على العراق، مؤكدة انه لاتوجد نية لفرضها حاليا. وقالت المتحدثة باسم الخارجية مورغان أورتاغاس في تصريح متلفز ان العراق حليف الولايات المتحدة والخيارات الدبلوماسية مازالت مطروحة معه. وأضافت أورتاغاس ان المشاكل قد تحدث بين الحلفاء والخيار الدبلوماسي هو الافضل لحل الازمات والمشاكل بينهم. ثم اعلن بعدها ترامب، بلهجة توبيخ وتهديد: "اذا عاملنا العراق باحترام فلن نفرض عليه اي عقوبات".
ومع اني ايضا اؤمن بضرورة الحفاظ على علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة الامريكي، الا اني كنت منذ البداية غير مصدق لأية عقوبات يمكن ان تفرضها امريكا على العراق. فالساسة من الشيعة الذين اتخذوا القرار في البرلمان العراقي يعلمون جيدا بانهم اول من يتضرر بالعقوبات الامريكية، التي ستشمل حتما التهديد بمصادرة اموالهم المنهوبة وضياع نعيمهم الذي وفره لهم نظام المحاصصة الاثنية والطائفية وانهم سيسارعون لطمأنة الطرف الامريكي.
واخيرا، فلابد من التذكير بأن العالم قد تغير يا سادة، واصبح اليوم من المستحيل على امريكا فرض حصار كذلك الذي كان بعد احتلال الكويت، ولكن يبقى بالتأكيد ثمن الحرية واستقلالية القرار العراقي والدفاع عن السيادة الوطنية غاليا، قد نضطر يوما لدفعه كما تدفعه اليوم دول كبرى ولكن دون مغالات وبلا انفعالات وبعد عمل صبور لبناء دولة تملك مقومات الصمود والمناورة. وهذا لن يكون الا باسقاط نظام المحاصصة الاثنية والطائفية وتشييد دولة المواطنة. دولة يحترمها الصديق ويخشاها العدو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح